تناقضات صارخة.. هكذا يعتدي مقترح “بوعياش” بخصوص تجريم زواج أقل من 18 سنة على حقوق الإنسان

اقترحت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الإلغاء الكلي لزواج الفتيات والفتيان أقل من 18 سنة مع تجريم ذلك وتجريم المشاركة فيه، حيث اعتبر حزب العدالة والتنمية، أن هذا المقترح سيحرم المواطنين والمواطنات الذين توفر فيهم شرط الرشد وتوفرت لهم القدرة على إنشاء أسرة من هذا الحق، واعتبار لجوئهم للقانون قصد حماية مصالحهم يشكل فعلا جرميا وجب العقاب عليه.
وهنا، يقول الحزب في مذكرة حول مقترحات وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مراجعة مدونة الأسرة، وجب أولا تأكيد التحفظ بشأن الاستعمال المضلل لمصطلح “تزويج الأطفال”، والتي تحاول من خلاله المذكرة إظهار أن الأمر يتعلق بتزويج قسري لأطفال لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون أي حد للتمييز والاختيار، إذ لا يوجد أي تعريف في العالم يعتبر طفلا من يفوق سنه 15 سنة، بل أكثر من ذلك حددت الأمم المتحدة سن الشباب في الفترة العمرية الممتدة من 15 إلى 25 سنة.
واسترسل حزب “المصباح”، ثم إن المذكرة تسقط إصدار أحكام قيمة سريعة وتبسيطية غير مسنودة بأي معطيات علمية موضوعية من قبيل الجزم بأن: “زواج الطفلات يعتبر سببا رئيسيا في تدني مؤشرات التعليم والصحة في أوساط النساء”، والحقيقة أن المعطيات الموضوعية تؤكد أن العكس هو الصحيح، فضعف مؤشرات التعليم والصحة في بعض الأوساط القروية أو الأوساط الحضرية التي تتميز بالهشاشة هو من بين أسباب الزواج المبكر وليس العكس.
ولذلك، يقول الحزب في مذكرته، “عوض أن تنصب جهود المجلس على العمل من أجل فعلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والترافع من أجل تطوير السياسات العمومية المتعلقة بالصحة والتعليم، اختار إصدار أحكام جاهزة نابعة من تصورات نمطية مسبقة ذات خلفية إيديولوجية غربية محضة”، مشيرا إلى أن نسبة طلبات الإذن بالزواج دون سن 18 سنة لا تمثل سوى 5% من مجموع طلبات الإذن بالزواج.
وأضاف المصدر ذاته، كما يلاحَظ أن الطلبات المتعلقة بالفتيات أقل من 16 سنة تكاد تكون منعدمة، إذ أن غالبية الزيجات التي تهم هذه الفئة تتعلق بسن 17 سنة فما فوق، وهي نسبة لا تستحق كل هذا الصخب المثار حولها، ولكن هذا الاهتمام المبالغ فيه يندرج ضمن المنهجية القائمة على افتعال قضايا جزئية وغض الطرف عن القضايا الحقيقية للأسرة المغربية.
وشدد “المصباح” أن مقترح المجلس بتجريم زواج القاصر يثير ملاحظات عدة، ومنها أن “الزواج أمر مشروع وشرعي عند المغاربة المسلمين، وبالتالي فإن الدعوة إلى تجريمه بسبب ضرر محتمل وغير مؤكد، أمر لا يستقيم”، مؤكدا أن “تضخم التجريم وتوسيع التدخل الجنائي من خلال تجريم عدد من الممارسات الشرعية، والتنصيص على جزاء جنائي لها كالحبس أو الغرامة، يتعارض مع الشريعة الإسلامية من جهة ومع حق الإنسان في الزواج من جهة ثانية، ولا يستقيم مع السياسة الجنائية من جهة أخرى”.
وأبرز الحزب أن هذا الاستثناء ينسجم مع عدد من التشريعات المقارنة سواء في الدول العربية والإسلامية أو في الدول الغربية أو الأجنبية، حيث أن جل الأنظمة القانونية حددت الحد الأنى في سن 18 سنة ومنحت الاستثناء للقضاء أو لجهة تابعة له للإذن بزواج من هم دون ذلك، كما أن المنع لا يمثل نموذجا في العالم، ونجد مثلا أمريكا هناك فقط 7 ولايات التي قيدت الحد الأدنى لسن الزواج، و43 ليس هناك قيد، وهولندا وضعت كحد أدنى للزواج سن 16 سنة.
وقالت مذكرة العدالة والتنمية، إن تحديد سن أدنى للزواج سبق وكان موضوع توافق تم على مستوى لجنة العدل وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بتاريخ 16 يناير 2013 لتعديل المادة 20 من مدونة الأسرة، ويقوم على أنه “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، على أن لا يقل سن المأذون له عن سن 16 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي، وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، وأن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل للطعن”.
ومن الملاحظات أيضا، يضيف المصدر ذاته، أن هذا المقترح يظهر تناقض المجلس الصارخ لكونه ينهل في مقترحاته من مرجعية غربية تدعو إلى حق الفتيات والفتيان أقل من 18 سنة في الممارسة الجنسية وإلى اتخاذ سياسيات عمومية داعمة لذلك، غير أنه حينما يتعلق الأمر باختيار إرادي وواع وتتوفر فيه شروط وموجبات يقترح التضييق على ذلك الاختيار ومنعه، بل أكثر من ذلك، في نفس الوقت الذي تتبنى فيه رئيسة المجلس رفع التجريم عن العلاقات خارج إطار الزواج (المطالبة بإلغاء الفصل 490) دون اشتراط سن معين لذلك، تدعو المذكرة إلى تجريم اللجوء إلى الزواج في هذه الحالة، أي أن المجلس يقترح تيسير وحماية وتحصين الممارسة الجنسية الحرام خارج إطار الشرع، غير أنه يقترح التضييق والتجريم إذا ما تعلق الأمر بالحلال وبالشرع.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.