رفع نسبة الفائدة.. بوليف يضع الإصبع على الجرح: هناك تناقض بين السياستين النقدية والمالية

قال محمد نجيب بوليف، الوزير السابق والخبير الاقتصادي، إن المتتبع للشأن العام، يلحظ أن هناك بعض التناقض بين السياستين النقدية والمالية، محملا الحكومة المسؤولية فيما يقع، بسبب ما ورد في قانون المالية من أمور غير معقولة، وأيضا عدم وعي الحكومة واهتمامها الكافي بإشكالية التضخم.
وذكر بوليف في حديث لـ Pjd.ma، أن بنك المغرب رفع نسبة الفائدة الرئيسية أو المديرية للمرة الثالثة على التوالي، موضحا أن هذا الأمر لم يقم به منذ سنوات عديدة، بحيث انتقلنا من 1.5 إلى 3 بالمائة.
وأضاف، في فترة كوفيد، أي منذ سنتين، كان والي بنك المغرب يقول بدعم النمو حتى لا يتراجع الاقتصاد، الآن، أصبح الهدف بكل وضوح هو تقليص التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار.
وأشار بوليف إلى أن العالم كله يعاني من هذا المشكل، نظرا لمحاولة استرجاع ما تم فقده خلال فترة كوفيد، وعليه، تم اعتماد سياسات إنفاقية، سواء بالولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، نتجت عنه نسب تضخم كبيرة جدا وغير منتظرة.
وبيَّن الوزير السابق، أن أمريكا رفعت نسب الفوائد المديرية في إطار محاولة خفض التضخم، من 4.5 إلى 4.75 في المائة، والأمر نفسه بالنسبة للاتحاد الأوربي، ولذلك، يتابع بوليف، كان لابد للمغرب أن يمضي في هذا الاتجاه.
وأردف، اليوم لدينا معطيات تقول بأن التضخم في 2022 كان في حدود 6.6 بالمائة، وهي نسبة لم تُسجل منذ عام 1992، رغم أن بنك المغرب رفع معدل الفائدة في مرتين متتاليتين، بخمسين نقطة في كل مرة، لكنها لم تنعكس على خفض التضخم، حيث قالت المندوبية السامية للتخطيط بأن التضخم بلغ في فبراير الماضي 10.1 بالمائة، وهو رقم يعود بنا إلى معدلات ثمانينات القرن الماضي.
وقال بوليف إن فلسفة بنك المغرب تغيرت في ستة أشهر، إذ إنه حين بدأ التضخم قال البنك إنه ناتج عن حرب أوكرانيا، أي أنه عابر، بمعنى أنه مستورد، اليوم يقول البنك إن هذا التضخم ليس عابرا، وأنه في عمومه ليس مستوردا وغالبيته تأتي من قلة المعروض على الصعيد الوطني، وخاصة العرض المتعلق بالمنتجات الغذائية والفلاحية مما يجعل الأسعار ترتفع.
وتأسف بوليف لكون قانون المالية بنى توقعاته على أن التضخم سيعود إلى مستواه العادي لسنة 2022، وبالتالي قام بسياسة إنفاقية في قانون المالية زادت معها النفقات بحوالي 14 بالمائة، ومن ذلك أن ميزانية الاستثمار بلغت 300 مليار درهم، وهذا يبين أنه ليس هناك تناسق بين السياسة المالية والنقدية.
وأضاف بوليف،  أن المضي في مسار رفع النمو، سيحقق المزيد من الشغل، وبالتالي رفع الاستهلاك، والزيادة على الطلب، لكن في ظل ضعف المنتوج سيرتفع التضخم، وإن قمنا بسياسة هدفها الرئيس خفض أو الحد من التضخم، فسنرفع من الفوائد البنكية، مما يجعل المستثمر سيجد المواد الأولية مرتفعة الثمن، وأيضا المقاولات الصغرى والمتوسطة التي لن تلجأ لأخذ قروض للاستثمار، إذن سيتقلص الاستثمار.
هذا الوضع، وفق المسؤول الحكومي السابق، يستوجب التنسيق بين الحكومة على مستوى قانون المالية، والذي كانت فيه أمور غير معقولة وغير متوقعة، من قبيل ما تعلق بالتضخم، وبين ما يقوم به بنك المغرب، وفق اختصاصاته المحددة في القانون الأساسي.
“يجب التفكير الجماعي ليختار المغرب الطريق الذي يريد”، يقول بوليف، مردفا، إن كنا نريد كبح التضخم، فسنتجه نحو تراجع النمو، أي الركود، وهذا ما وقع في مجموعة من الدول الأوربية، ومن ذلك إنجلترا التي ستحقق نموا سالبا خلال هذه السنة، أو سنمضي بنفسٍ يروم رفع النمو، وهذا سيرفع التضخم ولا يمكن أن يرجعه إلى أرقام معقولة.
وشدد الخبير الاقتصادي أننا أمام محك وتحول تاريخي، للتعاطي مع نجاحنا في ضبط التضخم في العشرين سنة الأخيرة، وفي السنوات العشر الأخيرة من حكومة العدالة والتنمية، والتي تم خلالها ضبط التضخم في حده الأدنى، وكنا من الدول التي لها نسب تضخم مناسبة على الصعيد العالمي.
اليوم، يقول بوليف، نحن أمام دورة اقتصادية جديدة تبدو في الأفق، لكن يبدو  أن الحكومة لم تستشعرها، ولم تتحرك لمعالجة إشكالية التضخم المتزايد، وغير المسبوق، الذي أبرزته المؤسسات الاقتصادية الوطنية في تقاريرها

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.