الشيخ القرضاوي في ذكرى وفاته الأولى.. عالم المقاصد والفقيه المعاصر وداعية الوسطية

في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، أي في 26 شتنبر 2022، ارتقى إلى جوار ربه العلامة يوسف القرضاوي، الرئيس المؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عن 96 عاما.
وطوال سنين حياته الحافلة بالعطاء والاجتهاد، شهدت الأمة الإسلامية في القرضاوي، بأنه مجدد في الفقه المقاصدي، ورمز من رموز الوسطية والاعتدال.
كما كان القرضاوي من أكبر علماء الأمة تأثيرا في أجيال من أبنائها، فصنع بذلك دعاة تغيير وإصلاح، وحملة مشروع نهضوي على أساس مقومات الأمة وانتظاراتها، في تفاعل راشد ومجتهد وعميق مع تحديات واقعها ومستقبلها.
لقد أبدع الراحل في الكثير من القضايا الفقهية، ففي فقه الأولويات، أبدع فيه الراحل بفتح أبوابه وتأصيل مسائله وإزالة الخوف من تقحّم تطبيقاته، تأسيا بإعادة الاستفادة من ظروف التنزيل الأولى، إذ إن ما صحّ للأول صحّ للآخر في التطبيق، مراعاة للحال والمآل.
وفي فقه الموازنات، جدّد القرضاوي مناره وأحيا أعلامه بعدما كان متواريا خلف فتاوى الأقدمين، وهو فقه مكين ثوى في المدونات القديمة ولم يجد سبيلا للتنزيل إلا في الفقه الفردي، فنقله الشيخ إلى الفقه الجماعي، أو فقه الدول، وهو يتماسّ مع السياسة الشرعية بمفهومها الأكبر، حيث قدم فيه الشيخ حلولا عاجلة للعاملين في الحقول الدعوية، بما يرفع الحرج في التعامل مع الموافق والمخالف، وتقديم المتاح والمباح، وفقه الاستطاعة، والضرورات والمندوحات.
كما تميز الشيخ في الفقه الوسطي، حتى عُدّ رائده والمنافح عنه، بل لا يذكر الاسم إلا ويقترن به رحمه الله، ومن إبداعاته رحمه الله في هذا المستوى، ما رصف به اللغة الدعوية من البينيات والمقارنات الرائقة بين: الكليات والجزئيات، والانفتاح والانغلاق، والجحود والتطرف، والاجتهاد والتمذهب، والسلف والخلف، والسنة والبدعة، والانفتاح والانغلاق، والآمال والمحاذير، والانضباط والتسيب، والأصالة والمعاصرة، والاختلاف المشروع والتفرق المذموم.
وكذلك فرادته في نحت العناوين الدالة مثل: الجبرية في العقيدة، الشكلية في العبادة، السلبية في السلوك، والسطحية في التفكير، الحرفية في التفسير، والظاهرية في الفقه، والمظهرية في الحياة.
وارتفع اسم الراحل في “فقه التيسير”، و”فقه المناسبات” و”فقه المعاملات المالية”، و”فقه البيئة”، و”فقه السنن”، و”فقه التغيير”، و”فقه الأقليات المسلمة” وغيرها.

فقدٌ جلل
عدد من أعلام الأمة وكبار ساستها، عبروا عن حزنهم لرحيل الشيخ القرضاوي، مؤكدين ما اتسم به الفقيد من خصال حميدة، ومنزلة في العلم كبيرة، وثبات على معاني الإسلام وقيمه الوسطية.
وفي هذا الصدد، نعاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقوله، إن القرضاوي: “لم يتنازل طوال حياته عمّا آمن به، وكان خير مثال يحتذى به للتوفيق بين مبادئ الإسلام والحياة”.
ونعاه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية رئيس الوزراء السابق قائلً: “نعزي أنفسنا والأمة الإسلامية بوفاة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي والذي كرّس حياته في خدمة الإسلام وأحد اعلام الوسطية والاعتدال..”.
وفي المغرب، تقدم حزب العدالة والتنمية على لسان أمينه العام الأستاذ عبد الإله ابن كيران، “بأحر التعازي لأسرة الفقيد، وللأمة الإسلامية على هذا المصاب الجلل”، معتبرا إياه “أحد الرواد الكبار لمنهج الوسطية في العالم العربي والإسلامي”.
كما قال نعى زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي الفقيد بقوله: إن “فقيد الأمّة وهب حياته مبينًا لأحكام الإسلام، ومدافعًا عن أمّته، مؤكدًا مبدأ الوسطية”.
ومن فلسطين، نعى رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، وحركة الجهاد، في بيانين منفصلين، القرضاوي، واعتبرا أنه كان “علماً من أعلام الأمّة”، مشيرين إلى أنه “كرّس حياته مدافعًا عن القضية الفلسطينية”.
ومن مصر، نعت أسرة الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي، في بيان، القرضاوي، مؤكدة أنه “أفنى حياته في العلم والتعليم والإصلاح والاجتهاد وكان مدرسة للإسلام الشامل، وناضل بقول الحق من أجل أمّته ودينه”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.