العمراني: “مخاطَبكم لا يجيب” في اليوم العالمي لـ”تعميم الانتفاع بالمعلومات”

احتفل المنتظم الأممي قبل أسبوع، يوم الخميس 28 شتنبر 2023، باليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات. وأقامت اليونسكو الراعية لهذا الاستحقاق العالمي احتفالية هذه السنة بجامعة أكسفورد البريطانية في اليوم نفسه، في موضوع “أهمية الفضاء الإلكتروني للوصول إلى المعلومات”.
وتمحورت المناقشات حول قضايا أساسية منها ضمان الوصول إلى المعلومات في عصر الإنترنت، والتكنولوجيا من أجل الديمقراطية والتنمية المستدامة، والاتصال بالإنترنت كعامل تمكين للقدرة على ممارسة الحقوق عبر الإنترنت.
غير أننا لم نشهد نشاطا مماثلا أو قريبا منه بالمغرب، كان ينبغي أن يوفر – لو تمَّ- فرصة لتقييم مكسبات بلادنا في ورش الحق في الحصول على المعلومات، وفي أقل الأحوال كان يتعين على القطاع الحكومي الوصي وهو الوزارة المنتدبة في الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أن تعد تقريرا يرصد الأداء العمومي في هذا المجال ويكون متاحا للرأي العام.
ويخلد العالم يوم 28 شتنبر يوما عالميا للحق في الحصول على المعلومات، تبعا لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتها الرابعة والسبعين المنعقدة يوم 15 أكتوبر 2019، اعتماد يوم 28 شتنبر يوماً دولياً لتعميم الانتفاع بالمعلومات، وجاء هذا القرار استنادا لإعلان المؤتمر العام لليونسكو سنة 2015 تحديد يوم 28 سبتمبر من كل عام للاحتفال بهذا اليوم.
مكتسبات وطنية:
ينبغي التذكير ابتداء بأن من أهم المكتسبات الوطنية في مجال إعمال الحق في الحصول على المعلومات، تنصيص دستور 2011 في فصله 27 على هذا الحق بالقول: ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”.
وفي المقام الثاني يرد ثاني أهم مكتسب تشريعي هو إصدار القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات بتاريخ 12/03/2018، ودخوله حيز التنفيذ بتاريخ 11/03/2019. وقد أسهم هذا القانون في نيل المغرب العضوية في مبادرة الحكومة المنفتحة بحيث أصبح الشريك الخامس والسبعين في 26/04/2018، وتلتزم الدول المنخرطة في المبادرة باحترام مبادئ الشفافية في تدبير الشأن العام خصوصا فتح البيانات العمومية، ومشاركة المواطنين في بلورة وتقييم السياسات العمومية، ونزاهة الشأن العام والأعوان العموميين، واستعمال التكنولوجيات الجديدة لفائدة الانفتاح في البيانات العمومية.
وبموجب هذا القانون، أطلقت بوابة الحصول على المعلومات http://www.chafafiya.ma، وتتيح للمواطنين وللأجانب المقيمين بالمغرب بصفة قانونية، تقديم وتتبع طلبات الحصول على المعلومات. وقد تعزز هذا المكسب التشريعي بإطلاق منصة التبادل لشبكة الحق في الحصول على المعلومات (redai) يوم الثلاثاء 14 مارس 2023، تهدف إلى استثمار الممارسات الفضلى، بعرض التجارب الناجحة والتطبيقات الجيدة في تفعيل الحق في الحصول على المعلومات، وتحسين تفعيل القانون 31.13، باقتراح الحلول المناسبة حول التساؤلات المرتبطة بتنظيم المعلومات وتدبير الطلبات، ومواكبة المستجدات والأنشطة الوطنية والدولية في مجال الحق في الحصول على المعلومات، وتقوية وتعزيز قدرات الأشخاص المكلفين بالمعلومات.
كما تجدر الإشارة إلى المبادرات التفعيلية الأخرى للقانون 31.13 خصوصا على المستوى المؤسساتي، وإلى مختلف الجهود العمومية المنجزة للإرساء الفعلي لحق الولوج للمعلومات العمومية، مما يقتضي التنويه والاعتراف.
ولعل من آخر ما يسجل إيجابا في هذا المضمار، فوز المغرب هذه السنة بجائزة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، عن برنامج دعم الجماعات الترابية المنفتحة، خلال القمة الدولية الثامنة للشراكة من أجل الحكومة المنفتحة المنظمة بالعاصمة الإستونية تالين يومي 6 و7 شتنبر الأخير، وهي المبادرة التي تهدف إلى مأسسة وترسيخ مبادئ الحكومة المنفتحة على مستوى الجماعات الترابية، والتي تتجلى أساسا في الشفافية والمساءلة والوصول إلى المعلومة والمشاركة المواطنة والرقمنة.
البرلمان والحكومة يحجبان المعلومة: لا يصدق لكنه صحيح
نص البرنامج الحكومي للولاية التشريعية الحالية 2021-2026 بالحرف على ما يلي: “وتشجيعا لحصول الباحثين على المعطيات، سيتم وضع مسطرة شفافة للولوج إلى المعطيات الخام وتوفير معطيات مجزأة في أنماط تسهل استخدامها. وينبغي أن يحصل الباحثون المغاربة بسهولة على معطيات جيدة إذا نحن أردنا أن ينتجوا أبحاثا تستجيب للمعايير الدولية من حيث الجودة والابتكار. وإن تطوير قدرات البحث الأكاديمي المغربي سيعود بالنفع العميم على الدولة التي يمكن أن تعتمد على خبرة معززة من أجل تحسين سياساتها الاجتماعية على وجه الخصوص.”
إن الإرادة المشتركة للسلطتين التشريعية والتنفيذية المعبر عنها هنا في واد والأفعال في واد آخر. ويتعلق الأمر بالمبادرة الغريبة لمجلسي البرلمان وللوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، قبل بضعة شهور، بحجب نصوص الأجوبة الحكومية على الأسئلة الكتابية للبرلمانيين في موقعيهما الإلكترونيين، ليس للولاية الحالية فحسب بل لكل الولايات المحوسبة في الموقِعَيْن.
لقد كان من الممكن تفهم هذا الحجب تشريعيا لو طال الأجوبة على الأسئلة الكتابية البرلمانية التي ترد فيها معطيات شخصية مشمولة بالاستثناء، لكن أن تعم البلوى الأجوبة على كل الأسئلة الكتابية فهو أمر غير مفهوم وغير مؤسس وغير مبرر:
فالمؤسسات الثلاث لم تكلف نفسها إبلاغ الرأي العام بقرار الحجب، وتفسير دواعيه، إن كانت له دواعِِ مؤسسة أصلا؛
هل يستقيم لمؤسستين دستوريتين، كانت الأولى صاحبة المبادرة لإعداد مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومة وكان للثانية فضل إقراره؟ إن المسؤولية أكبر والإخلال أفظع بالنسبة لمجلسي البرلمان اللّذين صدر عنهما القانون، فمن يحمي القانون إذا لم يحمه ابتداءً منتجوه؟
هل تسعف مقتضيات القانون 31.13 في الذي حصل؟ الجواب بالنفي. فالقانون نص بوضوح في مادته الثانية أن المقصود بالمعلومات المعطياتُ والإحصائياتُ التي “تنتجها أو تتوصل بها المؤسسات أو الهيئات المعنية في إطار مهام المرفق العام” ومنها مجلس النواب ومجلس المستشارين والإدارات العمومية.
هل أضحت الأجوبة الحكومية على الأسئلة الكتابية العامة من أسرار الدولة؟ هل يمكن أن تدخل في الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 7 من ذات القانون، وهي ” المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وبأمن الدولة الداخلي والخارجي، وتلك التي من شأن الكشف عنها المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور …”. إن الأسئلة الكتابية كما جرت بذلك الممارسة والمؤطرة بالقانون تسائل السياسات العمومية والقطاعية، ولا يمكن أن تكون أصلا موضوع جواب حكومي إذا تعلقت بأحد الاستثناءات الواردة في المادة 7.
وكالة تقنين المواصلات: فهم خاص لتدبير الحق في الحصول على معلومة
لقد عاش كاتب هذه السطور، بحر السنة الجارية تجربة غير مشجعة مع إحدى المؤسسات العمومية الوطنية، أسوقها لضرب المثل الذي يتضح به المقال.
فقد وجهتُ في 9 فبراير من هذه السنة طلبا للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات عبر البريد الإلكتروني، وفق نموذج الاستمارة المنشور في موقعها الإلكتروني، ألتمس فيه- وفق ما يخوله القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات- إفادتي بعدد المنخرطين برسم سنة 2023، في الهاتف النقال وفي شبكة الأنترنت، مصنفا حسب الجهات وحسب الفاعلين الاتصالاتيين الثلاثة الفاعلين في المغرب.
وبعد 18 يوما، أي يوم 27 فبراير 2023، تلقيت جوابا يتضمن نسبة الأسر المتوفرة على هاتف نقال وعلى خدمة الإنترنت، ونسبة الأفراد المتوفرين على هاتف نقال (ممن تبلغ أعمارهم أكثر من 5 سنوات)، وكل ذلك على المستوى الوطني وليس الجهوي. والغريب في جواب الوكالة الوطنية ما جاء حرفيا من أنه “استنادا للمعايير المعمول بها دوليا فتجدر الإشارة إلى أن التوزيع حسب الجهات في الهاتف النقال لا يُعْتَدُّ به فيما يخص تقييم نسب عدد المنخرطين”.
لقد صدمت من المبرر الذي ساقه الجواب، ولم أستوعب الدفع الذي دفع به. وعند تأمل هذه النازلة، فلا يمكن إلا أن تستوقفنا الملاحظات الآتية:
إن الطلب كان دقيقا، ولم يتعلق البتة بأي استثناء قانوني يمكن أن يكون سندا للتحفظ، فلا الإحصائيات المطلوبة من صنف المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وبأمن الدولة الداخلي والخارجي ولا من صنف المعطيات الشخصية، ولا باقي الاستثناءات؛
ما شأن الطلب بالمعايير الدولية التي ساقها الجواب، من أن “التوزيع حسب الجهات في الهاتف النقال لا يعتد به فيما يخص تقييم نسب عدد المنخرطين”؟ أين المانع القانوني وهو المعتبر وحده دون غيره؟ إن الوكالة بإحالتها على ما سمته ب”المعايير الدولية” تضيف تقييدا آخر لم يقرره القانون 31.13 وهي بذلك تضع نفسها في موقع المشرِّع؛
وعلى فرض صحة هذا الدفع، من أن التوزيع الجهوي في الهاتف النقال “لا يعتد به فيما يخص تقييم نسب عدد المنخرطين”، فلماذا لم تُحِطْنَا الوكالة علما بنسب المنخرطين في ما سوى الهاتف النقال أي في شبكة الأنترنت بنوعيها كما ورد في السؤال؟ لقد سبق لها أن نشرت إحصائيات عن نسب المنخرطين في الهاتف النقال والأنترنت حسب الفاعلين الاتصاليين، فلماذا تستنكف عن ذلك اليوم؟
لقد أحالنا جواب الوكالة على رابط لولوج موقعها الإلكتروني، لكن عند تفعيله لا تجد غير المعطيات العامة وطنيا بخصوص المنخرطين في شبكتي الهاتف والأنترنت؛
فهل بهذا النموذج التفاعلي والتفعيلي لقانون الحصول على المعلومات، يمكن أن يتقدم البحث العلمي في بلادنا؟ أين هذا النموذج وأمثاله في مؤسسات أخرى مما أكد عليه البرنامج الحكومي من أنه “ينبغي أن يحصل الباحثون المغاربة بسهولة على معطيات جيدة إذا نحن أردنا أن ينتجوا أبحاثا تستجيب للمعايير الدولية من حيث الجودة والابتكار”؟؟
آفاق الولوج للمعلومة في عصر الذكاء الاصطناعي:
تميزت الاحتفالية الأممية لهذه السنة بمناسبة اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات، بالنشاط الذي تناول “أهمية الفضاء الإلكتروني للوصول إلى المعلومات”، وهو اختيار يستبطن أهمية الالتفات إلى الإمكانات التي توفرها التكنولوجيا الرقمية لتعزيز الولوجية للمعلومات.
ومن الأدوات التكنولوجية المتاحة والتي تفرض نفسها على البشرية فرضا يوما بعد يوم، تقنية الذكاء الاصطناعي، لما لها من دور حيوي في الرفع من قدرات الحصول على المعلومات.
خاتمة:
بالرجوع للسياق الوطني، فإن ثمة تحديات يتعين مجابهتها للوفاء بالاستحقاقات التي رتبها الفصل 27 من الدستور وتقتضيها عضوية المغرب في مبادرة الحكومة المنفتحة، ومن أهمها:
إصلاح الأعطاب التي تتلبس بإعمال الحق في المعلومة العمومية وتشوش على منظومتنا الوطنية القانونية والمؤسساتية، من جنس ما سقناه في هذا المقال وغيرُه وشبيهُه كثير؛
إجراء تقييم شامل بشأن الحصيلة الوطنية في مجال تعزيز الحق في الوصول إلى المعلومات، خصوصا بعد مضي أكثر من خمس سنوات على إقرار القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، يتبلور عنه تقرير ينشر للعموم؛
ملاءمة التشريع الوطني مع خلاصات التقييم المنشود، ومع مكتسبات القانون المقارن ومستجدات التكنولوجيا الرقمية خصوصا فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي؛
إن أكبر تَحَدٍّ يواجه بلادنا، في هذا المجال وفي غيره، هو العقليات المعاكسة للإصلاح والتي لها سلطتها ونفوذها على إدارة الشأن العام، وغير المستعدة للانخراط في استحقاقات القرن الواحد والعشرين. ولنقلها بوضوح: إن تعزيز الحق في الولوج للمعلومة وبقاء العقليات المنغلقة خطَّان متوازيان لا يتلقيان، فإما أن تتغير تلك العقليات وإما أن الإصلاح سيبقى بعيد المنال.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.