الريسوني يضع خريطة طريق “مقاصدية” في تولي المناصب “المختلطة بالحرام”

>
13.06.28
نشر  أحمد الريسوني، مدير  مركز الدراسات والمقاصد، دراسة بيومية “التجديد” في عدد يوم الخميس 27 يونيو الجاري، في موضوع  “تولي المناصب المختلطة بالحرام في ضوء النظر المقاصدي” قدم من خلالها قراءة مقاصدية لتولي المناصب والمسؤوليات بمختلف أنواعها، بما فيها تلك التي تحتّم القبول بممارسات ومعاملات محرّمة في نظر الدين، مقدّما المصوغات الشرعية التي تتيح مخالطة الفساد والحرام إذا كان الهدف من ذلك “الإصلاح والتقليل من الأضرار”.

التعايش مع “مُحرمات ومنكرات”
وساق الريسوني، في دراسته التي فضل تسميتها “ورقة” مجموعة من الأمثلة المتعلقة بالمناصب والمسؤوليات التي تُلزم بالتعامل والتعايش مع “مُحرمات ومفاسد ومنكرات”، منها تسيير مؤسسات سياحية أو إعلامية أوفنية “تعج بالمحرمات التي يلاقيها ويتعامل معها كل من يدخل في هذا المجال، كالعري والتبرج الاستعراضي وشرب الخمر في المجالس والحفلات والاختلاط الماجن، وما يتبعه من علاقات…”.

مسؤوليات  تقرّب من المفاسد
كما تحدث الريسوني، في دراسته عن المناصب القضائية، التي خصص لها الشطر الأكبر من اجتهاداته الفقهية، “بما يجري فيها وتحتها من فساد عريض وظلم أكيد، وبما أصبح فيها من قوانين وضعية مخالفة للشريعة”، ثم المناصب الحكومية التي قال الريسوني “إن من بين صلاحياتها منح رخص بيع الخمر أو إنتاجه أو استيراده، أو الإشراف على إنتاج التبغ واستيراده وبيعه، “مع العلم أن الإجماع الفقهي قد انعقد في هذا العصر على تحريم تعاطيه، ومن ثم تحريم كل ما يخدمه”.

وزاد الريسوني عن لائحة المسؤوليات التي تقرّب صاحبها من المحرمات والمفاسد، الإدارات المكلفة بالإشراف على فتح الفنادق وتسييرها، “وفي معظم البلدان الإسلامية وغيرها، نجد أن الفنادق قد أصبحت ميدانا لرواج الخمور والمخدرات والممارسات الجنسية المحرمة وألعاب القمار والمسابح المختلطة بين العراة نساء ورجالا”، كما ميز الريسوني، بين تولي مثل هذه المناصب لدواع خاصة، وفعل ذلك لأغراض      إصلاحية، وهنا فتح الباب أمام  اجتهاد مقاصدي يمكّن المتديّنين المصلحين من تولي مختلف المناصب.

الضرورات تبيح المحظورات
يقول الريسوني عن هذه المناصب “إن الحكم الشرعي في توليها التحريم في حال السعي إلى ذلك لدواع فردية وخاصة فقط، وذلك من منطلق تحريم كل ما فيه محرّم، مع إعمال قاعدة الترجيح، فيتم التغاضي عما فيه حرام قليل. والحالة الوحيدة التي يحلّ فيها تولي هذه المناصب لأغراض خاصة هي الاضطرار”، وفق الريسوني، بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.
غير أن هذه الإباحة، لم يتركها الريسوني، على عواهنها بل أخضعها لثلاثة شروط أساسية، أولها أن يكون من سيتولى هذه المناصب مشهودا له من طرف ذوي الخبرة والصدق بكونه مناسب وأهل لها، وثانيها أن يكون الإصلاح المنشود متوقعا، وقابلا للتحقق “وليس مجرد تمنيات وهواجس نفس”، والشرط الثالث أن تظهر بعد تولي المنصب مؤشرات التحقق الفعلي للإصلاح المنشود. “فالذي أقول به في شأن تولي المناصب المذكورة، على هذه الأوصاف والشروط، هو المشروعية والجواز، بل إن ذلك قد يتعدى مستوى الترخيص والإباحة إلى مستوى العزيمة والوجوب”.

“ادخلوا عليهم الباب ..”
اعتبر الريسوني، أن الفساد المخالط للمباحات والمصالح العامة، “إذا أصبح متمكنا مستشريا، فلا سبيل إلى إزالته إلا باقتحامه ومدافعته شيئا فشيئا، على قاعدة “ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم الغالبون”، وبدون هذا لا يبقى إلا التسليم به وتركه يتجذّر ويتجبّر”. وزيادة في رفع الحرج عن المسؤول المتدين الذي تقع ممارسات محرمة تحت مسؤوليته، قال الريسوني إن “ما يقع تحت يده وفي دائرة منصبه من فساد هو لا يقصده ولا يرضاه، مما لم يستطع الوصول إلى تغييره، فهو في ذلك معذور. بل يكون أيضا مأجورا  إذا كان منكرا له بقلبه ولم يأل جهدا في  سبيل تغييره”.

الحكم بين الشرعي والوضعي
وفي المجال القضائي الذي خصص له الريسوني، حصة الأسد من ورقته “لأن هذا المجال كان دوما هو الأكثر حرجا على المتدينين في دينهم. وأما في عصرنا هذا فقد أصبح الأمر فيه أعسر وأخطر، خاصة مع طروء «قضية القوانين الوضعية والحكم بغير ما أنزل الله”،  لذلك فـــ”تمهيد الطريق لمعالجة مسألة الدخول في المناصب القضائية، يجعل غيرها من المناصب الحرجة أوضح للناظرين وأيسر على السالكين.  وبعدما أسهب في تقديم الأمثلة التاريخية للعلماء والصالحين الذين رفضوا دخوله وهربوا منه خوفا من السقوط في الظلم، قال إن العصر الحالي عرف دخول عنصر جديد زاد المجال القضائي تعقيدا وسوء وتنفيرا، وهو أن معظم الدول الإسلامية، ومنذ الغزو الاستعماري الأوربي لها، أصبحت تعمل بقوانين مأخوذة أو مقتبسة من قوانين المستعمر”.

قوانين العصر الحالي والشريعة
“هذه قوانين فيها من المخالفات للشريعة ما لا يخفى، وأصبح القضاة ملزمين بالحكم بها، أي الحكم بغير ما أنزل الله. وهي طامة من الطوام عند المسلم”، يقول الريسوني، قبل أن يؤكد بأن قوانين العصر الحالي تشعّبت وتخصصت بدرجة كبيرة، ومعظمها يدخل في نطاق ما لا نص فيه، ويمكنها أن تكون اجتهادا فقهيا إسلاميا، كما أن “التعارض والتنافي بين أحكام هذه القوانين وأحكام الشريعة، ليس تاما ولا كبيرا، بل هو محدود معدود”.

“الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث”
إلى ذلك، يخلص الريسوني إلى أنه “ليس من الحكمة ولا من الفقه تعميم القول بالتحريم على كل هذه الوظائف والمناصب، بحجة ما فيها من «الحكم بغير ما أنزل الله». فقد رأينا أن الحالات التي قد يجد الإنسان نفسه فيها أمام هذا الحرج، بلا مهرب ولا مخرج، تعد ضئيلة إذا قيست بما ليس كذلك. فإذا كان متولي شيء من هذه المناصب هدفه الإصلاح، وتكثير العدل والنفع، وتقليل الظلم والأذى، وكان فعلا قادرا على ذلك، فإن له أو عليه أن يتقدم مشكورا مأجورا. والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث”.
ح.ه

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.