أخنوش والسياسة.. في خطر “الجشع” ومنطق “الهمزة” على المجتمع والدولة

المحجوب لال


قبل قرون خلت، حذر مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون، من الخطر الكبير للجمع بين السلطة والمال، لما يشكله من فساد لهما معا؛ أي فساد السياسة وفساد المال.
واليوم، مع كل أسبوع يمضي من حكومة عزيز أخنوش، الفاعل الاقتصادي الأول في سوق المحروقات والغاز والفلاحة وغيرها، يتأكد الرأي العام من خطر الوضع الذي نحن فيه، والذي ظهرت بشاعته في ملف المحروقات والإعفاءات الضريبية والتعيينات المشبوهة وغيرها كثير.
خطورة الوضع تجلت أيضا في الظاهرة المتنامية بين كثير من المقاولين والتجار وأصحاب الحرف ومقدمي الخدمات، ألا وهي استغلال الظرف وانتهاز “الفرصة” أو “الهمزة”، ومن ذلك الشروع الجماعي في زيادات غير مبررة لكثير من المنتجات والمواد.
صحيح أن غلاء المحروقات والمواد الأولية وكلفة النقل وغيرها ألقى بظلاله على هذه المواد، لكن الإشكال هو في غياب التناسب بين نسبة ارتفاع كلفة الإنتاج ونسبة الزيادة حين البيع للعموم.
والمنطق الذي يدفع بالكثيرين إلى هذه الزيادة دون خوف من حساب أو متابعة، هو قولهم إن رئيس الحكومة نفسه، وهو المسؤول الحكومي الأول المعني بحماية القدرة الشرائية للمواطنين والتخفيف عنهم وتحسين معيشتهم لم يرحمهم، بل وضع يده في جيوبهم عبر الزيادات المتتالية والمتفق عليها مع باقي الفاعلين في سوق المحروقات.
هؤلاء المبرِرُون يرددون قول الشاعر: “إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص”، ولذلك لا يجد الانتهازيون من سبب مانع يحول دون الرقص على أنغام “الفرصة” أو “الهمزة”، تلك الكلمة الحكومية المكررة.
وأي خطر أكبر من علاقة تنعدم فيها الثقة بين المواطن والتاجر والفاعل الحكومي. هذا الوضع هو الخطر الأعظم بعينه، الذي ما انفك حزب العدالة والتنمية يحذر منه، وكلمة الأمين العام الأستاذ عبد الإله ابن كيران خلال المؤتمر الوطني السادس لشبيبة حزبه قائمة وشاهدة، حين قال بوضوح ومسؤولية، إن “زواج المال والسلطة خطر على الدولة”.
غير أن كلمة ابن كيران لم تجد لدى القوم من آذان صاغية، بل اعتبروا وكأن الأمر شخصي، فأقسموا بأغلظ الأيمان ليجعلن أخنوش رئيسا للحكومة، فكان لهم ما أرادوا، ضدا على منطق التاريخ والسياسة والصالح العام.
إن المطلوب اليوم من الحكومة وخاصة من رئيسها، اتخاذ موقف واضح ينتصرون عبره للصالح العام بدل الخاص، ولهموم المواطنين بدل الذات، وتحدى جاذبية استغلال السلطة بالوفاء للقسم الذي أدوه أمام جلالة الملك.
ذلك القسم الذي شاهدناهم جميعا ينطقون بكلماته القليلة عددا والعظيمة معنى ورسالة، حين قال كل واحد منهم: “أقسم بالله العظيم، أن أكون مخلصا لديني ولملكي ولوطني، وأن أؤدي مهمتي بصدق وأمانة، وأن أخدم الصالح العام..”.
فأين الإخلاص؟ وأين أداء المهمة بصدق وأمانة؟ وأين خدمة الصالح العام؟
إن الجواب الحقيقي هو في يد المواطن، ولذلك على كل واحد منا أن يقول إن كانت الحكومة قد برت بقسمها أمام جلالة الملك، وإن لم تفعل، فإنه لا محيد لنا عن تحمل المسؤولية فيما يقع والسعي إلى إصلاحه، وأضعف الإيمان في هذا، عدم السماح بتكرار هذا الوضع السلبي في حق دولتنا ومجتمعنا، وسبيل ذلك هو المزيد من الأضواء الكاشفة على السياسية ومؤسساتها والفاعلين فيها، والانخراط في الحياة السياسة بمختلف مستوياتها، والحرص على التصويت الانتخابي على ذوي الكفاءة والمصداقية، ومجابهة كل السلوكات الشاذة والمنحرفة، إيمانا بأن هذا الوطن أمانة، وأمانة غالية جدا.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.