الزج بالعدالة والتنمية وابن كيران في أزمة التعليم.. محاولة للفهم !

في الأيام القليلة الأخيرة، روج بعض المحوسبين على حكومة الكفاءات، وبأساليب مفضوحة ومكشوفة، لفيديوهات ومقاطع مجتزأة من تصريحات سابقة للأستاذ عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية تهم الزيادة في أجور الأساتذة، في محاولة لتبرير فشل الحكومة في تدبير أزمة التعليم والهاء الرأي العام عن موضوع مهم يهم مستقبل أبناء المغاربة الذين لم يدرسوا لما يزيد عن شهرين، فما خلفيات هذا الترويج؟ ولماذا التركيز على حزب العدالة والتنمية بالرغم من أنه لا يوجد في مواقع التسيير؟
حملات مغرضة ومدروسة
الباحث الأكاديمي سليمان صدقي، قال في هذا الصدد، إنه لا بد من وضع تصريحات الأستاذ عبدالاله بنكيران المجتزأة في اطارها الحجاجي وسياقها السياسي، وأوضح أن حديثه عن الزيادة في أجور الأساتذة جاء في إطار نقاش سياسي حول الوعود الانتخابية التي أطلقتها أحزاب الأغلبية الثلاث في سياق انتخابي معروف، خاصة أن حزب رئيس الحكومة وعد بزيادة 2500 درهم للأستاذ، وهو ما اعتبره الجميع آنذاك وإلى اليوم أمرا يستحيل تحقيقه، حيث من جهة يحتاج لتعبئة موارد مالية ضخمة من الميزانية العامة، ومن جهة أخرى أعاد للنقاش موضوع العدالة الأجرية والاجتماعية بين مختلف قطاعات الوظيفة العمومية والتي تتطلب توفير ما بين 50 و60 مليار درهم سنويا من الميزانية العامة وهو أمر غير ممكن عمليا، وهذا ما حاول الاستاذ بنكيران توضيحه يقول صدقي.
ويرى صدقي في تصريح خص به pjd.ma، أن هذه الحملات المغرضة والمدروسة، والتي يقف خلفها الذباب الإلكتروني أساسا ليست الأولى من نوعها، فكلما ارتفع صوت النقاش حول موضوع يتعلق بسوء تدبير الحكومة الحالية لأحد القطاعات وأزماتها المتوالية، إلا ويتم اللجوء إلى تمويه وتحوير النقاش العام.
وأوضح أن هذا الأمر ظهر جليا مثلا في مسألة الأرباح الخيالية التي تحققها شركات المحروقات، وبدل أن تتدخل الحكومة الحالية لإعمال مقتضيات قانون المنافسة بتسقيف الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، نجد أن كتائبها الإلكترونية وعدد من الأصوات الإعلامية تلجأ إلى إطلاق حملات إعلامية تضليلية ضد الحكومتين السابقتين، رغم أن الأخيرتين ظلتا إلى آخر يوم من ولايتهما الانتدابية تتدخلان بقوة من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين واستقرار الأسعار، ومواجهة الاحتكار والمضاربة وتضارب المصالح.
وأضاف المتحدث ذاته، أنه نفس الشيء يمكن قوله بخصوص أزمة الطماطم والغلاء غير المبرر لأسعار السلة الغذائية (الخضر، اللحوم، الزيوت…) للمواطن البسيط، ووقوف المواطنين على تضارب المصالح بين لوبيات اقتصادية وجدت لها موطئ قدم على مستوى التدبير الحكومي، دون اغفال خلق الحكومة الحالية لأزمات كثيرة تتعلق مثلا بشفافية تدبير عدد من المباريات، وتعيين مسؤولين بناء على معايير حزبية ضيقة بدل الكفاءة والاستحقاق، واستشهد في هذا الصدد، بتعيين مسؤول حزبي بوزارة التربية والتعليم من خارج لائحة المتنافسين..
إنجازات غير مسبوقة
ويرى الباحث الأكاديمي، أن هذه التصريحات المجتزأة للأستاذ بنكيران تبقى رأيا شخصيا نتفق معه أو نختلف، لكن واقع تدبيره الحكومي يعكس عكس ذلك تماما، وأبرز أن الحكومتين السابقتين انخرطتا في مسار واضح ومسؤول لتحسين الوضعية الاجتماعية للموظفين والأجراء، من قبيل الزيادة العامة في أجور موظفي القطاعين العام والخاص، حيث ثم رفع الحد الأدنى للأجور لأول مرة في القطاع العام بعد أن جمد لعقود لـ 3000 درهم سنة 2014، استفاد منه انذك حوالي 150 ألف موظف، وفي القطاع الخاص بـ 10 في المائة.
وتابع “اليوم كحصيلة وصل الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص لـ 3000 درهم بعد أن كان لا يتجاوز 2500 درهم، بمعدل زيادة تصل لـ 500 درهم، وهي زيادة لم تحققها أي حكومة سابقة على حد تعبيره.
وأشار في هذا الصدد، إلى تنفيذ زيادة عامة في أجور موظفي القطاع العام بـ 600 درهم في بداية حكومة بنكيران، حيث كلف ذلك حوالي 13 مليار درهم، بالإضافة إلى عرض مالي آخر في 2016 وصل لحوالي 6 مليار درهم أي بزيادة 4 في المائة من أجور الموظفين (بين 300 إلى 1900 درهم حسب الوضعيات الإدارية حيث ستستفيد الفئات ذات الأجور الدنيا والمتوسطة أساسا)، قبل أن يستدرك أن النقابات الحالية رفضت هذا العرض وقبلت بعرض أقل منه بكثير من أخنوش.
فيما بلغت الزيادة العامة في الأجور 500 درهم في 2019 في عهد حكومة العثماني يضيف صدقي، مشيرا إلى أن حكومتي العدالة والتنمية أقرتا إصلاحات اجتماعية جوهرية وغير مسبوقة من قبيل إحداث صندوق للتماسك الاجتماعي بميزانية وصلت لغاية 2023 إلى حوالي 30 مليار درهم، مكن من اقرار دعم مالي مباشر للأرامل وأطفالهن (340 ألف مستفيد)، كما رفعت التعويضات العائلية إلى 300 درهم عن كل طفل، و الزيادة في منحة الولادة من 150 درهم إلى 1000 درهم عن كل ولادة جديدة، مشيرا إلى أن هذا الإجراء الأخير كلف لوحده مليار درهم سنويا في 2020، الأمر الذي لم يتحقق منذ 1958 يقول المتحدث ذاته.
وفي السياق نفسه، أشار إلى أن حكومة ابن كيران رفعت من الحد الأدنى للمعاشات لـ 1500 درهم بعد أن كان عدد من المتقاعدين يتقاضون فقط 70 و100 درهم كمعاش.
لا مجال للمقارنة
وعلى المستوى المالي، قارن الباحث الأكاديمي كُلفة الحوار الاجتماعي بين الحكومات الثلاث (بنكيران، العثماني، أخنوش)، مبرزا أن كلفة هذا الحوار وصلت في عهد بنكيران إلى حوالي 13.5 مليار درهم (2012) و6 مليار درهم (2016)، وفي عهد العثماني (اتفاق أبريل 2019) قارب 15 مليار درهم وهو أغلى حوار اجتماعي في نظره، مشيرا إلى أن الحصيلة الاجمالية لتكلفة الحوار بلغت حوالي 34 مليار درهم خلال حكومتي العدالة والتنمية، وهي ميزانية ضخمة وغير مسبوقة وجهد ميزانياتي استثنائي يؤكد المتحدث ذاته.
في مقابل ذلك، يرى صدقي، أن حكومة أخنوش بالكاد قاربت كلفة حوارها الاجتماعي (أبريل 2022) والذي باركته النقابات 3.5 مليار درهم! وهو بحسبه رقم متواضع وهزيل لم يستفد منه أغلب الموظفين خاصة ذوي الأجور الدنيا (حوالي 70 في المائة)، ولا يرقى لطموحات الشغيلة بصفة عامة، مشيرا إلى أن بعض النقابات الحالية عارضت بشدة أي اتفاق مع الحكومتين السابقتين في حين تابع ويتابع الكل كيف تحولت عدد منها (الأكثر تمثيلية) لأدرع انتخابية لأحزاب الأغلبية الحكومية الحالية قبل وأثناء انتخابات 2021، وداعم سياسي للحكومة الحالية رغم الحصيلة الضعيفة والأزمات المتوالية.
وشدد على أن المطلوب اليوم من حكومة أخنوش بدل تمويه النقاش، هو إقرار زيادة عامة في الأجور بشكل عادل ومنصف يستهدف بالأساس الفئات ذات الأجور المنخفضة التي تشكل أزيد من ثلثي موظفي الادارات العمومية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.