رأي: مصر.. وتناقض المصالح بين أمريكا و”إسرائيل”

 محمد بالدوان*

يوشك أن يعاد سيناريو سوريا في مصر،  وإن تكرر فقد يتجه العالم لتنفيذ إستراتيجية صهيونية تستجيب للمصالح الصهيونية في هذه اللحظة التاريخية.

فما معالم هذه الإستراتيجية؟ لن أقدم أجوبة وافية عن هذه الإستراتيجية، بقدر ما سأثير عنها الكثير من الأسئلة عسى أن يأتي من يستكمل ما بقي من عناصر الإجابة.

انتهت محاكمة الضابط (ة)الأمريكي(ة)  برادلي مانينغ(تشيلسي)مسرب الوثائق إلى موقع “وكيليكس”  ب35 سنة سجنا، في ظرف يعيش فيه الكيان الصهيوني نشوة اقتراب الانتصار على الربيع الديموقراطي ، الربيع الذي كاد يحاصر الكيان،  فتجند لفك الحصار بعد أن تيقنت تخمينات الإسرائيليين أثناء زيارة أوباما الأخيرة أن الأمن “الإسرائيلي” لم يعد الكيان يتحكم فيه مائة بالمائة.

 فأنفق في زمن الأزمة المالية ما يجعله يعقد الوضع في سوريا، ويجذبها إلى حرب أهلية، ثم زاد من إنفاقه رفقة المغرر بهم ليعقد الوضع في مصر، وليسعى إلى تأجيج حرب أهلية، لن تنهض منها الدولتين لعقود، ومن سيبقى بعد سوريا ومصر ليواجه “إسرائيل”؟!!

 يوشك أن تتداعى دولة عربية ثانية إلى الدمار.. ويثور السؤال: لمصلحة من؟ من المستفيد من حربين في دولتين على مرمى حجر من فلسطين؟

 إنها أجندة من استفادوا من حربين عالميتين دمرت أوروبا لإقامة دولتهم سنة 1948. فنقلوا القوة والريادة من أوروبا إلى الولايات المتحدة، فعمروا الأخيرة بـ”لوبي” من الصعب أن تكسر له كلمة والآن.. وبعد أن زعزع الربيع الديموقراطي عرش هذه الدولة، وصار يهدد أمنها واستمرارها، تراها تسارع لاحتوائه بذات الأسلوب القديم : أسلوب التدمير الداخلي للدول، والوقوف بمنأى عن العراك والخسائر. وإذا كانت الحربين العالميتين قد أفضتا إلى إقامة الدولة، فإن الحرب داخل العالم العربي ستتيح لهذه الدولة الحياة والاستمرار.

 ويبدو أن تمسك المصريين بالسلمية بالرغم من توالي مجازر الجيش ينم عن وعي عميق بمرامي إستراتيجية الكيان الصهيوني.

 

الأسئلة الأولية.. ومعالم الإجابة

غير أن  ثمة سؤال يفرض نفسه: ما موقع الولايات المتحدة من هذه التطورات؟  أليست المسؤول الأول؟ أجيب بعجالة لا. ليست المسؤول الأول.

وقبل محاولة التفصيل في الإجابة، لا بد من استحضار جملة من الأسئلة: لماذا سارعت إدارة أوباما لوصف عزل مرسي بالانقلاب؟ ثم لوحظ تذبذب موقفها بعد ذلك!؟
ألم يكن من الطبيعي أن يتطابق موقف الإدارة الأمريكية الحالية بموقف السعودية، وبدل مسارعتها إلى وصف ما جرى بالانقلاب، تعجل بوصفه محاربة للإرهاب؟!
لماذا هددت بالإمساك عن مساعدة مصر ماليا، ولم تقدم لها الدعم المعهود لحد الساعة؟ ولمَ أوقفت بعضا من مناوراتها العسكرية مع الجيش المصري؟ 

يفسر الشائع من الرأي ذلك بالنفاق، أو بانتظار أمريكا فرزٍ للّذي سيحسم الصراع. وهل مثل أمريكا من يفعل ذلك؟! وكأني بهذا الرأي يتحدث عن “باكستان” أو “جنوب إفريقيا”، وكم هو وَفِيّ لقراءة جامدة أمام وضع دولي يأبى الثبات!

 ولتزداد الصورة وضوحا، أثير الأسئلة الآتية:  هل كان وصف الانقلابيين والعلمانيين واللواء شفيق للإخوان بالخونة، إشارة للتقارب الإخواني الأمريكي، مجرد مزايدة سياسية؟ أم أن ثمة علاقة ما بدأت تتبلور بين إدارة أوباما والإخوان؟ أم ماذا؟ أكان هيّنا على البرادعي وداوود تقديم استقالتهما، عقب هيستيريا المجازر التي غمرت الانقلابيين يوم 14 غشت 2013، بمعزل عن غطاء سياسي خارجي؟ ولماذا تواصلت المناوشات والصدامات بين الجيش والجماعات المسلحة في سيناء والعريش مواكبة لتطورات الأزمة؟ ثم تدخلت إسرائيل عبر أجواء مصر، فنفذ قرار فك الاعتصامات بشكل غير متوقع؟!

 لا شك في أن ثمة مصلحة ما تجمع الأمريكان والإخوان، ولم تأتي استقالة الرجلين إلا لأنهما يمثلان الإرادة/الإدارة الأمريكية التي بدأت ترى تنفيذا فعليا لاستراتيجية “إسرائيل” على أرض مصر.

 

الأسئلة الأخيرة.. وعناصر الإجابة

لقد صار “أردوغان” أيقونة النضال الديمقراطي، ونموذج سمحت له أمريكا بالانتشار لمحاصرة التطرف،  وغير مستبعد أن يكون صلة وصل بين الأمريكان والأخوان ، وهو يحض بثقة معتبرة من قبل الشارع العربي والإسلامي، أليس من الغريب أن يصرح بأنه يمتلك وثائق تثبت وقوف إسرائيل وراء الانقلاب في مصر، ولا يشير إلى أمريكا من قريب أو بعيد؟!  وما السر وراء تحرك المنتظم الدولي في 20 من غشت 2013 ممثلا في بريطانيا وفرنسا ضد مجزرة الأسد، وهل حركه استعمال السلاح الكيماوي وحده، أم أن ثمة خطة بدأت معالمها تنجلي لإحداث التوازن، وإنهاء الأزمة السورية والمصرية لصالح الديمقراطية؟  ألا يمكن اعتبار احتضان فرنسا الحوار الإسلامي ـ العلماني التونسي جزءا من هذه الخطة، واستباق لمحاصرة عدوى الانقلاب على الديمقراطية؟

 إن الخيط الناظم للإجابة والتفسير الصائب لما يجري في سوريا ومصر والعالم لا يمكن أن يدرك إلا بمعرفة دقيقة للمصالح الكبرى للدول في هذه اللحظة التاريخية.

إذا كان قد بدا شيء من مصالح إسرائيل كأكبر فاعل عالمي يمتلك شبكة من العلاقات المعقدة تؤثر حتى في القرار الأمريكي، فما أبرز المصالح التي تحرك الولايات المتحدة؟

لقد فصلت الحديث عن الرهانات المرحلية الكبيرة لأمريكا في مقالتي “حكومات الربيع وسؤال الاستمرار”، و سأوجز القول هنا بأن الإدارة الديمقراطية ضاقت ذرعا بنفوذ اللوبي الصهيوني، إذ لم تعد قادرة على تنفيذ أبسط المشاريع والقرارات  داخليا، وصارت تشعر بأنها طارئ على الولايات المتحدة، فبادرت بالهروب إلى الأمام للحفاظ على خصوصيتها، ولضمان استقلال تام في صناعة قرارها السياسي.

إن سعي الو.م.أ إلى إحداث نوع من التوازن الدولي هو وحده الكفيل بضمان وجود مميز للإدارة الديمقراطية، إن لم أقل وحده الكفيل بإبقاء الو.م.أ. دولة عظمى في الأفق المنظور.

إن الإدارة الأمريكية الحالية تريد وضع شروط قيام أنظمة عربية جديدة تشاكس إسرائيل لتكسب استحقاقين كبيرين: الأول يتصل بتقوية موقعها التفاوضي أمام اللوبي الصهيوني داخل الو.م.أ، عبر آلة التحكم في أمن إسرائيل، والثاني يتعلق بمحو العار الذي ظل يلاحقها جراء انحيازها التاريخي للكيان الصهيوني، وما مجاراة الإدارة الأمريكية لخطط إسرائيل في فلسطين، وتذبذب مواقفها إزاء مجمل التطورات خلال هذه المرحلة، إلا تفاعل بالتحديات و الإكراهات المتسارعة على الأرض، وانحناء تكتيكي أمام تهديدات اللوبي الصهيوني الأمريكي لتأمين نجاح استراتجيتها الجديدة.

 

 

*أستاذ باحث

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.