أبو درار: لا يزال مشكل الأخلاقيات يُلقي بظلاله القاتمة على تدبير الشأن المحلي

>
13.10.02
اعترف عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، بأن مسار الديمقراطية المحلية بالمغرب عرف تطورا مهما على مستوى تعزيز استقلالية الجماعات الترابية وتوسيع دائرة اختصاصاتها والتخفيف من الوصاية وتحسين نظام المنتخب وتقوية آليات المراقبة واستنهاض دور المواطنين في التنمية المحلية.

وفي موضوع متصل، أوضح أبو درار، خلال مشاركته في ندوة حول “دعم الأخلاقيات في المرفق العام على المستوى المحلي”، بالرباط، الثلاثاء فاتح اكتوبر 2013، نظمتها مديرية تأهيل الأطر الإدارية والتقنية بوزارة الداخلية على هامش المؤتمر الرابع لمنظمة المدن والحكومات المحلية، (أوضح) بأن ذلك لم يكن كافيا لإرساء حكامة محلية فعالة وذات مصداقية، وذلك بسبب عدة إكراهات يأتي في مقدمتها مشكل الأخلاقيات الذي لا يزال يُلقي بظلاله القاتمة على الممارسة الجماعية، حيث تأكد للهيئة المركزية اتساعُ حجم الفساد الذي طال تدبير الشأن المحلي وتفاعلُ معطياته مع خصوصيات هذا التدبير.

وللوقوف على معالم هذا الفساد، يتابع أبو درار ،رصدت الهيئة المركزية تجلياته المختلفة من خلال تصنيفها إلى ثلاثة مستويات، أولها المستوى المتعلق بالمخالفات المخلة بالضوابط الأخلاقية التي تبين للهيئة اقتصارُها على مجالين أساسيين من مجالات تدبير الشأن المحلي يتميزان باتساع هامش السلطة التقديرية، هما تصريف الخدمات والنفقات وتدبير الموارد البشرية، وثاني مستوى يرتبط بالمخالفات المخلة بالمقتضيات القانونية والتنظيمية التي تأكد اكتساحها لمجالات الصفقات المحلية، والتهيئة والتعمير، والأملاك الجماعية، والجبايات والمداخيل، والموارد البشرية، والتدبير المفوض، وتنظيم المصالح، والدعم والتعاون، في حين يتمثل  المستوى الثالث في المخالفات المخلة بقواعد التدبير الجيد التي تأكد ارتباطها على الخصوص بمجالات البرمجة والتخطيط، وتدبير الموارد والأملاك الجماعية، وتنفيذ النفقات، ومراقبة المرافق المسيرة في إطار التدبير المفوض.

ومن زاوية تشخيصية أيضا، يضيف أبو درار “يُمكن إيجاز ارتباط الممارسة الجماعية بإخلالات الحكامة الحزبية وإفرازات الواقع الانتخابي، والرغبة في الاغتناء وتحقيق مصالح مادية أو معنوية،  والعجز في المؤهلات المطلوبة للنهوض بتدبير الشأن المحلي بالموازاة مع ضعف أو غياب شعب قانونية قادرة على مواكبة الأوراش التنموية الترابية، والتساهل الملحوظ في تفعيل آليات الزجر المتاحة لمُعاقبة المخالفات المرصودة بما يحقق الأثر الردعي للعقوبة، والانغلاق وضعف التواصل وغياب المساهمة والتضمينية في إعداد وتنفيذ مخططات التنمية المحلية والجهوية”.

وبخصوص الانعكاسات الوخيمة لهذا الفساد، يقول أبو درار “تأكد للهيئة المركزية أن حجم التكاليف الناتجة عنه يأخذ عدة أبعاد يمكن استظهار معالمها في تكاليف ذات طبيعة مالية، يعكسها بشكل خاص العجز الإجمالي في حسابات المحاسبين المعنيين، وإهدار المداخيل الجماعية، وتحميل الجماعات نفقات لا تستند إلى أي أساس قانوني، وتكاليف ذات علاقة بهشاشة البنية التحتية وتشويه العمران وعدم التحكم في البناء غير القانوني، وتكاليف ذات انعكاسات على المجال البيئي، يكرسها بشكل خاص سوء تدبير مطارح النفايات والعيوب الملحوظة في شبكة التطهير السائل، وتكاليف ذات انعكاسات على ثقة المواطنين في المرفق الجماعي يعكسها بشكل خاص فرض رسوم على خدمات لا توفرها الجماعات، وعدم تقيد المستغل للمرافق الجماعية في إطار التدبير المفوض بتطبيق مقتضيات العقود المبرمة.

وفي هذا السياق، أكد أبو درار أن  المشرع الدستوري مقتنع بأن مقاربة التخليق ومكافحة الفساد، أضحت مطلبا لا محيد عنه في أي سياسة وطنية لتدبير الشأن العام، لأنه بات خيارا حاسما للحيلولة دون تأثير الفساد على التوجهات الديمقراطية والاختيارات التنموية والانفتاح المتزايد لبلادنا على العالم.

ومن ذلك، يقول أبو درار “إن تشديد الدستور على آليات زجر العديد من الانحرافات وتقوية سلطة القضاء يؤكد حقيقة ساطعة مفادها أن مناصب المسؤولية لا يمكن أن تشكل فرصة للاغتناء وتحقيق المصالح الذاتية”، فضلا أن التأكيد الدستوري على ربط المسؤولية بالمحاسبة يعكس الوعي بأن مبدأ المساءلة وتَحَمُّل مسؤولية الاختيارات والتصرفات بَاتَ مطلبا مفروضا لا يمكن التغاضي عنه في أي سياسة وطنية لتدبير الشأن العام، كما  أن التقوية الدستورية للمحاكم المالية ودسترة هيئات الحكامة الجيدة وتثبيت مبدإ نشر تقاريرها يرسخ الاقتناع الدستوري بأن التعاطي للفساد يشكل مجازفة محفوفة بالمخاطر وذات تكلفة باهظة للمفسدين على شتى المستويات.

إلى ذلك، كشف أبو درار أن الهيئة المركزية انتهت إلى طرح مجموعة من المقترحات التي تعتبرها أرضية صالحة لإرساء نظام للنزاهة على المستوى المحلي، والتي حددتها في مجموعة من التوجهات، من بينها إدراج مكافحة الفساد ضمن منظور استراتيجي وطني تنبثق عنه برامج عمل جهوية تعتمد المواصفات الأساسية للتخطيط والبرمجة وتتجاوب مع الخصوصيات الترابية لكل جهة. فضلا عن النهوض بالحكامة السياسية، خاصة من خلال التنصيص على المسؤولية المدنية للأحزاب فيما يتعلق بأفعال الفساد المرتكبة من طرف المترشحين للانتخابات المنتسبين إليها، وإدراج الأحزاب السياسية ضمن الأشخاص المعنويين الخاضعين للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في ما يتعلق بالتأديب المتعلق بالميزانية، وكذا إدراج التحقيق في نفقات المترشحين للانتخابات الجماعية من طرف هذا المجلس ضمن اختصاصه المتعلق بمراقبة استخدام الأموال العمومية، مع التنصيص على نشر تقريره المتعلق بمعالجته لجرد نفقات الحملات الانتخابية، إضافة إلى توسيع دائرة عدم الأهلية للترشح لتشمل بعض الأشخاص المطعون في نزاهتهم.

ومن بين التوجهات أيضا، تعزيز شفافية وحكامة الإدارة المالية بالعمل بشكل خاص على تطوير جودة وفعالية الميزانية الجماعية والارتقاء بنظم تتبعها وتقييمها، والتوجه نحو تأسيس آليات الانخراط الواسع في عملية الميزانية بما في ذلك إطلاع المواطنين على مختلف المعلومات المتعلقة بالموارد والمداخيل ومجالات الإنفاق، مع توجيه الجهود نحو بناء أنظمة معلومات فعالة عن الأموال الجماعية، نهايك عن تعزيز شفافية الإدارة الترابية من خلال الالتزام باحترام حق المواطنين في الولوج إلى المعلومات ومراجعة ونشر وإعلان المساطر والإجراءات، وتقوية وهيكلة مصالح الاستقبال والتوجيه مع الأخذ بعين الاعتبار لوضعيات مختلف الشرائح الاجتماعية، إضافة إلى توجيه الجماعات المحلية نحو تأسيس وتفعيل الجماعة الإلكترونية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.