حامي الدين يكتب : دفاعا عن المعارضة..

عبد العلي حامي الدين*
المعارضة السياسية هي أحد الأعمدة الأساسية للديموقراطية، والاعتراف بالمعارضة من الناحية الدستورية مثل تطورا هاما في التجربة السياسية المغربية، فقد عانت المعارضة السياسية معاناة طويلة قبل أن تحتل المكانة التي تحتلها حاليا..
في السابق كانت المعارضة تناضل من أجل إسماع صوتها في البرلمان وعبر وسائل الإعلام العمومي التي كانت محتكرة من طرف الحكومة والأحزاب الموالية لها..
اليوم،  تشير الأرقام الصادرة عن قياس نسب المشاهدة إلى احتلال أحزاب المعارضة الرتبة الأولى في القنوات الرسمية من الحيز الزمني المخصص للأحزاب السياسية، رغم أن الفصل العاشر من الدستور يقيد هذا الحق بما يتناسب مع تمثيليتها السياسية..
النقاش الدائر حول الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة طبقا لأحكام الدستور هو نقاش سياسي بالدرجة الأولى، يتطلب حوارا سياسيا صريحا بعيدا عن أي تأويلات متعسفة للدستور المغربي، وبعيدا أيضا عن استحضار لغة الأوزان السياسية، وبعيدا أيضا عن أي نزعة لفرض رأي الأقلية…

الآن ما هي المشكلة بالضبط؟
المعارضة البرلمانية منزعجة من الطريقة التي يتقدم بها رئيس الحكومة أمام غرفتي البرلمان للإجابة عن أسئلة البرلمانيين طبقا لأحكام المادة 100 من الدستور، وتقدر بأن النقل التلفزي لأجوبة رئيس الحكومة التي تحظى بنسب مشاهدة محترمة، يساهم في تعزيز شعبية الحكومة ورفع رصيدها السياسي، ولذلك لجأت إلى آلية بسيطة: المطالبة بكل وضوح بتقليص الحصة الزمنية المخصصة لرئيس الحكومة، وتجاوز مبدأ التمثيل النسبي كأساس لتوزيع الحصص الزمنية المتعلقة بجلسة المساءلة الشهرية، وهو ما يعتبر تجاوزا واضحا لمفهوم دستوري تؤكده العديد من الفصول الأخرى…

ما المطلوب لتجاوز هذه الإشكالية؟
أولا، أعتقد بأن الديمقراطية هي حكم الشعب وليست هي حكم الأغلبية، وبالتالي فإن إشراك المعارضة في القرارات السياسية الكبرى، وتفعيل آلية التشاور المنتظم معها بخصوص الإصلاحات الأساسية يعتبر من صميم جوهر الديمقراطية، وينبغي أن يصبح تقليدا ديموقراطيا راسخا بين الحكومة والمعارضة..
ثانيا، جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة هي مكتسب ديمقراطي ينبغي التعامل معه برؤية مستقبلية تتجاوز الحسابات السياسية التكتيكية، وتستحضر الزمن القريب منا، حيث كان المغاربة لا يكادون يسمعون وزيرهم الأول، وتستحضر بأن الديموقراطية هي التداول السلمي على السلطة وأن رئيس الحكومة الحالي لا يمكن أن يخلد في منصبه إلى الأبد..

ثالثا، البث التلفزيوني لجلسات الأسئلة الشفوية، ينبغي أن يتعزز أكثر بالبث المباشر لأشغال اللجان البرلمانية، ليتمكن المواطنون من متابعة نقاشات هامة تساهم فيها فرق الأغلبية والمعارضة..
رابعا، مواجهة الأسلوب التواصلي لرئيس الحكومة لا يمكن أن يتم عبر “تقنية الاقتطاع من الوقت”، ولكن عبر تطوير أدوات الإقناع السياسي لمواجهة الحجة بالحجة، مع التسليم بحرية رئيس الحكومة في اختيار الأسلوب واللغة التي تحلو له في مخاطبة البرلمانيين، ومخاطبة الشعب أيضا، لأن المشرع حينما حسم في النقل التلفزي لجلسات الأسئلة البرلمانية، ابتغى من وراء ذلك إشراك المواطنين والمواطنات في متابعة الشأن العام، وهي فرصة للجميع لاستعراض اختياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحكم في النهاية للشعب الذي لا ينبغي أن نستهين بذكائه السياسي..

خامسا، إن رئيس الحكومة حينما يخاطب “إخوته المغاربة” مباشرة فهو يكرس تقليدا ديمقراطيا عميقا، يجعله يتحمل المسؤولية مباشرة أمام الشعب، كما أنه يساهم في رفع منسوب الوعي لدى المواطن ليكتشف القيمة الحقيقية لصوته الانتخابي، وليستشعر بأنه أساس التمثيلية السياسية للحكومة، وهي فرصة للمعارضة أيضا لتكشف اختلالات الحكومة أمام “إخوتها المغاربة”، ولا شيء يمنعها من اختيار الأسلوب المناسب لدحض حجج الحكومة..
وأخيرا، إن مسؤولية النخب السياسية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية اليوم هو: تجاوز منطق الصراعات والتطاحنات السياسية الموروثة من مرحلة سابقة والعمل على ترسيخ تقاليد جديدة في الحوار الضروري لبناء الدولة الديموقراطية الحديثة على قواعد جديدة، وتكثيف النقاش حول القيم المؤسسة للمرحلة..هذا هو المهم، أما الباقي فكله تفاصيل يمكن حلها بالحوار الديموقراطي البناء..
*عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.