محمد عصام يكتب: بعد سنتين من مأزق ما بعد 8 شتنبر.. المغرب إلى أين؟ !!

مرت سنتان بالكمال والتمام على محطة 8 شتنبر، وتم فيها ومن خلالها إحكام قبضة “المال” على السياسة، والنتيجة التي لم تزدها الأيام والشهور إلا وضوحا وثباتا، هي أن قتل السياسة قد تم بنجاح، وأن القطيعة قد تعمقت بين المواطن والسياسة وما تنتجه من مؤسسات، والمؤشر على ذلك هو هذه اللامبالاة التي يستقبل بها المواطن قرارات الحكومة ويتعايش بها مع مؤسسات ما بعد تسونامي 8 شتنبر من حكومة ومجالس جماعات ترابية ونخب فاقدة للجدارة والكفاءة، تُعرّيها الأيام والشهور، وتبدي سوءاتها التي حاولت البروباغندا المخدومة مداراتها بالدعاية لوهم وسراب “الكفاءات”.
اليوم المواطن المغربي الذي يئن تحت وطأة غلاء الأسعار وتداعيات التضخم، والذي ترك فريسة لجشع الشركات وأصحاب الرأسمال، وصل درجة من اليأس لا تخطئها العين، تدل عليه التصريحات التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي والتي تفصح عن تذمر بالغ من الحكومة ومن السياسة ومن كل ما يأتي أو سيأتي منهما.
هذا الوضع بالنسبة لنخب الزيف، يقرأونه قراءة “عوجة”، حيث لا يسعفهم تكونهم “الصفر” في السياسة، وانعدام حاسة “الاستشراف السياسي” لديهم بحكم “خوائهم النضالي “، من التقاط رسائله وفك شفرته، فهذا الوضع بالنسبة لهم دليل استقرار ورضى، وهو ما عبَّر عنه أحد من قذفت بهم رياح 8 شتنبر إلى واجهة البرلمان والعمل الشبيبي، أول امس في برنامج “مباشرة معكم، حيث قال إن المغاربة قد قضوا عطلتهم في أحسن الظروف وأن الدخول المدرسي يمر بسلاسة، وأثمنة المقررات ولوازم الدراسة أثمنها مناسبة جدا !!!!!!!.
هذا النوع الذي يجسد الحضيض في السياسة، يمتلك قدرة فائقة على صناعة الزيف وتصديقه والترويج له “بوجه أحمر”، لاعتقاده أو لنقل لإيمانه أن “الرأسمال” قد أحكم زمام السياسة إلى الأبد، وأن لا صوت يعلو فوق صوت المال وأهله والمؤلفة جيوبهم من أمثاله الذين يؤثث بهم أصحاب المال المشهد، ويقبلون أن يكونوا عبيدا لهم، وأن يأكل الثوم بأفواههم.
والحقيقة التي لا يدركها هؤلاء، أن الحرب سجال، وأن سطوة المال قد تربح جولة من جولات السجال، ولكنها حتال لن تحسم المعركة.
إن انسحاب المواطنين، وغياب النقاش العمومي وضموره بشكل فظيع، وعجز النخب التي رمى بها تسونامي المال والرأسمال إلى الواجهة ، تدبيريا وتواصليا، ونكث العهود وعدم الالتزام بها، مع اشتداد الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، وسحق الطبقات الهشة وتفقير الطبقات المتوسطة بشكل ممنهج، واقتران كل ذلك باستفادة وتربح المتلبسين بجرم تضارب المصالح، وعلى رأسهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش نفسه، الفاعل رقم 1 في مجال المحروقات بالمغرب، كل هذه المؤشرات تجعل الغيارى والشرفاء من أبناء هذا الوطن يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا على الوطن ومن فيه من تداعيات لا تحمد عقباها.
وهي فرصة لبعث رسالة لمن هندس لمحطة 8 شتنبر، واستثمر فيها، بأنه يستثمر في الخراب ولن يجني إلا السراب.. فالتحديات الكبرى التي تنتظر المغرب، تستدعي تعبئة شاملة لكل قواه الحية، واستثمارا حقيقيا في السياسة النبيلة، التي لوحدها يمكن أن تعبئ في الاتجاه الصحيح للتصدي لكل التحديات، وعليه فإنه واهم من ينتظر من هذه اللحظة الموسومة باستقالة أطراف مجتمعية وسياسية مقدرة وتراجعها للخلف، وأيضا تنامي عزوف عموم المواطنين وتدني منسوب الثقة لديهم، أن تكون لحظة انبعاث وتعبئة.
والتاريخ المعاصر للمغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، يعلمنا هذا الدرس، ولعل آخر محطة مفيدة في هذا التاريخ، هو كيف نجح المغرب في تخطي منعطف الربيع الديمقراطي بسلام، وقدرته على صياغة نموذج فريد في محيطه الإقليمي، جنبه صدمات وخسائر تلك المحطة.
كما أن التاريخ المغربي مليئ بالشواهد التي تدل على أنه كلما تم التعويل على نخب المال والقرب من الإدارة والالتفاف على الإرادة الشعبية بطرق ناعمة أو خشنة أو هما معا حسب السياقات المختلفة، فإن النتيجة تكون دوما تدويرا للفشل وإعادة إنتاج له.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.