قربال “يقرأ” الراهن السياسي


نورالدين قربال
صوت المغاربة على دستور 2011 مؤكدين على الاستثناء المغربي. ومن ثمرات هذا التصويت الانتخابات التشريعية التي جرت  نونبر 2011، التي أفرزت خريطة سياسية تشكلت من ثمانية أحزاب : الأصالة والمعاصرة، الاتحاد الإشتراكي، التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري. والذين يشكلون اليوم المعارضة.
العدالة والتنمية الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في هذه الإنتخابات، الإستقلال، التقدم والإشتراكية، الحركة الشعبية. والذين يشكلون الأغلبية. إضافة إلى مجموعات صغيرة تؤيد الحكومة.
ورغم الأزمة الاقتصادية العالمية، والمشاكل الاجتماعية استطاعت الحكومة الحالية أن تجتهد في مقاربة جديدة تتسم بالتوازن بين الإنجازات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية.
وبذلك تم تحقيق مجموعة من الإنجازات ليس موضوعنا في هذه الدردشة، والمؤشرات هو استقطاب استثمارات فرنسية وإسبانية وتركية، بالإضافة إلى المكانة التي تبوأتها المقاولة الوطنية.
لكن الملاحظ أن هناك من يريد عرقلة مشروع إصلاح هذه الحكومة، خاصة وأنها فتحت ملفات عجزت عنها كثير من التجارب، لأن عمقها غير منصب على مكاسب انتخابية وإنما إنجاح المرحلة الانتقالية وترك الحكم للشعب عن طريق الصناديق. وهذه هي الديمقراطية ومن ابتغى طريقا غيرها فليبحث عن زمن آخر غير الزمان المغربي الذي انطلق في الإصلاحات أحب من أحب وكره من كره.
وكنا نتمنى أن تكون معارضة الحكومة من الخارج باعتبارها المسار الطبيعي للديمقراطية. لكن الانتقادات لم تنصب على القضايا الجوهرية بقدر ما اعتمدت على أمور شكلية كالانشغال بالحوار الدائر داخل الحكومة ومقاطعة جلسة رئيس الحكومة طمعا في دقائق معدودات تضاف إلى حصة مداخلتهم وغيرها من القضايا، مع العلم أن المعارضة تضم أحزابا لها مكانتها السياسية والتاريخية، ولماذا لا نقول بأن الذي يخطط للاضطراب الحكومي هو نفسه الذي يسعى إلى بناء الشلل داخل المعارضة؟ من أجل تشتيت المشهد الحزبي الذي هو النواة للعمل السياسي. وهذا لايعني تبرئة الأحزاب السياسية التي تتحمل المسؤولية التاريخية لما هو واقع.
وبذلك توجهت بوصلة المؤامرة على المشهد الحكومي خاصة بعد تغيير قيادة الحزب، وتوج هذا بالقرار الذي اتخذه حزب الاستقلال للانسحاب من الحكومة ، وهذا من حقه لكن الآفة الدستورية التي ارتكبها حسب تقديري هو إقحام المؤسسة الملكية في هذا النزاع بينه وبين الأطراف المشكلة للحكومة، بناء على الفصل 42 من الدستور، ورغم القراءات التي قدمها خبراء في الميدان التي تفيد عدم دستورية هذه الإحالة، ظل الحزب متشبثا بموقفه، وبعد مرور أكثر من شهرين في النقاشات التي لا شك شوشت على زمن الإصلاح. يحسم الملك الأمر بان ما وقع شأن حزبي وليس شأنا تحكيميا.
أنذاك تراجع الحزب عن هذا الموقف اللادستوري إلى الصواب الدستوري وهو الفصل 47 من الدستور حيث مورس الضغط للأسف على وزراء الاستقلال لوضع استقالتهم بين يدي رئيس الحكومة. وهذا لعمري غير مقبول سياسيا مادام هؤلاء الوزراء لم يجدوا إلا الدعم الدائم من قبل رئيس الحكومة، إضافة أنهم أثبتوا كفاءتهم وسلوكهم السياسي العالي في مقاربة الحقائب التي كلفوا بها في تناغم تام مع الفريق الحكومي.
إذا أين الخلل؟
 ونظرا لهذا القسر الذي مورس على هؤلاء لأننا أمام نازلة يصبح الحليم فيها حيران. رفض السيد الوفا تقديم استقالته. ويصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما يطلب من رئيس مجلس النواب الاستقالة لأن التصويت عليه بني على التفاوض العام على المؤسسات الدستورية.
إذا، هل هذه المواقف طبيعية أم أن هناك مؤامرة لبلقنة حزب عريق بتاريخه ورجالاته؟ ربما الزمان سيجيب على هذه الأسئلة المحيرة. أتمنى أن يتنبه العقلاء والشرفاء لهذه البلطجة تجاه المشهد السياسي ويتجاوزوا النقاشات الثانوية والتعاون على البناء الديمقراطي.
على كل حال اليوم يتوفر رئيس الحكومة على خمس استقالات من المفروض أن ينظر فيها ويحيلها على الملك من أجل إعفاء الوزراء الذين طلبوا الاستقالة، وفي حالة تعويض الاستقلال بهيئة سياسية من المعارضة، كيف سيتعامل هذا الطرف السياسي مع مضامين البرنامج الحكومي الذي صوت ضده؟ ثم هل يصح تعديل بعض مضامين البرنامج الحكومي بناء على رغبات الوافد الجديد أم أن الأمر يحتاج إلى مصادقة البرلمان لأنه مرتبط بتنصيب الحكومة بعد تعيينها من قبل الملك؟
هل هناك إرادة تستهدف إسقاط الحكومة؟  ولماذا؟ ولصالح من؟ خاصة وأن استطلاعات الرأي أعطت تقدما كبيرا للحكومة بالمقارنة بالمعارضة.  وإذا سلمنا بهذا المخطط فأين يمكن موقعة المصلحة العامة في هذا المخطط؟
هل انتخابات سابقة لأوانها اجتهاد متناغم مع الراهن السياسي والاجتماعي للبلاد؟
وإذا سلمنا بهذا التوجه هل الملعب السياسي تغير؟ هل اللاعبون السياسيون تغيروا ؟ هل سيخضع التشاور على تشكيل الحكومة على إيثار المصلحة العامة على البعد البراغماتي والإيديولوجي؟ والمغامرة الكبرى هل نسبة المشاركة ستكون محترمة أمام هذا العبث السياسي؟ وفي حالة ترقيع البيت الحكومي إلى أي حد ستظل الإصلاحات العميقة حاضرة في العمل الحكومي؟ نحو المقاصة والتقاعد والنظام الجبائي والقانون التنظيمي للمالية….
كيف سيتعامل الوافد الجديد مع مكتسبات كل من الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية؟ وبالمقابل كيف ستكون ردود أفعال هاتين الهيأتين من مطالب الوافد نفسه خاصة إذا استحضرنا رئاسة مجلس النواب؟ ثم ما موقع الوفا من هذا التشكيل الجديد؟  وأخيرا وليس آخرا هل كل أحزاب المعارضة لها القابلية من أجل الانخراط في العمل الحكومي؟
أمام هذه التساؤلات المتشعبة والشائكة رسم حزب العدالة والتنمية خريطة طريق يتكفل الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة بتنزيلها حسب المقام والمقال والتي ركزت على مايلي:
1- استحضار المعطيات السياسية والدستورية ذات الصلة بالموضوع. والسؤال ما هي المعطيات السياسية والدستورية المستهدفة في الخطاب؟
المعطى السياسي البارز هو أن الملك طبق الدستور واعتبر الأمر شأنا حزبيا يمكن أن يحل داخل البنية الحزبية مع مراعاة المقتضيات الدستورية. والمعطى الثاني أن الوزراء المستقلين مستمرون في أداء مهمتهم حتى يستكمل الحل الدستوري. والمعطى الثالث أن الوزراء المعنيين يعملون بكل أريحية لأن الاستقالة ليست وليدة قناعة وإنما تحت ضغط الله أعلم بمصدره. رغم شكله القانوني. والمعطى الرابع أن الفاعلين الحزبيين يعيشون لحظة دقيقة مما جعلهم يصرحون بأن مواقفهم مرتبطة بقرارات مؤسساتهم التقريرية. وهذا مهم من الناحية الديمقراطية، والمعطى الأخير وليس الآخر هو أن الشعب يتابع ما يجري بكل اهتمام رغم تباين المواقف، وهذا سلوك حضاري لشعب فاعل داخل منظومة متحركة.
أما المعطيات الدستورية فكثيرة نوجز أهمها في ما يلي: للملك حق إعفاء عضو أو أكثر من الحكومة بعد استشارة رئيس الحكومة- كما لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة- ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أعضاء من الحكومة بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية- إعفاء الملك الحكومة بكاملها إذا استقال رئيس الحكومة-  للملك الحق في حل البرلمان- يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية- يمكن لمجلس النواب تقديم ملتمس الرقابة والذي إذا تم التصويت علية بأغلبية مطلقة تقدم الحكومة استقالتها جماعيا-
هذه بعض المقتضيات السياسية والدستورية التي تتعلق بالموضوع ولكن الأهم من هذا كله هو المناخ الإقليمي والدولي الحاضر بثقله في تتبع ما يقع .
2- استحضار المصلحة العليا للوطن. وبهذا الشعور تبنى الديمقراطية والتنمية والحكامة …إذن أي موقف قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار فهو مرفوض لأن الشعار هو: الإصلاح في ظل الاستقرار.
3- فتح المشاورات مع الجميع ومواصلة الإصلاحات مهما كانت طبيعة الحكومة المنتظرة. مع إعطاء أهمية كبرى للقضايا ذات الأولوية ومراعاة زمن الإصلاح. لأن الدهر لا يرحم.
4- تفويض أمور تدبير المشاورات للأمين العام ورئيس الحكومة. وبعد ذلك واحتراما للديمقراطية الداخلية تعرض نتائج المشاورات على المجلس الوطني من أجل المناقشة والمدارسة واتخاذ الموقف الراجح مع استحضار كل المعطيات المذكورة.
وكيفما كانت النتائج فهذا درس عملي لتنزيل بعض مقتضيات الدستور. وفتح نقاش سياسي وأكاديمي. إذن فليكن الجميع في مستوى الحدث دستوريا وسياسيا وأخلاقيا ..والمآل أن نعيش مغربا ديمقراطيا نعتز ونفتخر به.
عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية
شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.