محمد عصام يكتب: في ذكرى سي عبد الله باها.. غزة وفلسطين هي البوصلة

كنت دائما وسأظل إن شاء الله، متمسكا بالكتابة في ذكرى الرحيل المفجع لسي عبد الله باها، الذي تحل ذكراه التاسعة يوم غد إن شاء الله تعالى.
هذا التمسك والعض على المناسبة بالنواجذ، ليس وليد نوستالجيا تبحث عن بعث دفء الحنين من خلال الذكرى، وليس أيضا تعبيرا عن اصطفاف معين وتمجيدا للذات التنظيمية باعتبار اختياري التنظيمي وقناعاتي السياسية التي أتقاسمها مع الراحل.
ولكن هي تعبير عن الوفاء لمدرسة تتعالى على الحدود الحزبية، وتتجاوز الزمن السياسي بكثير، وهي مدرسة ممتدة الجذور، وارفة الظلال كريمة الثمر، تتخطي الزمان والمكان والشخوص، وسي عبد الله باها واحد من علامات هذه المدرسة إلى جانب هامات وعلامات أثمرتها تربة هذا البلد لطيب، وصاغتها قيمه الراسخة في التاريخ، فأتت أكلها كل حين بإذن ربها، وظل ذكرها في العالمين ممتدا إلى أن يشاء الله أمرا كان مفعولا.
الحديث عن سي عبد الله باها، هو إصرار على أننا في زمن التصحر السياسي، محتاجين إلى قدوات تقدح في المشهد حرارة الانتماء، وتصوغ أفق الفعل بحبر الوطنية الحقة والصادقة، وتحيل على مرجعيات النبل في الحياة السياسية، وتمارس الرقابة الأخلاقية الكافية لصقل الممارسة السياسية، وجعلها فعلا وقولا، سعيا في نماء البلد، وبذل التضحيات اللازمة من أجل ذلك طوعا وبدون مزايدة أو مقايضة.
في السنة الماضية طرحت سؤالا، هل نحن في حاجة إلى سي عبد الله باها، وخلصت أنه إذا لم نطرح هذا السؤال على الأقل في هذا الوقت بالذات، فإنه يتعين لنا أن نسائل أنفسنا بلسان أهل الغيوان “واش حنا هما حنا أقلبي ولا محال”، كناية على أنه إذا لم نحس بهذه الحاجة فإن هناك شيئا ما فينا على غير ما يرام، وأننا فقدنا ذاتنا في خضم هذا التصحر الذي يجتاح المشهد بلا هوادة.
اليوم السؤال الذي يجب طرحه، أو بالأحرى الذي يفرض السياق طرحه على الذات، هو أين سيكون موقع سي عبد الله باها مما يجري اليوم من حرب إبادة وتطهير عرقي وجرائم حرب ضد إخوتنا في فلسطين وفي غزة تحديدا؟؟ !!.
هذا السؤال الذي قد يبدو للبعض بسيطا أو ربما عبيطا، أعتبره مُهمّا بمكان، ليس لأنني لا أعرف الجواب، كما أنني متأكد من أن أغلب المغاربة يعرفون الجواب وربما على وجه الدقة وبالتفصيل، وذلك لأن سي عبد الله باها وانطلاقا من مرجعيته، واستحضارا لمساره السياسي الحافل، لا يمكن تصوره إلا في خندق المقاومة دفاعا وإسنادا ودعما، وأيضا في خندق فضح الصهيونية وآلتها الحربية والإعلامية الرهيبة، وفضح المتصهينين من أبناء جلدتنا الذين يلبِّسون على الأجيال التي لم تعش القضية من بدايتها أو حُرمت من معرفة تفاصيلها جراء عمليات التلبيس والتضليل الممنهجة، وعجز محاضن التنشئة الاجتماعية على تمتيعها بالمناعة اللازمة لمقاومة تيار التمييع والتفاهة الزاحفتين على كل شيء، في ظل استقواء التنميط “الاستهلاكي” و”اللبرلة” المتحللتين من كل القيم.
استحضار سي باها في هذا السياق، هو استحضارٌ لكل الكبار الذين بصموا تاريخ هذا البلد.. استحضارٌ لكل المقاومين من أمثال عبد الكريم الخطابي، وموحا أوحمو الزياني، وعبد الكريم الخطيب، وعباس المساعدي…ورجالات الوطنية من أمثال علال الفاسي، ومحمد بلحسن الوزاني، وعبد الخالق الطريس وعبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة وعبد الرحمن اليوسفي وغيرهم… ورجالات الفكر والدعوة كالشيخ بوشعيب الدكالي ومحمد بلعربي العلوي وعبد الله كنون والمهدي المنجرة وغيرهم كثير، فهؤلاء جميعا وبدون استثناء لا يتصور في حقهم وفي حق تاريخهم الحافل إلا أن يكونوا بجنب أهلنا في غزة العزة، بل إني أتصور أنهم لو كانوا بيننا لاعتبروا هذا الجيل الفلسطيني، هو الجيل الذي استكمل مقومات التحرير دون غيره من الأجيال التي سبقته، وأن تحرير فلسطين أصبح مع هذا الجيل أقرب من أي وقت مضى.
وعليه فإن استحضار باها من خلال هذا السياق، هو إدانة لأولئك الذين يزيفون الوعي، وينشرون التغليط والتضليل، وأن محاولاتهم الاحتماء بـــ “تمغربيت” لتبرير تصهينهم وخدمة الآلة الصهيونية الإعلامية والسياسية، هي محاولات بئيسة ومدانة بكل العبارات الممكنة، وأن هؤلاء لا يمثلون المغاربة، بل لا يحق لهم الادعاء بالانتساب إلى هذا المغرب الشامخ بتاريخه وبرجالاته من عيار من أوردت أسماءهم من قبل. فـــ ” مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ” ،
فإما أن تكون مغربيا، فذا يعني أن تنحاز إلى هؤلاء الرجالات وتاريخهم وتاريخ هذا البلد، لأن ذلك ببساطة هو المعنى الحقيقي والبسيط لـــ تمغربيت” ، أو أن تختار خندق التصهين وتبيع نفسك في سوق النخاسة الصهيوني الممتد عبر العالم وبكل الوسائل وأكثرها فتكا.
سي عبد الله المعروف بمواقفه ليس في حاجة لنا لنذكر الناس بها، ولكن نحن من يحتاج لتذكر سي عبد الله باها وتذكر كل رجالات هذا البلد، حتى لا نتيه في هذه الصحاري الممتدة، وحتى نتحقق من بوصلة السير ولا نخطئ الطريق.
ولهذا السبب سأظل أكتب عن سي عبد الله باها وسأستحضره من خلال السياقات الضاغطة، وأسأل الله أن لا أحيد على هذا النهج، فسلام على سي عبد الله باها في العالمين، ونشهده ونشهد الله أننا على العهد والوعد إلى الرمق الأخير.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.