بعيون “أمريكية خبيرة”: القضاء على حماس وتدميرها مهمة مستحيلة

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ومقره العاصمة الأميركية واشنطن، تقريرا مفصلا في محاولة للإجابة عن السؤال المتكرر: ماذا يعني تدمير حركة حماس؟
أعد التقرير كاتبان خبيران في الصراعات الدولية، وهما ديفيد أليبيرتي الخبير في برنامج الأمن الدولي التابع للمركز، ودانيال بايمان وهو باحث في مشروع التهديدات العابرة للحدود الوطنية، وأستاذ في جامعة جورج تاون.
ويؤكد التقرير أن تكلفة العدوان على غزة مرتفعة للغاية، وأنه يتعين على إسرائيل أن تدرك أن أي شكل من أشكال النجاح في هذه الحرب من المرجح أن يكون محدودا، وأنها سوف تستمر في التعامل مع حماس، والمشكلة الأوسع في غزة لسنوات قادمة.

تقييم معركة طوفان الأقصى
يبدأ التقرير بعرض التوافق في رد فعل رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن تجاه عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في 7 أكتوبر 2023.
بعد الهجوم، أعلن الاحتلال أنه لا بد من تدمير حركة حماس ووضع حد نهائي لتهديداتها، في حين أكد بايدن ضرورة القضاء على الحركة بالكامل.
وهنا يطرح الكاتبان 3 خيارات تتعلق بتدمير حماس:
الأول: محاولة قتل -أو القبض على- قيادات حماس والقضاء على شبكات الدعم الأوسع التي تعتمد عليها.
الثاني: تحطيم قبضة حماس على السلطة من خلال تعزيز منافسيها، والسماح لهم بإزاحة الحركة.
الثالث: محاولة مواجهة أيديولوجية حماس التي تشجع على المقاومة العنيفة لإسرائيل.
ويرى الكاتبان أن جميع هذه الخيارات صعبة التحقيق، ويكتنف كلا منها تحديات كبيرة.

أولا: القضاء على قيادة حماس وشبكات دعمها
شنت إسرائيل غارات جوية وعمليات برية لأكثر من 70 يوما، بهدف تدمير حماس، ويقدر المسؤولون الإسرائيليون -بحسب التقرير- أن آلافا من مقاتلي حماس قتلوا.
لكنه يستدرك أنه رغم الخسائر الكبيرة من حيث الأعداد، فإن الحركة ما زالت بعيدة عن الهزيمة، ناهيك عن تدميرها.
1- حركة راسخة عصية على الزوال
وينقل التقرير تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال فيها إن حافظت إسرائيل على هدفها بتدمير حماس وبنفس الوتيرة، فإن هذه الحرب ستستغرق 10 سنوات.
وربما تكون توقعات ماكرون متفائلة، نظرا للنتائج المبكرة والسوابق التاريخية لمحاولة تدمير حركات التمرد الراسخة.
ومن الأمثلة على هذا النوع من القتال، أنه حين بدأت الولايات المتحدة عمليات عسكرية لإزالة حركة طالبان من السلطة وتدمير تنظيم القاعدة في أفغانستان في عام 2001.
وقتلت القوات الأميركية آلاف المسلحين وعشرات القادة، بمن فيهم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2011، لكن الحرب ضد طالبان وتنظيم القاعدة لم تنته، واستمرت القاعدة لمدة عشر سنوات أخرى.
وعندما غادرت القوات الأميركية أفغانستان، كانت حركة طالبان منتصرة، بينما بقي تنظيم القاعدة على حاله، رغم أنه أضعف بكثير.
2- استهداف القادة أكثر صعوبة
كما أنه من الصعب استهداف القادة على وجه الخصوص، حيث استغرقت الولايات المتحدة 10 سنوات لتعقب بن لادن والقضاء عليه، والحال نفسه بالنسبة لخليفته أيمن الظواهري، الذي قاد التنظيم 11 عامًا أخرى، حتى تم اغتياله في 31 يوليوز 2022.
لذا فإن ملاحقة قادة الصف الأول من حماس وكتائب القسام يشكل تحديا كبيرا وصعبا للجيش الإسرائيلي، خصوصا مع وجود شبكة معقدة ومحصنة من الأنفاق.
ورغم ذلك، فإن حماس تتمتع بوجود عميق متجذر في الشعب الفلسطيني، فخلال الانتفاضة الثانية، فقدت مرارا وتكرارا كبار قادتها، بما في ذلك مؤسسها، ومع ذلك فقد تمكنت من الصمود، وتمكنت بسرعة من اكتساب السلطة في غزة بمجرد رحيل القوات الإسرائيلية.
كما أن وضعها الحالي أفضل بكثير مما كانت عليه، فقد أدت إدارتها التي تمتد لأكثر من 15 عاما إلى زيادة حضورها وتجذرت علاقتها مع الشعب، ونتيجة لذلك، تستطيع حماس بسهولة العودة للحكم بمجرد مغادرة القوات الإسرائيلية.
3- القدرة على تجنيد عناصر جدد
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدد مقاتلي حماس ليس ثابتا، ويمكنهم الاعتماد على الفلسطينيين في غزة لملء صفوفهم، فالحركة لم تعجز عن تجنيد العناصر، ومن المرجح أن يؤدي الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي إلى ضمان وجود وفرة من الشباب الفلسطينيين الغاضبين المستعدين للقتال.
ولا ينبغي أن نستبعد احتمال أن يؤدي استمرار العدوان إلى توسيع الصراع، إذا قيم حلفاء الحركة أنها تقترب من الهزيمة. وقد ينضموا إلى القتال ضد إسرائيل.
وفي تفنيد هذه النقطة أيضا، فإن عدد الضحايا المدنيين وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في القطاع يعادل أضعاف القتلى من عناصر القسام، وهذه النسبة ليست واعدة وغير مطمئنة، ولا تمهد لنجاح الهدف الأساسي لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
والأمر شبه المؤكد هو أن عدد الضحايا الفلسطينيين قد أدى بالفعل إلى تحول الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، ولصالح الفلسطينيين، كما أنها خلقت توترا مع إدارة بايدن، الداعم الأقوى والأكثر أهمية لإسرائيل.

ثانيا: تحطيم قبضة حماس على السلطة وتقوية جماعات بديلة
تكمن النقطة الثانية في التمكين لقيادة بديلة لحماس في قطاع غزة، التي روج لها الرئيس بايدن، ويمكن أن يدخل على هذا الملف دول عربية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يمكن أن يكون لهما دور في هذا الأمر.
1- استبدال سلطة حماس
في هذا السيناريو، لا تتمثل الفكرة في تدمير حماس بشكل مباشر، بل في استبدال سلطتها السياسية في غزة، مما يقلل إلى حد كبير من قوتها الإجمالية.
ويرى الكاتبان، أن استبدال حماس سياسيا أمر صعب، فجذورها العميقة في غزة تسمح لها بحشد الدعم في جميع أنحاء القطاع.
ويتعين على أي منافس أن يحصل على الدعم بين الفلسطينيين العاديين في غزة، وأن يمتلك القوة العسكرية اللازمة لقمع قوات حماس في الوقت الذي تتحدى فيه سلطة البديل.
ولا تبدو السلطة الفلسطينية -بحسب التقرير- خيارا أمثل في هذه الحالة، فهي ضعيفة وفاسدة، ومصداقيتها في الضفة على المحك، فهي في نظر كثير من الفلسطينيين “خادمة للاحتلال الإسرائيلي”.
وإذا استولت السلطة الفلسطينية على السلطة في غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، فإنها ستفقد المزيد من مصداقيتها، ولن تتمكن بمفردها من مواجهة حماس في غزة، وبالتالي، ستحتاج إلى دعم إسرائيلي مستمر.
2- تكامل سياسي
والبديل عن ذلك، هو أن تعمل السلطة الفلسطينية مع حماس، التي يجب أن تكون جزءا من المستقبل الفلسطيني في هذه الحركة، وسوف ترفض كل من إسرائيل والولايات المتحدة هذا الموقف.
لذا فإن أي تسوية مع السلطة الفلسطينية لن تؤدي إلى القضاء على حماس ولا يمكن الدفاع عنها أمام وجهة النظر الإسرائيلية، لأنها ستضفي الشرعية على الحركة، التي ستكون الشريك الأكبر في أي علاقة مع السلطة في غزة.
3- عزوف عربي ودولي
أما على مستوى الدول العربية، فليس لديها اهتمام كبير بالتدخل، وقدراتها محدودة، وليس سهلا على أي نظام عربي أن يظهر أمام شعبه على أنه يدعم إسرائيل، ويساعدها في الحرب ضد حماس.
وعلى نحو مماثل، فإن القوات الدولية سوف تبحر على غير هدى في غزة، وسيكون لديهم القليل من المعرفة بالناس وسيتم اعتبارهم محتلين.

ثالثا: مواجهة أيديولوجية حماس
مفهوم آخر للهزيمة يتضمن محاربة أيديولوجية حماس في الممارسة العملية للحكم.
ويكمن التعقيد في هذا الأمر، في النهج الذي تتبناه حماس في المزج الخاص بين الإسلام السياسي والقومية الفلسطينية.
1- تجسيد المقاومة
تسعى حماس إلى تجسيد “المقاومة”، التي تقوم على تحدي إسرائيل عسكريا حتى يتمكن الفلسطينيون من الحصول على حقوقهم، وهذا يمنح الحركة دعما شعبيا غير محدود، يجعل من فكرة تدميرها أمرا ملهما للشعب للوقوف إلى جانبها ودعهما بوتيرة غير محدودة.
وفي الوقت الحالي، لا تحظى أي أيديولوجية مضادة لحماس بقبول واسع بين الفلسطينيين، فالقومية التقليدية، التي تجسدها حركة فتح في تراجع منذ سنوات، وبعد عملية طوفان الأقصى زادت شعبية حماس في مقابل تراجع كبير لمنافسيها.
2- شعبية متصاعدة
والأسوأ من ذلك بالنسبة لإسرائيل أن أيديولوجية “المقاومة” أصبحت أكثر شعبية، إذ تظهر استطلاعات موثوقة أن حماس تتمتع بشعبية أكبر بكثير بين الفلسطينيين.
لقد وجهت حماس ضربة قوية لإسرائيل، اعتبرت بمثابة التنفيس للعديد من الفلسطينيين الذين يشعرون بالإهانة بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر.
3- الخسائر الفادحة
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين والدمار الناجم عن الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد زاد من مرارة الفلسطينيين، وهذا جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية في أن تظهر للفلسطينيين أنهم سيدفعون ثمنا باهظا للمقاومة.
وهذا الأمر ذو حدين فإما أن يزيد من العمل المقاوم ضد الاحتلال، وإما أنه -مع مرور الوقت- قد يؤدي إلى بروز فئة من الشعب تلوم حماس.

خلاصة
ويخلص التقرير إلى أن تكلفة العدوان على غزة مرتفعة للغاية، ويتعين على إسرائيل أن تدرك أن أي شكل من أشكال النجاح في هذه الحرب من المرجح أن يكون محدودا، وأنها سوف تستمر في التعامل مع حماس، والمشكلة الأوسع في غزة لسنوات قادمة.

المصدر: الجزيرة نت

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.