تعديل مدونة الأسرة.. هكذا خالفت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان نظام الإرث الإسلامي وتماهت مع الطرح الغربي

انتقد حزب العدالة والتنمية، إقتراح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان “تخويـل صاحـب المال سـلطة اختيـار النظـام المطبـق على أموالـه، إمـا الوصيـة أو الميراث”؛ وجعل نظام الإرث الإسلامي اختياريا، إلى جانب نظام الوصية ورفع كل قيد أو ضابط شرعي عن الوصية ينضبط لحدود الله عز وجل، من قبيل كون الوصية تبقى في حدود الثلث، وأن لا وصية لوارث.
وبهذا، يقول حزب “المصباح” في مذكرة أصدرها للرد على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مراجعة مدونة الأسرة، تكون المذكرة قد اقترحت إلغاء منظومة شرعية جوهرية تهم التصرف في المال باعتباره مال الله، ينتقل لأصحابه وفق قواعد محددة على سبيل التفصيل بالنص القرآني، وبناء على فلسفة ربانية قوامها العدل والإنصاف، وجعل الإنسان يتحدى حدود الله وقواعده التي سنها لتسري على عباده المسلمين.
واسترسل الحزب، ثم إن المذكرة وحتى وهي تقترح اختيار الشخص العمل بنظام الإرث الإسلامي، فإنها تضيف عليه التعديلات الجوهرية التالية والتي تفرغ نظام الإرث وفق النظام الإسلامي من محتواه، ويتعلق الأمر بعدد من العناصر، ومنها “تدقيـق مفهـوم التركـة باسـتخراج نصيـب الزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة مـن الأمـوال المكتسبة بعـد الـزواج، وذلـك قبـل توزيـع التركـة”.
وأضاف المصدر ذاته، وكذا “اسـتثناء بيـت الزوجيـة والأمـوال المخصصة لفائـدة الأسرة مـن نطـاق التركـة، واعتبارهـا حقـا للزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة”، و”توسـيع نطـاق الـرد لفائـدة البنـات في حالـة عـدم وجـود أخ لهـم، بـأن تسـتحق البنـت في حالـة انفرادهـا نصـف التركـة، وفي حالـة تعددهـا ثـلثي التركـة، وذلـك بالفـرض، وبـاقي التركـة بالـرد، بعـد أخـذ أصحـاب الفـروض نصيبهـم”.
وتابع الحزب، كما تقترح مذكرة المجلس “توسـيع نطـاق الورثـة ليشـمل ذوي الأرحام إسـوة بعـدد مـن التشـريعات المقارنة، وذلـك في حالـة عـدم وجـود الورثـة بالفـرض والورثـة بالتعصيـب”، و”تجريـم الحرمـان مـن الإرث، واعتبـار الحرمـان من الإرث في حـق امـرأة بسبـب جنسـها ظـرف تشـديد”، مع “حذف اختلاف الدين من موانع الميراث”.
وأردف، وإلغاء ما سمته المذكرة تمـييزا بين الأطفـال بحسـب الوضعيـة العائليـة للأبويـن؛ وإقرار التوارث بين الطفل وبين أبيـه البيولـوجي، في حالة البنـوة غير الشـرعية.
وشدد حزب العدالة والتنمية، أن من أغرب الإشكاليات التي أثيرت من طرف المذكرة ومن أعجب التبريرات التي قدمتها لتغيير نظام الإرث كما هو مقرر الآن في مدونة الأسرة هي كون “المقتضيـات المتعلقة بكتـاب الميراث تعـتبر مخالفـة للقانون العـام بالنسـبة لعـدد مـن بلـدان الإقامـة لمغاربـة العالـم، حيـث يتـم استبعـاد تطبيـق مدونـة الأسـرة لكونهـا تـميز بين الجنـسين، وبين الأطفـال بحسـب الوضعيـة العائليـة للأبويـن، وبحسـب الأنصبـة، وبسبـب الديـن”.
وأضاف، وهذا أمر يؤكد طبيعة الخلفية التي حكمت مذكرة ومرجعيتها وولائها وكيفية تعاملها ودفاعها عن السيادة القانونية للمغرب، حيث اقترحت تغيير نظام الإرث في مدونة الأسرة كي يصبح منسجما مع التشريعات الغربية ومع النظام العام في الدول الغربية، وتتجاهل أن مدونة الأسرة ونظام الإرث في الإسلام هو من النظام العام في المغرب والمطلوب من مؤسسة دستورية وطنية أن تحافظ عليه وتدافع عنه، لا أن تطلب تغييره وإخضاع أسس وثوابت النظام العام في المغرب لتكون منسجمة مع النظام العام في الدول الغربية، وكأن المغرب ليس بلدا مستقلا وذو سيادة كاملة.
وشددت مذكرة الحزب، أن كل هذه المقترحات مردودة ومرفوضة لأنها تخالف نصوصا شرعية قطعية وتعكس جهلا بنظام الإرث الإسلامي، وذلك لإن التشريع المتعلق بنظام الإرث هو تشريع إلزامي، ولا يمكن ان يصبح اختياريا، بصريح النص القرآني القطعي، كما يمثل هذا نموذجا لمخالفة صريحة لتوجيهات جلالة الملك الذي نبه على عدم معارضة ما جاء بنصوص قرآنية قطعية، ومن ذلك قوله تعالى ” “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء: الآية 11).
واسترسل الحزب، كما سبق وعبر المغرب على هذا الأساس عن رفضه للتوصية الداعية للمساواة في الإرث وذلك في إطار الاستعراض الدوري الشامل لنونبر 2022، حيث أعلن مجلس حقوق الإنسان بجنيف في فاتح مارس عن وثيقة أجوبة المغرب وموقفه من مجموع التوصيات المقدمة، وتضمنت هذه الوثيقة تفسيرا للتوصيات المرفوضة وضمنها توصية الإرث جاء فيه “وفي جميع الأحوال، تجدد المملكة المغربية تأكيدها على تعارض الأجزاء المرفوضة في هذه التوصيات المركبة، جزئيا أو كليا، تبعا للحالة، مع الثوابت الجامعة للأمة المغربية، ومرتكزات الممارسة الاتفاقية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان”.
واعتبر المصدر ذاته، أن اسـتخراج نصيـب الزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة مـن الأمـوال المكتسبة بعـد الـزواج، وقبـل توزيـع التركـة؛ واسـتثناء بيـت الزوجيـة والأمـوال المخصصة لفائـدة الأسرة مـن نطـاق التركـة، واعتبارهـا حقـا للزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة؛ يحمل معارضة صريحة وحرمانا للورثة من حقوقهم المكفولة بنص قرآني قطعي صريح، ويفتح المجال للمنازعة بين أفراد الأسرة الذين استقلوا عن الأسرة مع باقي أفراد الأسرة المتبقين، كما يطرح السؤال على من له سلطة تحديد الأموال المكتسبة للأسرة؟ وما العمل في حالة مسكن الزوجية ذي القيمة المالية الكبيرة؟ وهي أسئلة تكشف عن استغلال مذكرة المجلس لبعض الإشكاليات الناتجة عن الممارسة من أجل تحطيم منظومة الإرث وزرع الشقاق والفتنة والصراع في جسم الأسرة، لضرب المرجعية الإسلامية لنظام الإرث، ذلك أن مثل هذه القيود لم تقترحها المذكرة على نظام الوصية عندما يختاره المتوفي، بل اقترحت رفع القيود الشرعية الموجودة أصلا على نظام الوصية.
وأكد حزب “المصباح”، أن تخويل ما أسمته المذكرة “صاحب المال” سلطة اختيار النظام المطبق على أمواله، يعكس تناقضا مع التصور الإسلامي القائم على أن المال مال الله، كما أن مال التركة بعد وفاة المعني لم يعد لصاحب المال وليس له سلطة عليه.
واعتبر أن ادعاء المذكرة ب”غياب جزاء قانوني عن الحرمان من الإرث” غير صحيح لأن القانون الجنائي نظم ذلك في الفصل 526-1 الذي تمت إضافته بمقتضى الفصل 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حيث تم تجريم حالة تبديد أو تفويت الأموال من طرف أحد الزوجين بسـوء نيـة وبقصـد الإضـرار بالـزوج الآخـر أو الأبناء أو التحايل على مقتضيـات مدونـة الأسـرة المتعلقـة بالنفقـة أو السكن وبالمسـتحقات المترتبـة عـن إنهـاء العلاقـة الزوجيـة أو الأبنـاء أو باقتسـام الممتلـكات.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.