الأزمي للأيام: هذه هي الأجور الحقيقية لكبار الدولة

في حوار أجرته معه الزميلة الأيام، يكشف ادريس الأزمي الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، عن قيمة أجور الوزراء بما فيه أجر رئيس الحكومة، ويضع حدا للتخيلات التي تلبست بهذا الموضوع، وكونت مشتركا جمعيا  سلبيا لدى المواطن المغربي، ساهم في تكريسه إعلام غير مهني وتوظيف سياسوي ضيق، كما رفع اللبس بخصوص ما يسمى بالصناديق السوداء، والتي دأب الاعلام على توصيفها بذلك في حين يتعلق الامر بالحسابات الخصوصية للخزينة وهي مدرجة ضمن مشاريع قوانين المالية وتخضع للإجراءات التي تخضع لها الميزانية العامة، وتمارس عليها الرقابة البرلمانية حين البرمجة وأثناء التنفيذ وبعده . 

 أصدرتم دراسة يبدو أنه حول الأجور، تتضمن أرقاما وإحصائيات وثائقية لأول مرة يتم الكشف عنها، وقبل أن نناقش بعض محاورها، نريد أن نعرف قراءتكم الأولية لها؟ 
> إنه تقرير ضمن ثلاثة تقارير، تصدر للسنة الثالثة على التوالي، جاءت مصاحبة لمشروع قانون المالية، الهدف منها الرفع من منسوب الشفافية في تدبير المالية العمومية وتوفير المعطيات حولها وتقوية المراقبة البرلمانية بعد توفير المعلومات الضرورية والكافية.
فهناك تقرير حول تدبير الدين، وآخر حول نفقات المقاصة، والثالث حول الأجور في الوظيفة العمومية، وهي التقارير التي دار حولها نقاش عمومي، لأنها لم تكن موجودة من قبل، وكان من اللازم أن نعد تقريرا يضم معلومات حول كل ما يتعلق بالموارد البشرية، وذلك بهدف التعريف بالموارد البشرية التي تتوفر عليها الإدارة المغربية من حيث عدد الموظفين ومعدل حضور النساء، ومعدل التأطير لكي نبين مجهود الدولة في توفير الموارد البشرية التي تقوم بتوفير الخدمة العمومية في التعليم والصحة والعدل والأمن …
وكما يتضح من تقرير الأجور، فإن نسبة تطور الموارد البشرية كانت أكبر من تطور الساكنة، ما يفسر المجهود الذي بذل في ضخ دماء جديدة في الموارد البشرية في القطاعات ذات الأولوية مثل العدل والأمن والصحة والتعليم… كما يبين التقرير المجهود التي قامت به الدولة على المستوى المالي، حيث تطور حجم كتلة الأجور بقوة وبسرعة وأخذ مساحات مهمة في الميزانية العامة بصفة عامة ومن الموارد العادية بصفة خاصة، وهو ما يطرح علينا تحديات اليوم وغدا ويفرض علينا التفكير في التحكم في كتلة الأجور لعلاقتها بالمعاشات والموظفين المقبلين على التقاعد، ومن ذلك يفترض إصلاح صناديق التقاعد.

لكن الملاحظ في التقرير أن نسبة مهمة من الموظفين يتراوح عمرهم بين 45 و65 سنة، فهل يعني ذلك أن الإدارة المغربية “شائخة”؟ 
> ليس بالضرورة، لأن الرقم هنا قد يفسر لصالح الإدارة من حيث توفرها على خبرات وكفاءات، وهو أمر صحيح وأكيد، لأن الإدارة المغربية تتوفر على كفاءات عالية بالمقارنة مع ما هو موجود في دول المحيط، وهو ما يفسره المجهود الوطني الذي بذل في السنوات الأخيرة في مجال التوظيف في السلالم ذات الكفاءات العليا، ولكن هذا يطرح من جهة أخرى مشاكل على المدى القريب والمتوسط على مستوى المعاشات وصناديق التقاعد، بالنظر للأعداد الهائلة من الموظفين المقبلين على التقاعد، والذين يبلغ عددهم في هذه السنة أكثر من 13 ألف.

وكيف تقرأون أن 50٪ من الموظفين يتقاضون أقل من 6000 درهم؟
> هذا تطور طبيعي لارتفاع نسبة التأطير من الكفاءات في الإدارة، والتي  كانت منخفضة وكانت تنعكس على معدلات الأجور التي كانت بدورها ضعيفة، لكن نسبة التأطير اليوم في الإدارة وصلت إلى 65٪، وهو ما يعني أن عدد الأطر المغربية من السلم 10 فما فوق يشكل في الإدارة المغربية 65٪، وهو رقم دال ومهم ويبين المستوى الذي وصلته الإدارة المغربية في نسبة التأطير، وقد انعكس بدوره على متوسط الأجور الذي يقدر اليوم بـ 7300 درهم، علما أنه كان يقدر في سنة 2007  بـ5300 درهم، كما أن هناك معلومة مهمة جاءت في التقرير تتعلق بمتوسط الأجور مقارنة مع الدخل الفردي في المغرب والذي يصل إلى 3,2، مقابل ما يجري في تونس، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 1,2 ، وتركيا بمعدل 1,7 ، وفرنسا بمعدل واحد في المائة.

  لكن هذه الفئة لها علاقة بالناتج الداخلي الخام، ولذلك لا يمكن مقارنة المغرب بفرنسا؟
> هذا أمر صحيح، لكن يمكن أن نقارن أنفسنا بتونس أو تركيا، كما يمكن أن نستخلص الدلالات الوطنية من هذه النسبة ونعتبر أن متوسط الأجور عندنا يساوي أزيد من ثلاث مرات متوسط الدخل الفردي، ما يعني أن متوسط الأجور عندنا مرتفع، ويعني أيضا أن السياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة كان لها تأثير إيجابي على هذا المستوى، ولا أدل على ذلك من ارتفاع متوسط الأجور بحوالي ألفي درهم في ظرف سبع سنوات، أي بين 2007 و2014، كما هو الشأن بالنسبة للحد الأدنى للأجور الذي ارتفع من حوالي 1500 درهم في 2007 إلى 3000 درهم هذه السنة، بالإضافة إلى حذف السلالم الدنيا أقل من 5، واعتماد نظام المباريات التي توفر شروط الشفافية والكفاءة.

من هم الـ 120 موظفا الذين يتقاضون أكثر من 50 ألف درهم؟
> إنها حسب علمي فئة قليلة، والمقصود بهم الوزراء والكتاب العامون للوزارات وبعض المدراء العامين.

كم يتقاضى الوزراء؟ 
> إن أجر الوزراء محدد في القانون الصادر سنة 1975 المتعلق بوضعية الحكومة وتأليف دواوينها، كما تم تغييره وتتميمه سنة 1993، والذي يبين مستوى الأجر وباقي التعويضات، كما  يحدد أجور وتعويضات الوزير الأول والوزراء وكتاب الدولة.
  كم بالضبط؟
> 58 ألف درهم، وهو الأجر المحدد في القانون نفسه.
والتعويضات؟ 
> مدرجة ضمن الأجر الذي أشرت إليه.
  كيف؟
> 58 ألف درهم هو أجر الوزير بما في ذلك التعويضات.
يعني هذا أن 58 ألف درهم هي التي تصرف من الخزينة إلى الحسابات الشخصية للوزراء؟ 
> تماما، وموزعة بين الأجر الأساسي وباقي التعويضات.
  وكم هو أجر رئيس الحكومة؟
> حوالي 70 ألف درهم، ويتضمن الأجر الأساسي وكل التعويضات.
  وما هو أجر الوزراء المنتدبين؟
هو نفس الأجر الذي يصرف للوزراء، فيما يصرف لكتاب الدولة أجر أقل بقليل من أجور الوزراء والوزراء المنتدبين.
وكم يتقاضى مدراء المؤسسات العمومية؟ 
> هذه الفئة تخضع للمقتضيات التنظيمية الخاصة بها، منها التي تعمل بمبدأ التعاقد المباشر بين الدولة وبين المؤهلين لقيادة هذه المؤسسة العمومية أو تلك.
  كيف؟
> إنهم يخضعون أولا لوحدة المعايير الأساسية في تحديد الكفاءات المؤهلة، أي المؤهلات الضرورية والأساسية لتحمل مسؤولية هذه المؤسسة العمومية أو تلك، على أن يراعي تحديد الأجر طبيعة الاختلاف بين المؤسسات التجارية الربحية، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، وباقي المؤسسات الصناعية الإنتاجية.
وهناك مؤسسات أخرى كالجامعات مثلا، حيث الأجور محددة بالقانون، إذ لرؤساء الجامعات نفس التعويضات كالوزراء.
وكم يتقاضى رؤساء دواوين الوزراء وباقي الموظفين؟ 
> هو نفس الأجر الذي حدده القانون المذكور.
طيب، كيف تنظرون إلى قيمة راتب الوزراء؟ 
> إنه قد يمثل في المخيال الشعبي رقما كبيرا، لكنه يبقى تعويضا محددا بالقانون، وللإشارة لم يعرف أي تغيير منذ سنة 1993.
لقد سبق أن أنجزنا ملفا في هذا الصدد، وتحدثنا لوزراء قدموا من قطاعات خاصة، وأكدوا أنهم كانوا يتقاضون أضعاف الأجر الوزاري؟ 
> كما أسلفت إن المسألة مرتبطة بنظرة “المخيال الشعبي” لأجور الوزراء، علما أن هناك أجورا في القطاع الخاص هي أضعاف ما يتقاضاه الوزير، ودون أن تسلط عليه الأضواء والانتقادات، وفي مناسبات تكون هذه الانتقادات جارحة ودون أساس، لكن بالنسبة لي، فإن الوصول إلى المسؤولية الحكومية أو النيابية ليس هدفا في حد ذاته، لأن هناك عددا كبيرا من المواطنين الذين ناضلوا لسنوات دون أن يصلوا إلى أي منصب من المسؤولية، ولذلك فإن العمل السياسي مبني على القناعة والنضال بما يعنيه من تضحيات بهدف المساهمة في تطوير الشأن العام والمصلحة العامة.
  هل تمت مراجعة بعض أجور السفراء؟
> لا، لأنها محددة بنصوص تنظيمية.
وكم يتقاضى السفراء؟ 
> أجور السفراء تحددها نصوص تنظيمية تأخذ بعين الاعتبار مستوى المعيشة في الدولة التي عينوا فيها، إذ لا يمكن أن يكون راتب السفير في إحدى الدول حيث مستوى العيش متوسط هو نفس الراتب الذي يصرف لسفير في إحدى الدول ذات مستوى العيش المرتفع.
حقيقة الصناديق السوداء
أين وصلتم في التعاطي مع الصناديق السوداء؟ 
> إنها الحسابات الخصوصية للخزينة والتي يطلق عليها خطأ الصناديق السوداء، وبمقتضى القانون التنظيمي لقانون المالية، الذي هو امتداد للدستور، تعد هذه الصناديق إحدى المكونات الثلاثة لقانون المالية، بعد الميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بطريقة مستقلة، وتخضع هذه المكونات الثلاثة لنفس المبادئ والمقتضيات التي يحددها القانون سواء في ما يتعلق بالبرمجة أو المصادقة أو التنفيذ أو المراقبة، حيث الميزانية العامة تهم المشاريع التي تقوم بها الإدارات، والمرافق التي تسير بطريقة مستقلة والتي تتسم بنوع من المرونة لفائدة الإدارات التي تقدم خدمات تتقاضى عنها مقابلا من مثل المستشفيات، ويتيح لها القانون إمكانية إحداث مرفق أو مرافق لتسييره بطريقة مستقلة، على أن تكون لها موارد ذاتية وتقدم خدمات، أما الحسابات الخصوصية للخزينة، فهي الحسابات التي لها رابط موضوعي بين الموارد والنفقات بالنسبة لبرنامج يفترض أن يدوم موضوعه سنوات، مثل صندوق التنمية القروية الذي يعد صندوقا له سياسة عمومية مندمجة وتتداخل في تدبيره عدة إدارات ومصالح ويضمن لها الاستدامة لعدة سنوات، على اعتبار أن إشكالية العالم القروي والتنمية القروية موضوع سنوات ولا يمكن التعاطي معه في ظرف ولاية حكومية أو برلمانية، وهذا أمر ينطبق على التنمية الفلاحية التي لها صندوق خاص ضمن هذا المكون من الميزانية يضمن لها استمرارية هذه السياسة الهامة في قطاع حيوي.
ولماذا سميت في نظركم بالصناديق السوداء؟ 
> سميت هكذا خطأ. وكما هو معلوم فهي حسابات تخضع لمراقبة البرلمان ويوجه تقرير سنوي بشأنها إلى البرلمان، كما أنها تخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات، وتوضع بنفس الطريقة التي توضع بها الميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بطريقة مستقلة، وبالتالي فإنها توجد تحت مجهر القانون، فلا يمكن تسميتها بصناديق سوداء.
وما الذي تفهمونه حينما تسمعون تسمية “الصناديق السوداء”؟ 
> إنه خطاب مبهم، وبالنسبة لي كوزير مكلف بالميزانية، فهذه الحسابات هي حسابات قانونية ولا يمكن بأي حال اعتبارها بمثابة صناديق سوداء. إنهم يركزون على ميزانية هذه الصناديق التي تقدر بحوالي 55 مليار درهم، وهي ميزانية كبيرة، لكنها خاضعة للمراقبة البرلمانية، وبالتالي لا يمكن أن تكون سوداء، لأنها ليست خارج القانون. وفي إطار إصلاح قانون المالية بمقتضى القانون التنظيمي لقانون المالية، فقد تم الإبقاء عليها، ما دامت تساعد في بلورة وتنفيذ سياسات عمومية مهمة ذات الأمد الطويل، علما أن عدد هذه الحسابات قد تقلص من 135 إلى 75 حسابا خصوصيا.
  أليس هناك حساب خاص في صندوق خاص لدى رئيس الحكومة؟!
> أبدا، هذا كلام يتم الترويج له وهو غير صحيح، ويمكنني أن أؤكد لكم أن كل الميزانيات الوزارية والقطاعية والفرعية تمر بالضرورة عبر قانون المالية، والقانون التنظيمي للمالية أحدث معايير لإحداث هذه الحسابات، ومن بينها ضرورة توفر نسبة معينة من الموارد الذاتية، إذ لا يمكن أن يتم خلق صندوق خاص أو حساب خاص إذا لم يكن يتوفر على نسبة معينة من الموارد الذاتية.
  ألم تكن للوزراء الأولين صناديق خاصة بهم؟ لقد راج هذا الخطاب بقوة حتى مع حكومة التناوب، وقيل إبانها إن عبد الرحمن اليوسفي مثلا لم يتصرف في ميزانية صندوق لديه بلغت ميزانيته من التعويضات أزيد من مليار سنتيم؟
> ليس في علمي مثل هذه المعطيات، وإذا كانت الصحافة تقصد بالصناديق السوداء الحسابات الخصوصية، فأؤكد لكم أنها خاضعة للرقابة البرلمانية، بالإضافة إلى أنها تراقب، كل سنة، من طرف المجلس الأعلى للحسابات، الذي تعرض عليه ميزانية كل سنة بوثائقها المحاسباتية لدراستها والمصادقة عليها، وهكذا يمكن التأكيد على أنه ليس هناك أي حساب خاص لرئيس الحكومة، وشأنه كشأن الوزارات الأخرى، لديه ميزانية التسيير والاستثمار والموظفين، ولا يمكن أن يكون له حساب خارج القانون.

الأزمـي: ربحنا هذه السنة 2200 مليار بإصلاح صندوق المـقاصة
كيف يمكنكم إقناع المغاربة بإمكانية تحقيق معدل نمو 4,4 في المائة علما أن الأزمة ما تزال قائمة؟ 
> إن مشروع قانون مالية  2015 بني على مجموعة من الفرضيات والمبادئ، وعلى رأسها ما تم التنصيص عليه في مشروع القانون التنظيمي للمالية، وهو مبدأ الصدقية، وهذا يعني أن مشروع قانون المالية راعى فرضيات واقعية، وهي تلك المتوفرة إبان إعداده، وقد أخذنا بعين الاعتبار عددا من العناصر والمعطيات، منها الظرفية الاقتصادية المتقلبة وغير المستقرة على المستوى الدولي، ولكن كذلك إمكانياتنا الذاتية وتنوع شركائنا.
فالظرفية الاقتصادية اليوم تتوزع إلى ظرفية خارجية لا أحد سينكر أنها غير مستقرة، ومنها ما تعرفه أوربا من تراجع نسبة النمو إلى أقل من 0,9٪، وهو ما قد يؤثر على نسبة النمو في المغرب في حدود معينة، بالنظر إلى الارتباط بين الاقتصاد الوطني واقتصاد أوربا، بل واقتصاد العالم، لكن من جهة أخرى المؤشرات التي حققناها اليوم وطنيا تؤكد سلامة وحيوية الاقتصاد الوطني في مختلف القطاعات كالفلاحة والصناعات والخدمات والقطاعات المصدرة التي تطورت بشكل كبير مثل صادرات السيارات التي انتعشت بنسبة 31,3 في المائة بين شتنبر 2014 وشتنبر 2013، والقطاع الإلكتروني الذي تطور بنسبة 22,2 ٪، وصناعة الطائرات التي تحسنت بنسبة 3,7 ٪ والصناعات الغذائية أيضا، لذلك حددنا نسبة نمو في 4,4 ٪، ونعتبر أن هذا الهدف واقعي ويمكن تحقيقه.
وبالإضافة إلى هذه المعطيات الظرفية، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الإجراءات المهمة التي جاء بها مشروع قانون المالية من أجل دعم النمو من خلال مواصلة المجهود المبذول في الاستثمار العمومي والذي حدد له غلاف مالي قدره 189 مليار درهم، أي بزيادة ملياري درهم مقارنة مع ما كان مقترحا السنة الماضية، ثم دعم الصناعة من خلال إحداث صندوق التنمية الصناعية والاستثمارات بقيمة 3 مليار درهم، من أجل تحفيز المقاولات للاستثمار في المجال الصناعي، واتخاذ إجراءات ضريبية  محفزة عبر تخفيض مبلغ الاستثمار الذي يستفيد من التحفيزات من 200 مليون درهم إلى 150 مليون درهم في إطار التعاقد مع الدولة، وهو ما سيحفز المستثمرين في الداخل والخارج على الاستثمار، كما هو الشأن بالنسبة للإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة في الداخل وعند استيراد على أموال الاستثمار بالنسبة للشركات الجديدة والتي كانت محصورة في 24 شهراً وتم رفع مدتها إلى 36 شهراً، بالإضافة إلى إجراءات الحماية من خلال محاربة الغش التجاري والتهريب والإغراق والنقص في الفوترة، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي تعالج إشكالية خزينة المقاولات من مثل تسريع إرجاع الضريبة على القيمة المضافة ومعالجة الدين المتراكم لهذه الضريبة وتسديد متأخرات الأداء للمقاولات.
هي إجراءات من ضمن أخرى لا تجعل حكومتكم تتميز عن باقي الحكومات إلا من خلال إعلان النوايا في القضايا ذات البعد الاستراتيجي مثل محاربة الفساد وإصلاح صندوق المقاصة وصناديق التقاعد والتي ظلت عبارة عن إعلان نوايا ليس إلا. 
> لا أتفق مع القول بأن الحكومة لم تحقق شيئا، ونحن لسنا إزاء إعلان نوايا بل إجراءات وإصلاحات حقيقية كما فصلت، لأن هناك قطاعات ومجالات عرفت إصلاحات مهمة وكان لها تأثير على تحسين صورة المغرب في الخارج، والحكومة الحالية تعمل وفق توجيهات ومضامين الخطاب الملكي القاضية بتحصين المكتسبات ومعالجة الاختلالات التي لا ننكر وجودها، ومن المكتسبات التي حققتها هذه الحكومة، إصلاح منظومة العدالة التي نظم بشأنها حوار وطني كبير، انتهى بالمصادقة على وثيقة وطنية ترسم معالم الطريق نحو المستقبل الواعد، خاصة أن إصلاح منظومة العدالة وتوطيد فعاليتها أساس الإصلاح وأساس محاربة الفساد وتشجيع الاستثمار والمبادرة الحرة…
 يحدث هذا بعد مرور ثلثي الولاية الحكومية؟
> لأن مثل هذه الإصلاحات البنيوية والاستراتيجية تتطلب وقتا حتى يتم إعمال التشاور وتوفر شروط التعبئة والنجاح.
ألم يكن من المفترض أن تُباشر مع تشكيل الحكومة باعتبارها إصلاحات استراتيجية كما جاء في كلامكم؟ 
> قد أتفق معكم، لكن كان علينا أن نوفر شروط نجاح مثل هذا الإصلاح، ومن ذلك العمل بالمقاربة التشاركية التي جاءت في الدستور، إذ لم يكن بإمكان الحكومة منفردة أن تباشر إصلاح منظومة العدالة، والعمل بالمقاربة التشاركية هو الذي يضمن أولا نجاحها ويجعلها مكسبا للجميع.
من جهة ثانية، ليس صحيحا ما جاء في سؤالكم من أنه لم يتحقق شيء في عهد هذه الحكومة، وإلا ما معنى أن نوفر ملايير الدراهم من إصلاح صندوق المقاصة، وذلك بتخفيض ميزانيته من 57 مليار درهم سنة 2012 إلى 35 مليار درهم في هذه السنة، في انتظار خفضها إلى 23 مليار درهم في السنة المقبلة، علما أن ما تم توفيره تستفيد منه البلاد من خلال التحكم في التوازنات الكبرى ودعم الاستثمار في البنيات التحتية واللوجيستيكية ويستفيد منه المواطنون عموما، والذين يعيشون في وضعية هشة بالخصوص، عبر سياسات عمومية تستهدف المجالات الاجتماعية من السكن والتعليم والصحة…
لكن ما الذي جعلكم تتأخرون كل هذا الوقت؟ هل واجهتم قوة معينة أم هناك مشكل سياسي؟ في السنة المقبلة ستمر أربع سنوات من عمر الحكومة وحينها سيطرح سؤال كبير: ما هي بصمة الحكومة الرمزية في تدبير شؤون المغاربة؟ 
> البصمة الكبيرة لهذه الحكومة كونها عالجت ملفات كبيرة وفي نفس الوقت دعمت الاستثمار والسياسات الاجتماعية، ومن بينها منظومة العدالة والمجتمع المدني والمقاصة وصناديق التقاعد، وإذا حدث ووقع تأخر في مباشرة هذه الإصلاحات، وهو أمر نسبيا صحيح، فإنه كان بسبب الصعوبات التي عاشتها مكونات الأغلبية الحكومية في السنة الثانية من عمرها، وكان من نتائجها أن انتقلنا من حكومة إلى أخرى، وبطبيعة الحال لم يكن ممكنا إنجاز إصلاحات كبرى من مثل صناديق التقاعد في تلك الظروف المتشنجة، لكن بعد هدوء الأجواء، استأنفنا من جديد مسلسل الإصلاحات الذي أطلقته الحكومة منذ تنصيبها، وها أنتم تلاحظون اليوم كيف استطعنا توفير 32 مليار درهم من إصلاح صندوق المقاصة، ولاشك أن هذه الأموال الموفرة هي مكسب وطني للجميع وهي التي جعلتنا اليوم نتحكم في التوازنات الكبرى، والتي بدونها لا يمكن خدمة المواطن البسيط، بل بالعكس، فإن استمرار هذه الاختلالات الكبرى لن يتضرر منه إلا المواطن البسيط بحكم أن أي اختلال في التوازنات يكون له أثر سلبي على السياسات والخدمات الاجتماعية الأساسية.
وكما قلت قبل قليل، فإن كل ما تم توفيره من إصلاح صندوق المقاصة ضخ في برامج اجتماعية وفي دعم الاستثمار وتسديد جزء كبير من المتأخرات التي تراكمت في ذمة الدولة منذ سنوات، وأما مشكل التقاعد فإن منظورنا لإصلاحه جاهز وناتج عن مقاربة تشاركية حددها الدستور، وقد أحلناه على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لأخذ رأيه، قبل أن نعرضه على الشركاء الاجتماعيين لمناقشته، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته في مباشرة وتنزيل التصور الجماعي المتفق عليه، لأن أي تأخر إضافي من شأنه أن يعرض هذه الصناديق للخطر، وسنعجز غدا عن أداء معاشات  المتقاعدين.
إذا كنتم تعتبرون أنه وقع تأخر في مباشرة مثل هذه الإصلاحات الكبرى، فلأنها تتطلب فعلا وقتا يحترم تنزيل المقاربة التشاركية، لأن الحكومة لا يمكنها أن تشتغل لوحدها، بل يلزمها دستوريا أن تحاور وتشرك المعنيين، خاصة عندما يتعلق الأمر بإصلاحات تعني مستقبل البلاد لعقود، وأما بصمة الحكومة الحالية فتجسدها تنقيطات المؤسسات الدولية الإيجابية والمتواترة…
  (مقاطعا) التي يمكن أن تكون إيجابية كما يمكن أن تكون سلبية، ومن بينها استمرار تفشي الفساد الذي لم يغادر القضاء إلى اليوم؟! ثم أين وصلتم في دعم الشفافية في تدبير الصناديق السوداء؟
> إن ترسيم الحكامة الجيدة وتوطيد الديموقراطية مسلسل لا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، والذي يهمني أن يحس المواطنون أن الحكومة على الطريق الصحيح في مسلسل ترسيخ الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد، وأن يتبينوا من أن الملفات التي يشتغل عليها المجلس الأعلى للحسابات تتم إعادة الاشتغال عليها من طرف لجنة خاصة بوزارة العدل لإحالتها على القضاء، وهو إجراء من ضمن الإجراءات الملموسة لمحاربة الفساد، وفق مقاربة تقوم على احترام قرينة البراءة وحق الدفاع، بالإضافة إلى دعم المنافسة والشفافية في عدد مهم من القطاعات التي كانت تسير إلى حدود السنوات القليلة الماضية بمنطق الريع وليس بمنطق المنافسة والانفتاح.
الحكومة اليوم تعمل على تقوية مساطر المراقبة القبلية والإجراءات البعدية عن طريق فتح المجال للمنافسة ودفاتر التحملات ومحاربة الامتيازات وبناء المؤسسات الدستورية المعنية بالمنافسة والحكامة الجيدة وتقوية القضاء ومحاربة الرشوة… وهذا مسار لا يمكن أن تظهر نتائجه اليوم، والأهم هو هل تتطور الحكومة في مقاربتها في محاربة الفساد؟ أجيب وأقول نعم حتى وإن أحس المواطن أن هناك تأخرا.
حاوره:  يوسف بجاجا

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.