هل توجد في المغرب “صحافة مستقلة”؟

عبد المجيد أسحنون

 

هل توجد حقا في المغرب “صحافة مستقلة”؟ ما المقصود ب”الاستقلالية”؟ وما هي أهم الأدوار التي لعبتها هذه الصحافة؟ ثم ما هي الإكراهات والتحديات التي تواجهها في القيام بمهمتها، أسئلة حملناها إلى المشتغلين في هذا النوع من الصحافة، تسليطا للضوء على هذا الموضوع، وتنويرا لقراءpjd.ma  الكرام.

نعم موجودة

مصطفى العلوي مدير نشر أسبوعية الأسبوع الصحفي، أكد أن أسبوعيته الذي بدأت في الإصدار منذ 1965 مستقلة، حيث لم يسبق لها أن “دافعت عن أي مخلوق كيف ما كان”، مشددا على أنه لا يوجد عدد واحد ل”للأسبوع الصحفي” خارج عن الاستقلالية.

ويرى العلوي في تصريح لpjd.ma، أنه من الواجب أن تكون جميع الجرائد مستقلة، “لأن ظاهرة الصحافة الحزبية، ظاهرة جديدة مصلحية نمت خصوصا في المغرب، عندما تذهب مثلا إلى فرنسا وتبحث عن جريدة ساركوزي لن تجدها”، وعزا المتحدث وجود الصحافة الحزبية في المغرب إلى كون المغرب “دولة متخلفة سياسيا”، لذلك لجأت الأحزاب إلى إصدار جرائد ناطقة باسمها تدافع عن توجهاتها وتعرف بها”، في حين يقتضي المنطق الصحفي بأن تكون جميع الصحف بالمغرب مستقلة.

من جهته، قال توفيق بوعشرين مدير نشر يومية أخبار اليوم في تصريح لpjd.ma، إننا نطلق على “الصحافة المستقلة” هذا الاسم مجازا، “لأن جلها في الحقيقة ناطقة باسم سلطة سياسية أو مالية لا تريد أن تكشف وجهها مباشرة، والباقي مستقل نسبيا”، مضيفا إن الصحافة في المغرب اليوم نوعان، صحافة حزبية ناطقة باسم الهيآت السياسية التابعة لها وفِي خدمة الزعيم والمكتب السياسي الذي يمولها، وصحافة خاصة لا تخضع لتوجيه سياسي مباشر من الأحزاب.

مفهوم الاستقلالية

وفي الوقت الذي عرف فيه العلوي، “الاستقلالية في الصحافة” على أنها “الحكم والنطق بما يجري لا بما يريد أن يوجه به”، معتبرا أن “جريدة لوموند”  مثلا صحيفة مستقلة، “حيث تقوم بوظيفة الإخبار وليست لها أي علاقة بمن يستفيد ومن لا يستفيد”، قال بوعشرين إن المقصود ب”الاستقلالية في وسائل الإعلام “هي اخذ مسافة من السلطة السياسة وسلطة الشركة، واستحضار سلطة القراء وأخلاقيات المهنة”، مضيفا هذا هو التعريف النظري للاستقلالية، لكن في الواقع هناك اكراهات كبيرة، وفِي المجمل يمكن أن نردد مقولة الشعر التي تقول إن الشاعر بن بيئته، كذلك الإعلام والصحافة والصحافيون، كلهم أبناء البيئة القانونية والسياسية والاقتصادية التي يعيشون ويشتغلون ويفكرون في ظلها.

   إذا كان هذا هو رأي المشتغلين في المجال، هل سيكون لمتتبعي هذا النوع من الصحافة نفس الرأي أم رأي مخالف؟ محسن مفيدي عضو مكتب لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يرى أن القول بعدم وجود صحافة مستقلة في المغرب مبالغ فيه، قائلا “لا ننكر أنه توجد بعض الجرائد المستقلة الجادة والمسؤولة، ولكن للأسف قليلة جدا، خصوصا في ظل تكاثر الصحافة الإلكترونية التي أصبحت تستسهل الاشتغال في المجال الصحفي بعيدا عن أخلاقيات المهنة”.

أهم الأدوار

وبخصوص أهم الأدوار التي لعبتها “الصحافة المستقلة”، قال بوعشرين، أنها أدخلت تعددية الآراء إلى الصحافة، حيث كانت قبلها الصحافة الحزبية ذات توجه منغلق ونمطي يخدم الحزب وليس القراء. وثاني دور لعبته الصحافة المستقلة أنها عرفت الجمهور بنخب جديدة كانت محرومة من الظهور، أما ثالث وظيفة لعبتها الصحافة فهي أنها اقتربت من الخطوط الحمراء في الدولة والمجتمع، وأعادت فتح كتاب التاريخ الحديث ليقرأه الناس على الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية، مستدركا لكن الآن نعيش ردة حقيقية حيث تقلص هامش الحرية هذا، وصار سلطان الرقابة الذاتية هو السائد وأصبح للسلطة وللمال مقعد في أغلبية هيآت التحرير.

الاستقلالية ودفع الثمن

فيما يرى مصطفى العلوي، أنه مهما كانت أدوار “الصحافة المستقلة” تظل “محدودة”، لأنه لا يسمح لهذا النوع من الصحافة أن تقوم بأدوار حقيقية، كما لا يسمح لها أن تنجح في المغرب، مبرزا أن الذين كانوا يشتغلون في الصحافة المستقلة كانوا مهددين بالمتابعات والمحاكمات خصوصا في العهد السابق.

وتابع العلوي، أنا عبد ربه الذي أصدرت جريدة مستقلة دفعت ثمن هذه الاستقلالية اعتقالات وتعذيب وسجون، وكنت أعاقب مثلما يعاقب معارضي النظام، لذلك فالصحافة المستقلة “لا يمكنها أن تؤدي أي دور، وإذا أدت ستدفع الثمن”. مضيفا لو أن أحدا في فرنسا أو إيطاليا قام بإصدار جريدة منذ عام 1965، واحتلت صدارة أكبر المبيعات سيبني الشوارع بممتلكاته، والحال أن جريدتي تؤدي مصاريفها وتدفع أجور موظفيها وانتهى الكلام.

المستقبل غامض

يبقى السؤال المطروح أي مستقبل لهذا النوع من الصحافة خصوصا الورقية منها، مع تفاقم أزمة القراءة التي يعرفها المغرب، والعزوف عن شراء الجرائد بشكل عام، جوابا على هذا السؤال قال العلوي “إن المستقبل بيد الله”، فيما يرى بوعشرين أن مستقبل الإعلام التقليدي كله أمام سؤال الوجود، وليس فقط الصحافة الورقية، مثلا خطاب ابن كيران الأخير في مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية، لم تنقله لا تلفزة ولا إذاعة ولا جريدة ولا مجلة ولا وكالة، ومع ذلك صنع الحدث ووصل إلى الجمهور الواسع، وأصبح محط سجال كبير، وكل هذا بفضل هاتف ثمنه 2000 درهم أو أقل، وتم البث مباشرة عبر الفايس بوك، بدون وسطاء ولا رقابة ولا هيأة التحرير، نحن أمام انهيار الوسائل التقليدية في كل شيء، وبروز صحافة المواطن وسياسة المواطن واقتصاد المواطن.

وأضاف بوعشرين، أن الصحافة الورقية خرجت من سباق الأخبار ولم تدخل إلى مضمار التحقيق والرأي والتحليل، مازال أمامها بضع سنوات قليلة حتى تنقرض إذا لم تعثر على نموذج تحريري جديد، ونموذج اقتصادي جديد، وفِي كل الأحوال الإعلام الجماهيري انتهى بالنسبة للصحف والتلفزات والإذاعات وعموم الإعلام التقليدي الذي سينحصر أكثر وسط النخبة، فيما الإعلام الجديد سيبسط نفوذه على القاعدة.

دمقرطة الإشهار

من جانبه، شدد مفيدي على أنه لا يمكن تصور أي تقدم ديمقراطي في البلد، بدون صحافة “مستقلة وجريئة ومسؤولة”، داعيا إلى دعم هذا النوع من الصحافة عن طريق دمقرطة الولوج إلى سوق الإشهار، خصوصا إشهارات المؤسسات العمومية الكبرى، “لأننا كما نعلم يوجد مصدرين كبيرين لتمويل الصحافة في المغرب، دعم الدولة الذي يظل محدودا، والإشهار، لذا من غير المعقول أن تستفيد بعض المنابر من الإشهار وتقصى الأخرى”.

في نظري يضيف مفيدي، الإشهار يحد من استقلالية المنابر الإعلامية، لذلك ينبغي أن تكون المساواة أمامه، كما يجب الإسراع في إخراج  المجلس الوطني للصحافة الذي من شأنه مراقبة الانضباط لأخلاقيات المهنة، وذلك من أجل مساندة ودعم الصحافة المستقلة في أداء أدوارها الطلائعية المهمة.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.