رحموني يكتب: في مصر الشهيدة.. نداء الاحرار لحفاري القبور

صراخ المستضعفين يكشف همجية الحداثة الفاشية 

خالد رحموني 

إن ما جرى ويجري فى مصر الشهيدة، أرض الكنانة -لحد الآن-لم يكن حراكا نمطيا ورتيبا مكرورا على شاكلة الثورة الفرنسية أو ما تلاها من ارتدادات ثم ثورات مشابهة أخرى  .
بل إنه حراك مركب؛ تداخلت فيه عناصر مختلفة، وأبعاد عدة منها : الجيلي، والطبقي، والمكاني، والجهوي، والديني، والمذهبي. حراك تم على مراحل وتراكم في شكل طبقات واتخذ أشكالا مبدعة من الاحتجاج الشعبي العارم، فى ظل لحظة تشهد سيولة معرفية وانفجارا تقنيا للمعلومة يسرت للطليعة من تحالف القوى الديمقراطية الوطنية وفي طليعتها، الوطنيون الإسلاميون أن تؤمّن تغييرا غير مسبوق في نوعه وفريدا في إيقاعه .
هو حراك ثوري جديد فى مواجهة عقود من الاستبداد السياسى واستحكام الوعي الدينى الزائف والمزور، وبؤس المشهد الثقافى وفقره وصلف العسكر وسطوة الجند، كل ذلك أوصل مصر إلى ما هي عليه.
إنهم المستضعفون الذين نزلوا إلى الشارع يعبرون -مرة تلو المرات -بإبداع وبسلمية ووطنية عن رفضهم أن يعاملوا كرعايا أو كأفراد قاصرين لا يجيدون الاختيار الديمقراطي الحر يحتاجون لمن يقودهم ويستعلي عليهم ويختار عنهم .. ويعلنون تمسكهم بمشروع الوطنية المصرية الاصيلة الصادقة والذى قاعدته الوطن المصري متعدد الألوان ومقصدهم مجموع الأمة التي هم لها أوفياء، ولدولته المدنية الحديثة بمؤسساتها الشرعية لا العسكرتارية النازية .. 
وهذا الحضور النضالي الفريد الميدانى لم يكن إلا تجسيداً عمليا لما أشار إليه الكثير من المنصفين بانجذاب لقوة النموذج وصلابته، فى كيف يمكن لقوة المستضعفين العزل إلا من صدورهم العارية ونقاء وجهتهم أن تقاوم في صمود نادر وتسقط أي سلطة غاشمة مستبدة ومستأسدة سياسية كانت متسربلة بلبوسات دينية أومدنية، هكذا تدعي النخبة في عمومها .
ففى كتاب فاتسلاف هافل، قوة المستضعفين يشير إلى الشمولية الجديدة التي نزعت قفازاتها من حرير لتبين عن وجهها الكالح القاتم البشع حين انهيارها أمام حشود المواطنين الأحرار ـ إن جاز التعبير ومنذ الثمانينات ـ حيث حكامها يخضعون المحكومين عن طريق أدوات القمع الانتخابى الزائف والرمزي الناعم والديني المبرر . 
أى إن بشاعة المنظر وقتامته تجعل تحالفهم يمعن في توظيف الديمقراطية والحداثة والمدنية وغيرها من قواميس النقاء ، لإحكام السيطرة على الأحزاب والتيارات والقوى بما لا يخل بمصالح القلة الحاكمة: سياسية دينية واقتصادية عسكرتارية ووو.
المفارقة أن الاستمرار فى الحكم لن يكون إلا باسم الجماهير وتحت مظلة أفكار وديباجات أيديولوجية بلغة عبد الوهاب المسيري رحمه الله يتم تسويقها وترويجها بعناية وحبكة ممجوجة : ثقافية أو دينية أو سياسية، شريطة أنها تكون قادرة على إقناع المستضعفين من المواطنين العزل الذين ثاروا ثورة 25 يناير للكرامة واستعادة الدور والموقع والموقف في الداخل وإزاء العالم، بأنه ليس هناك أفضل من القائم من الامر المستقر على الاستبداد هكذا يظنون . 
وعن هذا يقول هافل: “تعمل السلطة الشمولية على ملاحقة المستضعفين بالطبع مرتدية قفازات الأيديولوجية . فالحياة فيها متشابكة كنسيج طحلبانى من الكذب والادعاء. إن حكومة البيروقراطية تسمى حكومة الشعب، وباسم الطبقة العاملة يتم استعباد الطبقة العاملة، الإذلال المستشرى للإنسان يفُسر على أنه تحرير كامل للإنسان، ويطلق على حجب المعلومات تداول المعلومات”.
هكذا تحصل السلطة الشمولية العسكرتارية على شرعية لا تستحقها بل تنقض عليها ادعاء واستدرار للعطف والظهير الدولي . ولكنها تأخذها بفعل ماكينة مجتمعية إعلامية تسوغ الأكاذيب التى قد يصدقها بعض الناس. 
أكاذيب تبدو كحقائق قادرة على أن تمنح السعادة لبعض الناس لجزء من الوقت. ويظل المستضعفون فى انتظارها ولكنها لا تأتى قط ولن تأتي إلا بالدمار والبوار والمحق .. 
لم تختلف سلطة الاستبداد السياسى عن سلطة الاستفراد الدينى المسوغ له والمستعيد لدورته من جديد عن ذلك، وظل الاستعباد الاقتصادى قائماً دون تغيير ، والعسكر حامي كل ذلك والقيوم عليه .
أما آن للمغفلين من نخبتنا المستأجرة أن تستيقظ ، على الرغم من المجازر التي لا تخطئها عين إنسان ، وآدمي. 

وهذا -من جملة أسباب أخرى -ما دفع المصريين للمقاومة المدنية اللاعنفية الصبورة المحتسبة الصلبة المبهرة -بالصدور العارية- فى الميادين كما الساحات كما المساجد .
لكم الله يا أحرار مصر، لكم الله.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.