القرار الملكي خارطة طريق لوضع حد لإشكاليات الأراضي “السلالية”

خالد فاتيحي

تعاني أراضي الجموع، من إكراهات وإشكالات جد معقدة، تتمثل أساسا في النزاعات والصراعات المتعلقة باستغلالها والمحافظة عليها وتثمينها. ففي غالب الأحيان، تلعب التقاليد والعادات دورا حاسما وفاصلا، في فض هذه النزاعات، رغم تبني المغرب ترسانة قانونية مهمة، وتبرز الصعوبات والتعقيدات التي يواجهها أصحاب القرار، في التوفيق بين ضرورة مراجعة الأوضاع التنظيمية والقانونية المعقدة، لهذه الأراضي والتوازنات القائمة، في المجتمع القروي والسعي نحو السلم الاجتماعي.

وفي هذا السياق يأتي القرار الملكي، الذي أعلن عنه، بحر هذا  الأسبوع، بشأن تمليك أراضي الجموع في المناطق المسقية، بشكل مجاني لفائدة المواطنين، حيث خلف هذا القرار، ارتياحا في الأوساط السياسية والحقوقية، خصوصا الفئات الاجتماعية المتضررة ، من جراء  المشاكل التي كان ولا يزال يطرحها قطاع العقار بالمغرب، فيما يتعلق بأراضي الجموع وما يعرف بالأراضي “السلالية”، حتى إن رئيس الحكومة عبر عن سعادته العارمة، إزاء هذا القرار الملكي الغير مسبوق، معلقا ذلك بالقول: “لا يمكن تصور الحرج الذي رفعه عنه الملك محمد السادس، بتمليك المواطنين أراضي الجموع في المناطق المسقية”، مضيفا “لا أخفيكم أنني اتصلت به البارحة لأشكره، فجازاه الله عنا أحسن الجزاء”، مشددا على أن المواطنين عانوا كثيرا ولم يستفيدوا من خيرات الأراضي لأنها لم تكن محفظة.

محمد خيري، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، والخبير في شؤون العقار، ثمن القرار الملكي، الذي أعلن عنه جلالة الملك، في المناظرة الوطنية “حول السياسة العقارية للدولة بالصخيرات”، معتبرا أن من شأنه أن ينهي أزمة الأراضي السلالية، التي باتت تقلق راحة فئات واسعة من المجتمع المغربي، خصوصا سكان القرى، والمناطق الفلاحية، التي تعيش بشكل دائم على وقع عدد من النزاعات المرتبطة، بالملكيات العقارية.

وتعليقا منه، على هذا القرار أوضح خيري، في تصريح لـ pjd.ma أن “القرار الملكي نص بالوضوح على أن التمليك، سيكون بالمجان”، موضحا  أن ذلك يعني إعفاء ذوي الحقوق من رسوم التسجيل و التحفيظ العقاري، واصفا هذا القرار” بالتاريخي والمهم” .

وبعد أن أعرب خيري، عن آمله في أن تكون “هذه الخطوة الملكية، مقدمة في طريق إيجاد حلول لباقي المشاكل، المتعلقة بالأراضي السلالية، التي توجد خارج دائرة الأراضي السقوية”، أبرز أن هذا القرار يعتبر بمثابة “خارطة طريق لوضع حد لأزمة الأراضي السلالية، التي عمرت لعقود من الزمن”.

واعتبر الخبير في مجال السياسة العقارية، أن هذا القرار سيكون له تأثير إيجابي بالنسبة لذوي الحقوق، مشيرا إلى أنهم “كانوا في السابق مجرد منتفعين، الأمر الذي جعلهم في وضعية، غير قابلة للاستثمار والرفع من قيمة إنتاج الأراضي الزراعية، أما اليوم يضيف خيري، “فسوف يصبحون مالكين بموجب هذا القرار الملكي”، مبرزا أن “وضعية العديد منهم الاقتصادية والاجتماعية، ستنقلب من أسوء إلى أحسن”.

وفي مقابل ذلك، أكد خيري، أن الدور الآن على وزارة الداخلية، حيث تقع المسؤولية على عاتقهم، من أجل العودة إلى نسبة الإحصائيات، التي قامت بها مديرية الجماعات المحلية، لرصد عدد الملاكين المتواجدين ضمن دائرة الأراضي المسقية، والذين ينتمون إلى الأراضي السلالية، لافتا إلى وجود صعوبات لدى ذوي الحقوق، فيما يتعلق بفك النزاعات الحاصلة بخصوص هذه الأراضي. وشدد على ضرورة تسريع وتيرة إصدار الترسانة القانونية، التي من شأنها أن تيسر عملية تدبير ملف الأراضي السلالية، الذي تعود جذوره إلى ماقبل 1919.

يذكر، أن عدد الجماعات السلالية يبلغ حوالي 4563 جماعة موزعة على 55 عمالة وإقليم، بحسب إحصائيات وزارة الداخلية، وتقدر المساحة الإجمالية للرصيد العقاري الجماعي بـحوالي 15 مليون هكتار، تشكل منها الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85 في المائة تستغل بصفة جماعية، من طرف ذوي الحقوق، وأعضاء الجماعات السلالية، فيما توظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي. وتلعب أراضي الجموع دورا مهما في التنمية بالمغرب سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي.

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 98 في المائة من الأراضي تستغل مباشرة، من طرف ذوي الحقوق أفراد الجماعات السلالية، في إطار قطاعات اجتماعية واقتصادية، أهمها الرعي والفلاحة والسكن، في حين يقتصر تدخل إدارة الوصاية على تسيير جزء من ممتلكاتها عن طريق الكراء أو التفويت بنسبة أقل من 2 في المائة  موجهة أساسا للتنمية الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص لاستغلال المقالع والمعادن، وكذا الاستغلال الفلاحي للمساهمة في إنجاز مشاريع تدخل ضمن مخطط المغرب الأخضر، الاستغلال الغابوي والنباتات العطرية، والاستغلال لأغراض تجارية وصناعية وسياحية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.