نورالدين قربال يكتب: أهمية الغيب في بناء عالم الشهادة

يعتمد إدراك المتاح من الغيب استحضار جدلية النقل والعقل والحواس. مما يساعد على الفهم المفضي إلى التنزيل في عالم الشهادة انطلاقا من الفعل والتأويل.لذلك تم تسخير كل شيء للإنسان في ظل ربط المسؤولية بالمحاسبة إن عاجلا أم آجلا. وبالتالي يمتح الإنسان مشروعية الشهادة على الناس من استحضاره للغيب. ومن تم يبنى الحضور الحضاري في إطار التوازن بين عالمي الغيب والشهادة.
هذا التوازن ضرورة شرعية وحاجة اجتماعية بذلك نعبر مرحلة الوعي الشقي، والزمن المضطرب، والبناء الإنساني المختل، وهدر الزمن. وهذا ما يتناقض مع مفهوم الاستخلاف ومضامينه السامية. والتي من أهم قيمه الإنتاج والعمل الصالح الذي هو جوهر عمارة الأرض والاستثمار الراقي، وحسن النظر والتأمل والتدبر. من أجل الإنتاج العلمي بناء على الوعي القيمي. بهذا التصور نواجه الكدح في عالم الشهادة ونضمن بحول الله حسن اللقاء يوم أداء الحساب.
إن جدلية الغيب والشهادة في عملية الإصلاح جبلية في ذاكرة الإنسان لأنها تفتح باب السؤال، المتبوع بالتنقيب، والمؤسس للعلوم لأنه يوسع الأفق، في مناخ الترقي عموديا وأفقيا. والسؤال العام ما هي تجليات هذه الجدلية؟ إن التقوى معيار أساسي في التفاضل بين الناس. واستحضار الغيب ينتج التوازن والانسجام من أجل بناء عالم الشهادة انطلاقا من تحقيق المصلحة وجلبها ودرء المفاسد ولفظها.
يبرز الإيمان بالغيب حسن البصيرة في عالم الشهادة، والمعينة على وضع خريطة الطريق للإصلاح، ومن أهم مقوماتها المراقبة الذاتية، والسعي نحو عمارة الأرض تصورا وتنزيلا وإحساسا وسلوكا انطلاقا من جدلية النقل والعقل والحواس. كل هذا يساعدنا على فهم العلاقة بين عالمي الغيب والشهادة. هذا ما يكرس وضوح أصول المعرفة وطرق العلم، وحدوده، وطبيعة المناهج المعتمدة، والمحبة والتواضع، وفعل الخيرات والإحسان.
ويساهم عالم الشهادة في إثبات عالم الغيب. ونمتح من الإيمان به حسن عمارة الأرض، وترشيد الاستخلاف، والإتقان في كل شيء ويلخص هذا المقام قوله صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المومن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمومن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”. رواه مسلم. ومن القيم التي نستشفها من خلال الإيمان بالغيب ما يلي الخير والمحبة والتعاون والعمل الصالح والتغافر والإحسان والامن والاستقرار والتوكل على الله والاستقامة وحسن الخلق وضمان الحقوق والحياة الطيبة والحرية والمساواة والعدالة والمشاركة في الحياة العامة والاعتقاد السليم والتفكير الراقي وحسن التعبير والحرية الدينية والدعوة والبلاغ والملكية وبناء الأسرة والتربية.
الخلاصة أن الإيمان بالغيب يعطي معنى:
-للوجود الإنساني والتطور الحضاري.
-للدورة الزمانية في تناغمية مع الفضاءات المكانية.
-للاستخلاف وعمارة الأرض.
-للإبداع الذاتي والجماعي والكوني.
-لرؤى الإصلاح المنتجة للسلوك القويم.
-للتوحيد والوحدة وما يدورفي فلكها.
-للقضاء والقدروالخروج من ذلك الجدل الأزلي الذي ينتج عنه.
-للتحلية والتخلية من أجل السمو في سلم التزكية.
-للوجود في ظل حسن استثمار الزمن واستثماره في البناء الإيجابي.
-للمعرفة والحب والتعايش والسلم والاستقرار.
-للعقائد والشعائر والمعاملات.
إذن مزيدا من تقوية وتنمية الإيمان بالغيب، في سلم المقاصد الكبرى للشرع الحكيم، من أجل الدعم لعالم الشهادة عن طريق صقل البصيرة، وتنقية الحواس، وترشيد الزمن، وتمثل العالمية العادلة، وترقية التدبر للكتاب المقروء والمشهود، وحسن استعمال العقل، وتوظيفه في القراءة المقاصدية، ونبذ احتكار المعرفة الإنسانية. وبذلك نرسم سيمفونية بين العالمين الغيب والشهادة، والله نسأل الهداية والرشاد والفلاح آمين.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.