الرحموني يكتب: الإصلاح الديمقراطي بالمغرب: بين إجهاض الفرص وتناقض الخطاب

خالد رحموني*
1.   السياق العام والخاص: ضرورة المواكبة الصبورة والمتابعة الذكية
إن المرحلة التي يتطور داخلها المغرب، والمتبلورة في سياق سياسي دولي شديد السيولة والحركية، وفي محيط إقليمي متفجر وصاخب، قد يؤذن بردة ديمقراطية وشيكة تبدت مناذيرها في شرق العالم العربي، وبالضبط في مصر وما ترتب فيها من تفاعلات عقب  الانقلاب الجاري فيه، وما أوصلت إليه آلة القتل  في سوريا وملامح التردد القائم في ركاب الثورة فيها بين الحسم واللاحسم والمتمثلة في طبيعة التفاعلات بين القوى الدولية مع مجمل الوضع الدراماتيكي هناك.
كل تلك التفاعلات والمستجدات لها امتدادات في الزمن المستقبلي للأمة، وتكتنفه آثار بالغة على مجمل المنطقة، ومنها بلادنا والتجربة المتفردة فيها المبنية على جدل الاستقرار والإصلاح.
كل ذلك يفرض مهاما سياسية ونضالية حاسمة على مُجمل القوى الديمقراطية، وفي طليعتها حزب العدالة والتنمية، وتتمثل في إنجاز مجموعة من الاستجابات والتكيفات والتفاعلات على مستوى الخطاب الفكري والسياسي، فضلا على صعيد الممارسة والحركة النضالية الفاعلة في الأرض، مما يعني أن كل المعطيات والتحولات الدولية والإقليمية والوطنية الجارية وجب قراءتها في ديناميتها وسيرورتها السياسية واستدماجها في متن الخطاب الفكري والسياسي، وهذا يستلزم، أكثر من أي وقت مضى، إنتاج خطاب سياسي مواكب للتحولات ومؤطر لمجمل المرحلة، وأيضا بناء خط سياسي متفاعل ومبادر يؤكد أولوية قضية الإصلاح الشامل للدولة، ويصر على مزيد من الدمقرطة وتعميق الرهان عليها، إذ المفترض استحضار عناصر التوجه الديمقراطي الشامل الذي شكل العنوان الأبرز لمجمل الديناميكية السياسية والاجتماعية التي أحدثت زلزالا على صعيد التوازنات السياسية التقليدية، وأفقدت النسق السياسي المغربي توازنه لصالح قضية الإصلاح السياسي والتحويل الديمقراطي للدولة، واستنهاض المُجتمع بالرفع من قدراته التأطيرية وتعبئته وتوسيع قاعدة السياسة والتسيس في المغرب المعاصر، بما يُشبه نهضة إصلاحية شاملة وهبة شعبية استلهمت روح الانتفاض الشعبي والشبابي الإصلاحي المتجلي في دينامية 20 فبراير وما بعدها.
وقدمت الدولة، في حينها، عَرْضا سياسيا متفاعلا مع مجمل تلك التفاعلات المرتبطة بالحراك الديمقراطي العربي والمغربي يستوعب بعضا من الإجابات السياسية والدستورية والمؤسساتية، ويحتضن بعض المطالب الإصلاحية النابعة من المجتمع، وإن كانت بشكل جزئي.

2.   الخطاب الفكري والسياسي للعدالة والتنمية: التحدي والاستجابة
بسطت بعض الأطر الفكرية والحركية والسياسية، وفي مقدمتها العدالة والتنمية، أطروحاتها التحليلية والنقدية على جملة التساؤلات التي تناقلها الرأي العام  داخل الفضاء العمومي، ولم تبق حكرا على النخب السياسية والحزبية التقليدية فقط، بل شملت قطاعات وفئات وقوى شبابية، جددت الوصل مع السياسة وتصالحت مع العمل العام من بوابة النضال ضد الفساد والاستبداد، بما بعث الروح من جديد في الشارع السياسي، وأدرج فاعلا جديدا ظل غائبا عن المشهد السياسي لعقود مديدة، وهو الشعب.
إن التفاعل الخلاق، وتلك الدينامية المبدعة من طرف المجتمع والنخب والدولة، مع جملة المستجدات والمطالب الصاعدة، والمنبعثة من عمق المعاناة.
كل ذلك أشاع طيفا من الرضى وسط المغاربة، وجب رعايته وصيانته من التبدد والاندثار باعتباره رصيدا متفردا من الثقة في تملك نموذج للإصلاح مختلف، الإصلاح في إطار الاستقرار، في محيط عاصف متقلب وهائج، خاصة وأنه اقترن بالطلب من الحكومة والبرلمان على حد السواء، الدولة والنخب، إجراء تعديلات عميقة وجذرية في أسلوب ومنهجية إدارة الدولة، بما يحقق الانتقال الديمقراطي الحقيقي ويضع البلاد على سكة العدالة الاجتماعية وتكريس الحريات وتعميق الإصلاح السياسي والمؤسساتي وتوطيد أركان الكرامة الانسانية  
بالنظر الى كل ما سلف، فإن عناوين الخطاب السياسي والفكري للنموذج الحديث للحزب السياسي الذي يريد أن يتجلى به حزب العدالة والتنمية، والذي يعتبر الأقوى والأوضح والأهم من بين الخطابات الرائجة في سوق السياسة والعمل العام بالمغرب منذ بداية عملية الإصلاح السياسي الجارية والمنطلقة عقب اندلاع الانتفاضة المجيدة لحركة 20 فبراير 2011 وما تلاها من تطورات في المشهد العام وموازين القوى المعتملة داخله، أقول عناوين ومفردات ذلك الخطاب يمكن إجمالها في معطيات عديدة تتمثل في:

– النظر إلى قضية الإصلاح الديمقراطي للدولة، وإنهاض المجتمع والاستجابة لتطلعات شعبنا من منطلق المسؤولية الوطنية، أي تقديم تقدير المصلحة العامة والوطنية على مصلحة الحزب والطائفة، أي على تقدير البعد الموضوعي العام على البعد الذاتي النرجسي الخاص المرتبط بالذات الحزبية، فنحن نريد بذلك التأسيس لمرحلة جديدة مختلفة في مباشرة النضال السياسي الحزبي بما يجعله يخرج من دائرة التشرنق داخل منطق التبرير وتقديم ديباجات تسوغ للمنطلقات المحدودة إلى آفاق رحيبة تفتحها الممارسة البديلة للسياسة والتحزب كما ألفها العقل السياسي والمنطق الحزبي لسنين عددا.
– التأكيد على أن من بين أولويات المرحلة، بالنظر إلى حجم السلطة المتاح بالنسبة للقوى السياسية المتمخضة من رحم الإرادة الشعبية، التأسيس لسلطة الشعب ولقدرة الناس على تحمل المسؤولية السياسية من قبل القوى السياسية التي تفرزها الانتخابات غير المطعون في صدقيتها السياسية، والتي أفرزت العدالة والتنمية كقوة رئيسية في المشهد السياسي بفارق معتبر مع مجمل القوى السياسية، في استشارة انتخابية غير مسبوقة على امتداد التاريخ الانتخابي والسياسي للمغرب المعاصر، مما يعني أن الهدف النهائي في هذه المرحلة بالذات هو الوصول بالبلاد إلى توطيد أركان وقواعد التأويل البرلماني والديمقراطي للدستور المنتج في يوليوز 2011، بمعنى تشكيل حكومة سياسية قائمة على قاعدة برنامج إرادي ولها رسوخ برلماني أكيد يتمثل في التنصيب والمساءلة والمحاسبة والمراقبة على هذا الأساس، أي الدفع بمزيد من دمقرطة النظام السياسي والدستوري المغربي وتحميل المسؤولية التاريخية للقوى التي أفرزتها المرحلة للنهوض بهته المهمة، وأعطت تكتلا وتحالفا سياسيا له أغلبية في البرلمان متكون من عدد من الأحزاب السياسية المفروض فيها الاستقلالية السياسية في اتخاذ القرارات والسياسات والاختيارات؛
– هذه الرؤية المؤكدة لمنطق المسؤولية السياسية كما هي متجذرة وقائمة في الأنظمة الديمقراطية تأتي من قناعة راسخة لدى جملة من الديمقراطيين أن هذا الاختيار الديمقراطي البرلماني يعد حتما من مشمولات المصلحة الوطنية، فجميع الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية الأخرى المؤمنة بالعمل السلمي والتي تنبذ العنف والعمل السري، بما في ذلك تلك التي لها تقييم سلبي لمسار التجربة الحالية والتي تستنكف عن العمل من داخل المؤسسات التمثيلية، هي جزء من مكونات الشعب المغربي، فقلوبنا وعقولنا مفتوحة للجميع، ونحن نقف على مسافة واحدة من الجميع.
– نؤكد هنا بأن النجاح في الوفاء لتجربة الإصلاح في إطار الاستقرار، التي تعد خبرة المغرب المتفردة في المرحلة، من خلال التفاعل الخلاق مع مخرجات الربيع الديمقراطي الذي عصف بأنظمة برمتها، أقول إن النجاح في تأكيد هذه الخبرة يعتمد على تحمل الجميع، حكاما ومحكومين، أحزابا وجماعات وحركات ونخب، دولة ومجتمع، لمسؤولياتهم التاريخية في إيصال سفينة الوطن لبر الأمان الديمقراطي، فالإصلاح شرط للاستقرار، والاستقرار منطلق الإصلاح الحقيقي والعميق، وأننا بحاجة إلى ثقافة ديمقراطية تؤمن بالتعددية القائمة على الحوار المجتمعي والنقاش الفكري العميق بين النخب والمجتمع، بين السلطة والمعارضة بكل أطيافها، بين القوى السياسية والحزبية والمدنية والاجتماعية، وهنا وجب محاصرة نزعات الارتياب والتشكيك بالنوايا في جدية الدولة وبعض القوى السياسية بالإصلاح بالمزيد من الجرأة في الإصلاح العميق، وبكثير من الإقدام في الوفاء للتطلعات الديمقراطية لشعبنا، فلا يجب أن نلتفت فقط إلى النصف الفارغ من الكأس.

3.   راهنية تحديث الدولة ومأسسة القرار: النضال الديمقراطي خط سياسي يحتاج إلى التعميق
لقد سبق لحزب العدالة والتنمية، وبالضبط في مرحلة المخاض السياسي الذي كانت تعيشه البلاد عقب اندلاع الثورات العربية في بلدان الربيع الديمقراطي والتي تجلت في تفجر الدينامية السياسية لـ20 فبراير، لقد سبق له أن دبج في حينه رأيا اعتبر متقدما على مجمل الخطاب السياسي والدستوري المنتج في تلك المرحلة، من خلال طرح مقترحات للإصلاح السياسي والدستوري اعتبرت مبدعة وطليعية من قبل كثير من المختصين، وحتى بعض الخصوم الإيديولوجيين للحزب، المرجو مراجعة مذكرة الإصلاح الدستوري التي تقدم بها الحزب وبسطها للنقاش العام وأتاحها للتداول العام وحظيت بنقاش واسع في إبانه، وقد شهد العقل السياسي للحزب مزيدا من التطور الفكري والجرأة في التناول والعمق في الطرح العمومي لقضايا تتناول مسألة الإصلاح والدمقرطة والتنمية والعدالة والكرامة والشراكة والمصالحة والوحدة والمرجعية والتدبير والنهوض… الخ.
وأسهم الحزب بأطروحته السياسية والفكرية التي بسطها في مؤتمره الأخير، والتي شكلت ولا تزال خارطة طريق للنضال الديمقراطي والبناء الديمقراطي، ومنهجا لتطوير نظامنا السياسي وتحديث بنياته، تلك الأطروحة لا تزال ذات راهنية، وقد تحتاج إلى مزيد تطوير ومراجعة لتواكب المستجدات الطارئة ولتراجع فرضياتها المؤسسة. وقد بسطها لمجمل القوى السياسية الوطنية لتجديد الفكر والمنهج وتدقيق أسلوب العمل ولتعميق النظر في مفرداتها ومقولاتها، وأتاحها للتداول الفكري والسياسي من داخل الفضاء العمومي، ولقد كان هاجسه الأساسي الإصرار على تفكيك بنيات الفساد والاستبداد من خلال دمقرطة الدولة والمجتمع، وتأكيد حتمية تحديث وتطوير بنية النظام السياسي والدستوري المغربي في أفق أكثر ديمقراطية وانفتاحا واستلهاما للنمط التوزيعي للسلطة بتوزيعها وإحداث التوازن بين مكوناتها، أي ربط القرار العمومي بصندوق الاقتراع، وهذا الأفق الديمقراطي يفرض، أكثر مما مضى، تحديد مجالات الاشتغال وتعميق الممارسة الديمقراطية والإصلاحية من طرف قوى الدولة والمجتمع.

4. دمقرطة الدولة وإنهاض المجتمع: تكامل الأدوار
هذه المهام، في جملتها، وجب أن ترتب مسؤوليات سياسية ونضالية على كل القوى والمكونات المؤسساتية والدستورية ،كل حسب موقعه وحجم دوره ومنسوب سلطته:
– المؤسسة الملكية: الدور الإصلاحي الحاسم للمؤسسة الملكية في اتجاه مزيد من الدمقرطة والانفتاح والتحديث؛
– النخب والقوى السياسية: مسؤولية الأحزاب السياسية في أفق كثير من الاستقلالية ومزيد من التخليق والفعالية وإعادة البناء الفكري والسياسي والنضالي والتنظيمي، والاعتماد على القدرات الذاتية في التنافس السياسي الشريف؛
– الشعب وقوى المجتمع المدني: دور الحراك الشعبي في الحرص على القيام بوظائف الرقابة الشعبية على الإصلاح وتأمين مساره والكفاح ضد مراكز النفوذ التي تحجبه وتعيقه وتقاومه.
إن كل ما سبق ذكره، من سياق ومهام سياسية ذات أولوية في المرحلة، وما ترتبه من مسؤوليات سياسية على عاتق القوى الحزبية، وفي طليعتها العدالة والتنمية وباقي المؤسسات السياسية والدستورية وجملة مكونات المشهد العام، كل ذلك يعد مناسبة مثالية لنحدث مراجعة عميقة لمتن الخطاب السياسي والإعلامي، ولبنية الفكر السياسي، ولجملة المقولات النظرية والمفردات المنهجية والمنطلقات المفاهيمية بكل مقدماتها ونتائجها.
وجب على كل القوى والمكونات إحداث نقلة بعيدة، بل نقد ذاتي صارم، حكومة ومعارضة بكل أطيافها، دولة ومجتمعا، نخبا وشعبا، قيادة ومناضلين، من أجل إقرار الإصلاح الديمقراطي في بلدنا، مع الحرص على تقدمها ورقيها.
إن كل ذلك يستلزم استثمار ما تتيحه الظرفية الصعبة والعصيبة من إمكانيات وتحديات وفرص، وهو ما يتطلب من كل الديمقراطيين والإصلاحيين تأكيد مواقفهم جميعا، بوضوح وشجاعة، من قضية الإصلاح في المرحلة وما تستلزمه من تنازلات لصالح الوطن، بما يعنيه الأمر من تأكيد نهج الوفاق الوطني والشراكة الوطنية في القرار العمومي والمصير الوطني جملة. إن الفرصة التي تتيحها هذه المرحلة الحبلى بممكنات التغيير الديمقراطي التراكمي بما يتفق مع قضية دعم ثقافة المشاركة والانحياز لقضية الإصلاح السياسي والمؤسساتي، ومن أهدافه الوصول إلى الحد الأدنى المشترك الذي يمكن البلاد من تشكيل حكومة ديمقراطية قوية مسؤولة على أرضية نيابية عريضة ومريحة، وأيضا هي فرصة للأحزاب السياسية للمشاركة في دعم مسار الانتقال الديمقراطي الجاري، وذلك بالاستعداد لإجراء الانتخابات الترابية، بعد ذلك، ومباشرة تعديل ومراجعة القانون الانتخابي من خلال تقوية التجربة الديمقراطية المغربية الوليدة في تدبير الشأن العام، بالعمل على تأكيد أن قضية الإصلاح الديمقراطي الحقيقية لا يجب أن تستهدف إقصاء أي حزب أو قوى ديمقراطية علنية وتناضل سلميا، وأنها جميعا جزء من مكونات الشعب، وبأن الحوار الديمقراطي هو أساس التعددية والتنافس الشفاف والمفتوح.

5.   فرادة نموذج الإصلاح في إطار الاستقرار: بين التحدي السلطوي وفرص النجاح الممكن
نحن، إذن، أمام فرصة سانحة للقفز إلى بر الأمان الديمقراطي، من خلال دعم النموذج المتفرد المغربي وإكسابه قوة النفاذ والرسوخ، وإنجاحه بمتناول اليد، ونخشى أن تضيع وفي أقل من ممارسة وتمرين ديمقراطيين لسنوات معدودة، وعلى عاتقنا كقوى سياسية أن نتخلص من ظاهرة ونزعة تضييع الفرص من بين يدي الأحزاب السياسية، ووجب الحذر من التناقض الحاصل بين أفعال بعضها، بل وجمودها، مع نهج منفتح لبعض مؤسسات الدولة وفي طليعتها المؤسسة الملكية، لكيلا نعود لذلك الخطاب الذي يبخس السياسة ويفقر الحياة السياسية وينسفها من خلال تخريب الحياة الحزبية وإفقارها.
وهنا نطرح سؤالا حاسما ومؤلما، لكن علينا التفكير فيه قبل الإجابة: ما هو سر عجز الحكومات ومؤسسات الدولة أو فشلها في تطبيق نهج الإصلاح الديمقراطي الشامل، في الوقت الذي نجد أن الخطاب السياسي العام لمجمل القوى والمؤسسات محشو ومليء بالإشادة بالثقافة الديمقراطية ومبشرا بها؟ بل لماذا تقوم تلك القوى والمؤسسات، بل وتدمن، على إجهاض الفرصة بعد الأخرى بأفعال وسياسات وممارسات هي على النقيض تماما من هذا النهج؟

6.   على سبيل الختم: أسئلة للمستقبل
ختاما، فإن هدف الإصلاح الديمقراطي الأساسي في هذه المرحلة بشكل مباشر: هو تجديد التعاقد السياسي بين أركان الانتقال حول النموذج المغربي في الإصلاح طريقا للاستقرار، من خلال الوصول إلى تشكيل أغلبية برلمانية حزبية متينة وتشكيل حكومة على قاعدتها، تكون مستقرة لها شروط الاستمرار لخمس سنوات موصولة، إلا إذا حجب البرلمان الثقة عنها، أو تعرضت لملتمس للرقابة.. الخ، وهذا يتطلب استكمال ورش الإصلاح السياسي بمراجعة الانظمة الانتخابية، نمط الاقتراع والتقطيع.. وغيرها.
هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق في المستقبل القريب والبعيد في ظل منظومة انتخابية عتيقة ومتجاوزة. إننا أمام فرصة ثمينة لمجلس النواب المغربي لمباشرة ورش تغيير النظام الانتخابي، على الأقل بما ينقل عملية الإصلاح السياسي والمؤسساتي البرلماني إلى الأرضية الصحيحة لبناء التعددية السياسية كقاعدة لبناء كتل برلمانية قوية ومنسجمة وحكومات منسجمة وراسخة.
إننا أمام أعتاب طور جديد أمام بلادنا يقتضي رسم نهج في العمل السياسي بديل، ويحدد رؤية للحكم وتدبير السلطة المتاحة من خلال التأويل الديمقراطي للدستور، ولذلك فإنه من واجب السلطات، كما النخب، ترجمته إلى سياسات عامة وتشريعات وقرارات تؤسس لنقلة كبيرة تتخطى وتتجاوز زهوة الثقة بين الشارع والسياسة، وتهيئ المناخ لأجواء من الحوار الديمقراطي والمشاركة السياسية الحقيقية والعميقة يخرج البلد من وضع الانتظارية السياسية الراهن.
أرجو ألا يكون ما سيحدث عكس مسار التاريخ، بمعنى تكريس النهج التحكمي والتراجعي، وتأكيد قوة ونفوذ قوى الشد العكسي والردة الديمقراطية، بما تعنيه من تأصيل سياسي، في اقتناعات القوى السياسية والشعبية، لحالة مستغربة ومرفوضة تنحو في اتجاه مضاد للإصلاح، بل تقاومه.
هذا الخوف والتوجس يجسده التساؤل السالف الذكر: ما هو سر العجز في تطبيق نهج الإصلاح الديمقراطي للدولة والمجتمع، السهل والواضح، الخالي من الغموض والذي يلتقي تماما مع المطالب الإصلاحية لكل الديمقراطيين المغاربة، ولكل الشعب برمته. هل هو العجز أم الفشل أم عدم الرغبة، لأن قوى الشد العكسي ومراكز الجمود السلطوي تريد أن تفرض نفسها على الجميع، وتكبح خط الإصلاح وتوقفه؟
لكن كلفة ذلك جسيمة، وسنن التاريخ عنيدة.
*عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.