في منهجية الإصلاح ..إصلاح منظومة العدالة نموذجا..

height=”310″ width=”450″>

13.09.16

شكل انعقاد اللقاء التواصلي لتقديم مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة يوم الخميس 12 شتنبر الجاري، حدثا سياسيا بامتياز، لكونه يتوج مسار سنة من الحوار الوطني انطلق بتنصيب جلالة الملك للهيئة العليا يوم 8 ماي 2012 وتواصل بعقد العديد من الندوات والتفاعل مع مذكرات الهيئات ذات الصلة، وأفضى إلى بلورة ذلك الميثاق الذي حظي بالموافقة الملكية وقبل هذا حظي أعضاء الهيئة العليا بالتكريم الملكي بأوسمة سامية تقديرا لهذا المجهود الوطني الهام.
ومن المفيد التذكير بأن المقاربة التي حكمت الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة هي نفسها التي حكمت المنهجية العامة للحكومة الحالية، استلهاما من الوثيقة الدستورية، في مباشرة العديد من الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية الكبرى من قبيل الحواراتالوطنية حول المجتمع المدني والإعلام والسنيما والحكامة والأسرة وهيئة المناصفة والوظيفة العمومية والمالية العمومية وغيرها.
ويعنينا اليوم أن نتوقف عند المنهجية الضابطة للحوار الوطنيحول إصلاح منظومة العدالة والتي يمكن تلمس عناصرها الجوهرية في النقط الثلاث الآتية:

1) المقاربة التشاركية الواسعة:
لا يمكن للمتتبع أن يغفل من أول نظرة هذا الأساس المنهجي الهام الذي قام عليه الحوار الوطني وهو المقاربة التشاركية والتشاورية الواسعة.
فعلى المستوى المؤسساتي، وباقتراح من وزير العدل والحريات مُثِّلَت ضمن الهيئة العليا للحوار الوطني عدة مؤسسات دستورية وقضائية ومهن مساعدة للقضاء، كما ضمت في عضويتها ممثلين عن البرلمان ووزراء عدل سابقين ونخبة من الأساتذة الجامعيين ومدراء مركزيين بالوزارة.
وعلى المستوى البرنامجي فقد عملت الهيئة العليا ومن منطلق القرب على تنظيم العديد من الندوات الجهوية قاربت فيها كل القضايا المتصلة بموضوع إصلاح العدالة كما تلقت العديد من المذكرات من هيئات ومنظمات أغنت الحوارات الجهوية.

2) منهجية تثمين الإمكان البشري الوطني:
دأبت الممارسة الحكومية في المراحل السابقة، إلا ما ندر، على التوسل إلى تشخيص السياسات العمومية باستدعاء خبرة مكاتب الدراسات الأجنبية، التي لا تجد مندوحة من الاستعانة بخدمات الأطر المغربية، وهذه المقاربة فضلا عن تكلفتها المالية الباهضة فإنها تبخس الكفاءة الوطنية التي تزخر بها الإدارة المغربية.
وقد كانت مقاربة الحوار الوطني- كما هو الشأن للعديد من الحوارات الوطنية الجارية- مختلفة تماما عن المنهجية السابقة، حيث راهن الحوار على تشخيص عميق لأعطاب العدالة في بلادنا باستدعاء الخبرة الوطنية إما من خلال العضوية النوعية في الهيئة العليا أو من خلال فتح الباب أمام كل الهيئات والمنظمات المعنية لتقديم مذكراتها في الموضوع، مع التقدير أن هذا التثمين للإمكان البشري الوطني لا يتعارض مع انفتاح الهيئة العليا على التجارب الدولية المتقدمة واقتباس المفيد منها.. 

 
3) منهجية التراكم
إذا كان منهج التراكم أحد المعالم المميزة للعمل الحكومي، فإن انضباط الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لهذا المنهج أمر بارز لا ينكره إلا جاحد.
فلا شك أن حكومات سابقة قد بذلت الجهد لإصلاح منظومة العدالة وبلغ جهدها ما بلغه، ولا شك أن الأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية والمنظمات المهنية قد أنتجت مذكرات وتقارير لتشخيص وضع العدالة في بلدنا، وميزة منهج الحكومة الحالية أنها استفادت من جهد من سبقها وكملت نقصه وعالجت قصوره وتجرأت فيما تردد فيه سلفها.
هذه بعض العناصر المنهجية التي تأسس عليها ورش الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، وهي عناصر تؤكد تجرد الحكومة والوزير الوصي خاصة عن أي اعتبار غير المصلحة الوطنية العليا، ويكفي شاهدا على ذلك توافق الهيئة العليا على استقلالية النيابة العامة عن الجهاز التنفيذي، غير أن بعض الجهات قابلت الحسنة بالسيئة وأبت إلا أن ترافق الحوار بالصخب والضجيج والتشويش وفي أقل الأحوال باللمز والغمز، لكن لا يصح في النهاية إلا الصحيح..
إن ميثاق إصلاح منظومة العدالة تتويج لمسار هام وتعبير عن توافق الأطراف، ومهما تكن أهمية توجهاته فإنه لم يبلغ حد الكمال، لذلك فالرهان بعد اليوم أن تتوجه الحكومة فورا إلى أجرأة مضامينه تشريعيا وتنظيميا وإداريا، كما يتعين على البرلمان أن يتجهز لتمحيص النصوص القانونية ذات الصلة التي ستحال عليه وأن يبصمها ببصمته ويصدرها في الآجال المعقولة درءا لمزيد من إهدار الإمكان الذي تتيحه المرحلة السياسية الجديدة في بلادنا واستفادة من الزمن المتاح والمحدود في الولاية التشريعية الحالية..
الموقع

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.