ما أسباب استمرار الارتفاع القياسي للاعتقال الاحتياطي؟

دقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ناقوس خطر استمرار الارتفاع القياسي لعدد المعتقلين احتياطيا.
وكشفت المندوبية العامة لإدارة السجون، في تقرير للأنشطة لسنة 2022، أن عدد المعتقلين الوافدين على المؤسسات السجنية خلال سنة 2022، بلغ 116922 وافدا جديدا.
وتابعت أن جل المعتقلين الوافدين من حالة سراح على المؤسسات السجنية احتياطيون وذلك بنسبة 95 في المائة، مقابل 5 في المائة من الوافدين بأحكام نهائية ومقررات الإكراه البدني.
وفي تعليقه على هذا الارتفاع القياسي لعدد المعتقلين احتياطيا، قال المحامي وعضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب السابق رضا بوكمازي، إن مشكل ارتفاع الاعتقال الاحتياطي مرتبط بسببين، الأول يتعلق بكون مفهوم الاعتقال الاحتياطي مازال واسعا، إذ يعتبر جميع السجناء حتى بعض صدور أحكام ابتدائية في حقهم بأنهم في حالة اعتقال احتياطي إلى غاية اتصاف الحكم بالصبغة النهائية.
وأضاف بوكمازي في حديث لـpjd.ma، أن هذا التوصيف يطرح إشكالا كبيرا، والذي يقتضي مراجعته وتدقيقه، حتى يكون هناك تمييز بين مرحلة التحقيق والمحاكمة ومرحلة ما بعد صدور الحكم الابتدائي، مردفا “ولعل إحالة مشروع قانون المؤسسات السجنية على أنظار البرلمان فرصة مهمة وسانحة لتدقيق الاعتقال الاحتياطي من حيث المفهوم”.
وتابع، كما أن وصف جميع المودعين بالسجن حتى بعد حصولهم على أحكام ابتدائية بأنهم معتقلين احتياطيا يطرح إشكالا جوهريا بالنسبة للسجناء في هذه الوضعية، إذ أن هذه الوضعية تحرم السجناء من مباشرة عدد من الحقوق وعلى رأسها الحق في التكوين والاستفادة من برامج إعادة الإدماج، وغيرها من الحقوق المتاحة لباقي السجناء.
وأوضح بوكمازي، أنه يمكن للشخص أن يقضي فترة عقوبته كاملة ويستمر وصفه بكونه معتقلا احتياطيا، مشددا أن هذا الأمر هو السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين، حتى تكاد كافة الساكنة السجنية في وضعية اعتقال احتياطي.
وأشار إلى أنه يمكن أن يودع المعتقل بمؤسسة سجنية ويقضي 6 أشهر على ذمة التحقيق و6 أشهر أخرى على ذمة المحاكمة ويُحكم عليه بسنة ونصف ابتدائيا ليقوم بعدها باستئناف الحكم ثم يغادر المؤسسة السجنية بعد إنهاء عقوبته وقبل أن يصبح الحكم نهائيا ليقضي فترة العقوبة كلها وهو في وضعية اعتقال احتياطي.
ويرى بوكمازي، أن هناك سببا ثانيا لهذا الارتفاع، والذي يحتاج إلى مجهود كبير من أجل تجاوزه، والمتعلق بتنفيذ السياسة الجنائية من قبل قضاة النيابة العامة، مبينا أن النيابة العامة في الكثير من الأحيان تصدر أوامر الإيداع بالمؤسسات السجنية، رغم توفر الشروط والضمانات الكفيلة بالمتابعة في حالة سراح.
وأردف أن هذا الأمر يطرح إشكالا كبيرا، إذ أنه وفي غياب حالة التلبس، ورغم توفر الشخص المتابع على كافة الضمانات القانونية للمتابعة في حالة سراح، ومع عدم وجود موجبات المتابعة في حالة اعتقال، إلا أن النيابة العامة قد تلجأ للمتابعة في حالة اعتقال، وهذا يجعل نسب المعتقلين احتياطيا ترتفع.
وسجل أن المفهوم الواسع للاعتقال الاحتياطي لا يسهم في إبراز عدم ترشيد الاعتقال الاحتياطي من خلال تنفيذ السياسة الجنائية، إذ يسجل على أنه حينما تتكلم النيابة العامة عن الاعتقال الاحتياطي تختبئ أحيانا وراء هذا المفهوم الواسع للاعتقال الاحتياطي.
كما أنه في الكثير من الأحيان، يسترسل بوكمازي، تتجاوز بعض النيابات العامة تطبيق النص القانوني، وتلجأ بشكل تلقائي للمتابعة في حالة اعتقال، بل أكثر من ذلك لا يتقيد بعض ممثلي النيابة العامة على المستوى المحلي بتوجيهات رئاسة النيابة العامة، والتي ذهبت في عدد من مذكراتها إلى ضرورة تقيد وتشدد وكلاء الملك والوكلاء العامون بمقتضيات قانون المسطرة الجنائية في اللجوء للمتابعة في حالة اعتقال.
وقال بوكمازي، إن المتابعة في حالة سراح هي الأصل والمتابعة في حالة اعتقال هي الاستثناء، مضيفا أن النيابات العامة لا تتقيد بالنص القانوني وتتوسع في حالات المتابعة في حالة اعتقال، في حين ينبغي لها أن تتقيد بالمبدأ الأصلي، وهو المتابعة في حالة سراح، ولا تلجأ للمتابعة في حالة اعتقال إلا في الوضعيات التي تكون فيها الضمانات القانونية غير متوفرة، أو أن المجرم يشكل حالة خطر شديد، أو أن طبيعة الفعل الجرمي تشكل تهديدا على المجتمع والنظام العام.
وخلص بوكمازي، إلى أن تجاوز ارتفاع نسبة المعتقلين احتياطيا بالمؤسسات السجنية، تقتضي أولا مراجعة مفهوم الاعتقال الاحتياطي، بوضع تمايز بين مرحلة صدور الحكم الابتدائي والمرحلة التي تسبق الحصول على حكم ابتدائي، ثم ضرورة تقيد النيابة العامة في إصدارها لقرارات المتابعة بالنص القانوني وبالمبدأ الدستوري الكامن في كون البراءة هي الأصل.
وشدد على ضرورة العمل على تخفيض النسبة العامة من الاعتقال الاحتياطي، والتي لها تأثير سلبي على الصورة الحقوقية لبلادنا، لاسيما أنه تؤدي إلى حرمان فئة عريضة من السجناء من عدد من الحقوق وفي مقدمتها الاستفادة من برامج التكوين وإعادة الإدماج داخل المؤسسات السجنية وعدد من الخدمات المقدمة داخل المؤسسات السجنية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.