ماء العينين تدعو لنقاش مجتمعي واسع للقانون الجنائي وتحذر من التقاطب والتجزيئ والتسطيح

أمينة ماء العينين


يقدم السيد وزير العدل في مناسبات مختلفة سواء في البرلمان أو في الإعلام، تصريحات تتعلق بمضامين تعديلات منتظرة على قوانين غاية في الأهمية والحساسية من قبيل القانون الجنائي ومدونة الأسرة. للسيد الوزير طريقته وأسلوبه في إثارة النقاش، غير أن أعضاء البرلمان والفاعلين الجمعويين والحقوقيين مطالبين بالانخراط في النقاش بعيدا عن التناول التجزيئي والتسطيحي لبعض وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنزع نحو السهولة وتنآى عن النقاش المثقل بالفكر والقانون لأنه لا يجلب النقرات والمشاهدات.
طالما أكدنا على أن القانون الجنائي ليس قانونا عاديا يتم تعديل بعض مواده بطريقة تجزيئية، حتى أن المشروع المودع سنة 2016 تمت مواجهته نظرا لتضمينه مقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع الشهيرة بمبرر رفض منطق التجزيء والحاجة إلى نقاش معمق يهم السياسة الجنائية كتصور فكري ومجتمعي قبل أن تكون مجرد نصوص وقوانين، ذلك أن منظومة التجريم والعقاب التي تتطور وتتغير وفق تحولات المجتمعات ومنظوماتها الفكرية والاجتماعية والفلسفية، ووفق المستجدات السلوكية وغيرها تتطلب نقاشا مجتمعيا حقيقيا قبل تغييرها، وهو ما يؤكده استقرارها وصلابتها ومقاومتها للتعديل عبر التاريخ (تحكمنا منظومة قانونية تعود لستينيات القرن الماضي)
مؤسف أن تغيب الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والإعلام الرزين – على قلته- عن ورش هام يخبرنا السيد وزير العدل عن قرب الإفراج عنه قانونيا.
أعرف أن عصر السهولة والسيولة والسرعة يفضل التقاط تصريحات سريعة، لكنني سأظل من أنصار النقاش الفكري والفلسفي والقانوني المعمق رغم نبذه واستثقاله.
إن أكثر ما ينقص مغرب اليوم هو فضاءات النقاش ذي البعد الفكري مهما كانت صعبة ومكثِّفة للاختلاف الذي قد يصل للتناقض، هذا أمر عادي لا يخيف، الذي يخيف هو الاستعجال واستطابة الوجبات السريعة في القانون. نحن نروج في المغرب لكذبة كبيرة مفادها أننا تعبنا من النقاش ومن “النظرية” أو ما يسميه المغاربة “الشفوي”، وأننا في حاجة أكثر إلى التطبيق.
الحقيقة أن الوقت التنموي الذي نخسره هو ذلك الذي لا نستثمره في النقاش النظري الحقيقي بأدواته العلمية وبالفاعلين القادرين على إدارته بعيدا عن منطق “البوز” والتقاطب السريع والأحكام القطعية الجاهزة.
تصريحات وزير العدل مثلا بخصوص نفقة الأب على ابنه المثبت بفحص ADN خارج علاقة الزواج الشرعية، وتكييف المتابعة في حالة ارتكاب جريمة التشهير في وسائل التواصل الإلكتروني في إطار القانون الجنائي بعيدا عن قانون الصحافة والنشر، وغيرها من المواضيع الهامة تتطلب نقاشا وتمحيصا وتدقيقا بعيدا عن المواقف المتسرعة “مع” أو “ضد”.
أتمنى أن يحرص المهتمون على تهييء فضاءات للنقاش خاصة إذا تعلق الأمر بتعديلات حقيقية ستهم قوانين هيكلية وأساسية من قبيل مدونة الأسرة ومجموعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية التي يفترض أن تستقطب النقاش العمومي باعتبارها شأنا مجتمعيا عاما، وليس مجرد نقاش مؤسساتي معزول.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.