الخلفي: الحكومة تشتغل والدستور لا يتحدث عن حكومة تصريف أعمال

13.10.03
نفى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن تكون الحكومة، “حكومة تصريف أعمال”، مضيفا في حوار  مع أسبوعية “الوطن الآن”، بأن “الدستور لا يتحدث عن حكومة تصريف أعمال. هذه الحكومة تشتغل.. ففي المجال التشريعي مثلا، فقط في شهري ماي ويونيو 2013، أي بعد فترة من إعلان حزب الاستقلال انسحابه، تضاعف تقريبا الإنتاج التشريعي حيث أنجز حوالي 50 نص قانوني وتنظيمي، ولدينا أزيد من 365 نصا قانونيا ومرسوما صادقت عليه الحكومة. كما صدرت في غضون سنة ونصف أزيد من 7000 قرار وزاري وتعرف أن القرارات الوزارية هي مفتاح أجرأة القوانين، فهناك مجهود استثنائي يبذل على مستوى الحكومة وعلى مستوى الأمانة العامة للحكومة التي ينبغي التنويه بمجهودها”.
كما تطرق الخلفي في هذا الحوار، إلى قضايا أخرى، من قبيل تهمة علاقة حزب العدالة والتنمية بالاخوان المسلمين بمصر، وعن معايير  التعيين في المناصب  العليا.
 وفيما يلي النص الكامل للحوار:


*توجه اتهامات قوية إلى حزب العدالة والتنمية كونه استغل موقعه الحكومي لتوطيد أتباعه وأنصاره في الإدارة المغربية، خاصة في المواقع الحساسة عبر استغلال قانون التعيينات في المناصب السامية. ما هو ردك؟
**أولا يجب التأكيد أن الإطار الجديد الذي تم اعتماده للترشيح والتعيين في المناصب العليا يعد إطارا إيجابيا ونقلة نوعية، حيث يشكل نموذجا جديدا في تدبير الشأن العام يرفض منطق تحزيب الإدارة، ويثمن مواردها البشرية ويحرص في الوقت نفسه على إعمال قواعد المنافسة ومحاربة أي انزلاق محتمل يصادر حق المنتمين إلى هذا الحزب أو ذاك في الترشيح للمسؤولية.
من جهة أخرى، فإن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الحكومة انتهجت خيار عدم السقوط في التمييز لفائدة الأحزاب المكونة للحكومة، سواء كان هذا التمييز بمنظور الإقصاء لمن لا ينتمي إليها، أو كان الانتماء لأحد أحزابها عاملا في تولي المنصب أو عدمه. الأصل بالنسبة إلينا أن الشروط المحددة في الدستور واضحة وصريحة، وهي: الاستحقاق، تكافؤ الفرص، الشفافية والكفاءة. لغاية اليوم تمت معالجة أزيد من 284 منصبا تم التداول بشأنهم طبقا لأحكام الفصل 92 من الدستور وفي إطار الاختصاصات المحددة في القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا.
أما بالنسبة لما يتعلق بحزب العدالة والتنمية، فإنني، في ما يخص بعض الأمور الحزبية، ملزم بواجب التحفظ بصفتي ناطقا رسميا باسم الحكومة، كما أحيلك على ما سبق أن صرح به السيد رئيس الحكومة، أن من قيل إنهم ينتمون للحزب، فهم حالات معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة.
لكن دعني أعود إلى مناقشة الموضوع من حيث الأصل، إن هذا إجحاف في حق العمل الحزبي، أي أن يصبح انتماء سياسي لشخص ما سببا من أسباب عدم تمكينه من الحق في الترقي، حتى أصبح مجرد ترشيح المنتمي لحزب العدالة والتنمية أو غيره، محل اتهام حتى يثبت العكس.
ثم إن تدبير هذا الملف في الواقع يدحض هذه الاتهامات، وأذكر هنا مثلا تجربتي شخصيا في وزارة الاتصال، إذ كانت هناك تعيينات في ثلاثة مناصب مديرية، اثنتان أسفرتا عن الترقي الإداري ضمن أطر الوزارة، ومنصب شغله مسؤول قادم من وزارة أخرى، دون أن يكون هناك أي دخل للعامل الحزبي. ويصدق ذلك أيضا على رئيسي قسمين بالوزارة، حيث تم تعيين رئيس قسم الموارد البشرية ورئيس قسم الموارد المالية من ضمن أطر الوزارة أيضا. وبالتالي فإن عمليات تعيين المسؤولين في المناصب العليا، يعد إنجازا كبيرا وعنصر قوة للإدارة المغربية وخطوة متقدمة في تنزيل البرنامج الحكومي، وإن إثارة حالات تعيينات محدودة، لها علاقة بحزب العدالة والتنمية، لم تعرف أية مخالفة للمساطر القانونية المعمول بها، هو محاولة لتحريف النقاش وصرف الأنظار عن هذا الإنجاز الكبير.
 
*مادمت اخترت أن تضرب مثالا بوزارتك فقد كان هناك استنكار واسع في مختلف الصحف المغربية لرغبتكم الشديدة في تعيين رئيس ديوانكم في منصب الكاتب العام للوزارة، والمعروف أنه قيادي في حركة التوحيد والإصلاح ومسؤول في حزب العدالة والتنمية..
**لتدقيق الأمر، ليس صحيحا الحديث عن استنكار واسع، فهناك بضعة صحف هي التي تناولت الموضوع. كما أن القانون التنظيمي للتعيينات لا ينص على أن يقوم الوزير بترشيح شخص، بل الأمر موكول للجنة دراسة الترشيحات التي يتقدم بها أصحابها بطريقة شخصية، فقط في حالة عدم توصل اللجنة بأي ترشيح، فحينذاك يمكن للوزير أن يقترح مرشحا، والحال فيما يتعلق بمنصب الكاتب العام لوزارة الاتصال، أن اللجنة قدمت اقتراحا للتعيين بهذا المنصب، ونتيجة المباراة لم تعلن بعد.
أما فيما يخص السيد رئيس الديوان، فقد قدم ترشيحه بصفة شخصية مثل باقي الترشيحات التي قدمت، وخضع للتنافس مع الباقين، ومصيره كان بيد اللجنة التي اشتغلت بكل استقلالية، في المقابل أعتقد أنه كانت هناك حملة ظالمة حصلت واستهدفت شخصه، وروجت معطيات غير صحيحة حول مساره العلمي و المهني المتعلق بمجال الإعلام والتكنولوجيات الحديثة.
 
*البعض يقول إن حزب العدالة والتنمية في موقعه الحكومي كان ذكيا، أي أنه عوم التعيين في المناصب بانتماءات متعددة، لكنه ركز على المناصب المهمة، مثلا منصب الكاتب العام لوزارة الاتصال، لأنه منصب حساس يسمح بوضع اليد على كل ما له علاقة بالإعلام الداخلي والخارجي..
**هذا خطأ. أولا، لم يكن هناك أي قرار حزبي بترشيح السيد رئيس الديوان الذي قدم ترشيحه كأي مواطن مغربي، ومن الظلم منع ترشيحه لمجرد أنه رئيس ديوان أو له علاقة بالحزب، لاسيما وأن اللجنة كان يترأسها الأستاذ محمد الإدريسي المشيشي العلمي وزير العدل السابق، واشتغلت بكل استقلالية، ولا يمكن الاستخفاف بحكمها وعملها. ينبغي التأكيد أن منطق وضع اليد والهيمنة الحزبية انتهى عهده، حيث يعود هذا المنطق إلى زمن الحرب الباردة، وإلى صنف معين من الأحزاب انتهى عهدها.
بالنسبة إلينا في هذا الموضوع، فإن الحكومة استطاعت أن تقدم نموذج حكومة تمثل كافة المغاربة، وأفرزت التعيينات نفسا جديدا على مستوى الإدارة العمومية.
 
*وما القول في بعض الاتهامات الموجهة لحزبكم بكون بعض التعيينات في المناصب الحساسة ككليات أصول الدين والتعاون الوطني… إلخ، كان المعينون فيها مقربين من العدالة والتنمية..
**أولا هل من شخص يمكن أن يعطيني أكثر من 3 في المائة من مجموع هذه التعيينات في المناصب العليا التي تمت و كان المعينون فيها من أعضاء حزب العدالة والتنمية، أو أن يعطيني تعيينا واحدا منهم تم فيه خرق للقانون، ولهذا قلت إنها حالات محدودة وتمت في احترام كامل لكل الضوابط القانونية وعلى أساس الترشيح والتباري.
وبالرغم مما سبق، فأنا ضد إشاعة منطق يجعل من الانتماء لحزب سياسي كيف ما كان نوعه سببا في الإقصاء من حق الترشح. ينبغي أن نحترم الدستور، والدستور صريح ومثل هذا الكلام مرفوض دستوريا. للتذكير فإن الدستور وضع أربعة شروط للترشيح: الاستحقاق، والشفافية، والكفاءة، وتكافؤ الفرص، بالإضافة إلى السعي نحو المناصفة. هذه هي المعايير، فمن يريد أن ينتقد تعيينا أو ترشيحا، عليه أن ينتقده في هذا الإطار.
 
*خصومكم يستندون إلى كون الدستور يتضمن حوالي 20 نصا تنظيميا تقريبا، لكن أنتم كحكومة لم تبادروا في الأول إلا بإصدار قانون خاص بالتعيينات، وهو ما اعتبره خصومكم مناسبة لتهيئ الأرضية والأجواء النفسية لزرع هؤلاء الأتباع في المناصب العليا..
**أولا، عملية تنزيل الدستور مشروع طموح وكبير جدا والحكومة تقدمت في هذا المجال، والحصيلة لغاية اليوم تتمثل في أزيد من 199 نصا قانونيا حكوميا أخرجته الحكومة، وهذا مؤشر هام جدا.
أما فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية، فإن الحكومة صادقت إلى غاية اليوم على خمس منها، بما فيها القانون التنظيمي للحكومة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ناهيك عن القوانين العادية، حيث تمت المصادقة على مشروع قانون الخاص بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ومشروع قانون مجلس المنافسة، كما تم إعداد قانون الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة… وهذا يعني أن هناك مجهودا استثنائيا بذل في ظرف سنة ونصف من أجل التقدم بشكل كبير في تنزيل مضامين الدستور.
وللتذكير فإن القانون التنظيمي للتعيينات كان قد حظي بالأولوية ضمن مجموعة من القوانين، مثل القانون التنظيمي للمالية الذي قدمت أرضيته خلال السنة الماضية تحت إشراف لجنة المالية، وقوانين الصحافة التي كانت من الأولويات وأحدثت لصياغتها لجنة علمية من أجل إعادة النظر في الإطار القانوني للصحافة، وكذلك الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي أعلن عن لجنته في ماي 2012، والآن مشروع المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أحيل على الأمانة العامة للحكومة. إذاً كان هناك مجهود استثنائي رغم أن الدستور يتحدث عن خمس سنوات لإتمام كافة النصوص التنظيمية.
من جهة أخرى، فإن القانون التنظيمي للتعيينات يدخل ضمن مجموعة من الإجراءات التي تشتغل عليها الحكومة في إطار هدف وعنوان كبير، يتمثل في العمل من أجل إعادة الاعتبار للإدارة وللخدمة العمومية.
إن إعادة الاعتبار للخدمة العمومية على مستوى استمرارية الخدمات، يستلزم تكريس مبدأ الأجرة مقابل العمل من خلال تفعيل إجراء الأجرة مقابل العمل. وهو ما ساهم في تراجع الإضرابات التي كانت تؤثر على اللسير العادي للإدارة عامة ومرافقها الاجتماعية على خاصة. فالإضرابات في قطاع الصحة مثلا تراجعت، حيث سجل في سنة 2013 إضراب وحيد بنسبة مشاركة أقل من 5 في المائة، في حين شهدت سنة 2012 إضرابا قاربت فيه نسبة المشاركة لـ 50 في المائة.
أما على مستوى الولوج للوظيفة العمومية فقد تمت القطيعة مع التوظيف المباشر، تم بالمقابل تم مبدأ نظام المباريات عبر نشر لوائح المترشحين ونشر لوائح الناجحين، كما تم إصدار قرار منع الجمع بين الوظائف والعمل في القطاع الخاص في الصحة والتعليم، وإصدار منشور محاربة التغيب غير المشروع عن العمل.
من جهة أخرى ولأول مرة، يتم نشر لائحة الموظفين المتغيبين بطريقة غير مشروعة وعزلهم، وإعمال منظومة الشكايات عبر وزارة العدل، وتسريع إحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات على القضاء، الآن وصلنا إلى أزيد من 53 ملفا في نهاية 2012.
كما تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات كإعمال نظام شفافية الامتيازات الممنوحة من قبل الإدارة (نشر لوائح المستفيدين، استرجاع الأراضي الممنوحة في إطار دفاتر تحملات أراضي السوجيطا والصوديا، حيث تم استرجاع حوالي 700 هكتار…)، وإعمال نظام طلبات العروض في صفقات الإنتاج الخارجي و المشترك بالنسبة للإعلام العمومي.
 
*البعض يقول إن الحزب الحاكم، وهو البيجيدي، لا يملك دراية بالشأن العام ويزكي المظلومية ويحاول إلصاق فشله بالعفاريت والتماسيح..
**أولا، حزب العدالة والتنمية ليس الحزب الحاكم، بل هو حزب يقود الحكومة ضمن أغلبية.
ثانيا، حققنا، بمعية الأحزاب المشكلة للحكومة، إنجازات معتبرة على عدة مستويات. وسأكتفي هنا بذكر بعض الإنجازات على المستوى الاجتماعي، حيث تمت الزيادة في الحد الأدنى للتقاعد، لأزيد من 10500 شخص من النظام الجماعي إذ تم منحهم رواتب التقاعد بغلاف مالي قدره 35 مليون درهم، الترقية الاستثنائية لنساء ورجال التعليم بغلاف مالي قدره مليار و900 مليون درهم على دفعتين في يناير 2013 ويونيو 2013، كما تم إلغاء شرط 3240 يوما في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كحد أدنى للأيام الواجب الانخراط فيها من أجل الاستفادة من التقاعد، ألغي هذا الشرط وبأثر رجعي مما يعني الاستفادة منه منذ سنة 2000، هذا بالإضافة إلى صندوق التعويض عن فقدان الشغل الذي سينطلق بميزانية 250 مليون درهم ثم 500 مليون درهم، كما أن 12 مليار درهم من الميزانية العامة للدولة خصصت لضمان ديمومة صناديق التقاعد.
 
*ولكن هذه الأرقام الوردية يقابلها انخفاض مؤشر الثقة لدى بعض الأسر والمستثمرين، فالمفترض في هذه الأرقام أن تفتح بوابة الأمل وليس العكس..
**أنت تواجهني باستنتاجات، لكن الواقع هو أن تدفق الاستثمارات الأجنبية ارتفع بشكل كبير، إذ سجل ارتفاعا خلال سنتي 2012 و2013 بلغت نسبة 30 بالمائة.
 
*لا.. هذه أرقام رسمية صادرة عن مؤسسات رسمية تابعة للحكومة ألا وهي المندوبية السامية للتخطيط..
**المندوبية السامية للتخطيط لديها وضعها المستقل، إلا أن ما يهمني هو الحديث عن إنجازات تنعكس على حياة المواطن، مثلا فمن كان يتقاضى 150 درهما في تقاعده، أصبح يتقاضى ألف درهم شهريا، بعد الزيادة في الحد الأدنى للتقاعد والتي كلفت 35 مليون درهم. صندوق دعم التكافل العائلي للنساء المطلقات خصصت له 160 مليون درهم. منح الطلبة تمت الزيادة فيها بـ 50 في المائة، كما ارتفع عدد الطلبة الممنوحين بـنحو 40 ألف ممنوح جديد ما بين 2012 و2013 و100 ألف ممنوح جديد ما بين 2013 و2014. ولتوضيح الصورة فإن ميزانية المنحة انتقلت من حوالي 700 مليون درهم سنة 2012 إلى مليار و200 مليون درهم سنة 2013، يعني بزيادة 500 مليون درهم دفعة واحدة. وميزانية التغذية انتقلت من حوالي 200 مليون درهم إلى 400 مليون درهم. هذا إجراء ينعكس على الطلبة بشكل مباشر، أي أن الطالب حين يستلم المنحة يفاجأ بزيادة 600 درهم في الدورة بالنسبة لطلبة الإجازة، و900 درهم بالنسبة لطلبة الماستر. هذه هي الإجراءات التي لها انعكاسات على الحياة اليومية. مثلا العمليات الجراحية لتصفية الكلي، في السابق لم تكن مجانية، الآن أصبحت مجانية في إطار نظام المساعدة الطبية (الراميد).
 
*كيف ستواجهون التحديات والحكومة مفككة بعد خروج الحليف الأول من الحكومة وتردد الحليف الثاني الذي دخلتم معه في مفاوضات ماراطونية وتردد بنكيران في تمكين المغرب من الاستقرار الحكومي؟
**أن تكون هناك أزمة على مستوى الأغلبية هذا لا يعني أن العمل الحكومي معطل، بالعكس…
 
*(مقاطعا) هذه إذاً هي حكومة تصريف أعمال؟
**هي ليست حكومة تصريف أعمال، الدستور لا يتحدث عن حكومة تصريف أعمال. هذه الحكومة تشتغل.. ففي المجال التشريعي مثلا، فقط في شهري ماي ويونيو 2013، أي بعد فترة من إعلان حزب الاستقلال انسحابه، تضاعف تقريبا الإنتاج التشريعي حيث أنجز حوالي 50 نص قانوني وتنظيمي، ولدينا أزيد من 365 نصا قانونيا ومرسوما صادقت عليه الحكومة. كما صدرت في غضون سنة ونصف أزيد من 7000 قرار وزاري وتعرف أن القرارات الوزارية هي مفتاح أجرأة القوانين، فهناك مجهود استثنائي يبذل على مستوى الحكومة وعلى مستوى الأمانة العامة للحكومة التي ينبغي التنويه بمجهودها.
 
*المواطن الذي يقصد الإدارة سواء الجماعة المحلية أو المحافظة العقارية أو الخزينة العامة أو إدارة الضرائب أو الكلية أو مصلحة البيرميات… الخ، لا يلمس هذه الغزارة التي تحدثت عنها، بل بالعكس مازال المواطن عرضة لـ «التسخسيخ» في الإدارة..
**بالعكس، المواطن المغربي أو المقاولة المغربية تلمس تحسنا في عدد من المجالات كما تلمس أن بعض المجالات مازالت تحتاج إلى المزيد من الإصلاح. وأعطيك مثالا عمليا، تستفيد الآن المقاولة الوطنية في إطار نظام الصفقات العمومية من امتياز 15 في المائة كأفضلية، أي إذا قدمت المقاولة الوطنية سعرا أعلى بـ 15 في المائة مقارنة مع سعر مقاولة أجنبية فهي التي تستفيد. كما خصصت الحكومة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة إجراء واضحا يتمثل في تخصيص 20 في المائة من الصفقات العمومية. أيضا ضاعفت الحكومة الميزانية المخصصة للمقاولات الوطنية المستفيدة من الدعم من أجل الرفع من مردوديتها لتصل هذه الميزانية إلى 510 مليون درهم، كما تمت مضاعفة ميزانية دعم المقاولات المصدرة إلى 500 مليون درهم.
 
*ولكن، لماذا في مؤشرات التنمية البشرية على المستوى الأممي التي تعتمد فعلا على التعليم والصحة…. نجد مؤشر المغرب في تقهقر فظيع؟
**علينا أن ننظر إلى مؤشرات السنوات المقبلة ولا نكتفي بمؤشر 2012. إن تحديد مؤشر التنمية البشرية يعتمد أساسا على ثلاثة مصادر: مؤشر الدخل، ومؤشر التمدرس، ومؤشر الصحة. فمؤشر الدخل لا يمكن الحكم عليه، لأن هناك دولا أغنى منا على مستوى الثروات الطبيعية والنفطية، مما يكسبها تقدما على المغرب في هذا المؤشر، ولكن في المؤشرين الآخرين هناك استراتيجيات موضوعة وهي قيد التفعيل. فقبل أيام أعلن عن أهداف الألفية، وأعلن أيضا عن تراجع نسبة الأمية. أما فيما يخص التمدرس، فهناك تقرير منظمة اليونيسيف الذي صدر وأكد أن المغرب كسب رهان تعميم التمدرس بمؤشرات عالية، وتقرير المندوبية السامية للتخطيط الذي كشف عن التراجع الكبير في عدد الوفيات في صفوف الأمهات، ومازالت هناك إحصائيات ستصدر قريبا ستكون محينة، كما تحقق في تحيين مؤشرات التمدرس والأمية، لهذا فالحصيلة مرتبطة بحصيلة بكاملها.
ما يهمني هنا هو أن هناك إجراءات لديها وقع على المواطن، ووقع على المقاولة الوطنية، ومكنت المغرب من ارتفاع تدفق جاذبية الاستثمارات نحوه في 2013، خاصة في الثلاثة أشهر الأخيرة، وأول أمس (أجري الحوار يوم 19 شتنبر 2013 – المحرر) قدم الوزير المنتدب المكلف بالميزانية عرضا أمام لجنة المالية بالبرلمان أورد خلاله عددا من المؤشرات، وهذا شيء مهم.
ففي ما يخص قطاع السياحة في غشت ارتفع عدد الوافدين بـ 35 في المائة، وهذا رقم كبير. كما وفد على المغرب خلال الثمانية الأشهر الأولى من سنة 2013، 7,02 مليون سائح بزيادة 7 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2012، كما أن زيارة المغاربة المقيمين بالخارج للمغرب هي أصلا مكسب، لأننا في محيط مضطرب وحققنا رقم 2 مليون و140 ألف. وبفضل هذا الانتعاش في النشاط السياحي وصلت المداخيل خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة 2013 من العملة الصعبة 38.8 مليار درهم.
في السنة الماضية ومع تنصيب الحكومة الجديدة انخفض احتياطي العملة الصعبة على مستوى تغطية الواردات إلى أقل من أربعة أشهر، نحن الآن نشهد تحسن الوضع حيث تجاوزنا الأربعة أشهر بـ9 أيام. كما أن سنة 2013 هي أول سنة يسجل فيها الصيد البحري مؤشر ارتفاع في نسبة المداخيل.
غير أن هذه المؤشرات الإيجابية لا تنفي أن لدينا إشكاليات أخرى كإشكالية المقاصة…. أمامنا تحديات، ولكن حققنا بالمقابل إنجازات.
 
*الملاحظ أن هناك نوعا من المفارقة، فالبيجيدي هو الحزب الذي يسير الحكومة، لكن هذا الحزب يقوم أيضا بمظاهرات واحتجاجات ضد المصالح القومية للمغرب، مما يخلق نوعا من الارتباك لدى المواطن، فما هي قراءتك لهذه المفارقة؟
**لم يسجل ذلك بل بالعكس. ويمكن الرجوع إلى بيانات الحزب الرسمية التي صدرت وآخرها ما يتعلق بالشريط المنسوب إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
 
*ها هم قياديون ينتمون للحزب قد خرجوا في مظاهرات مؤيدة للإخوان المسلمين في مصر ضد ما يسمونه الانقلاب العسكري في مصر، وهو ما يتناقض مع الموقف الرسمي للمغرب، حيث لم يحسم الحزب الحاكم علاقته مع تنظيم الإخوان المسلمين..
**يمكن أن أحيلك على البيانات الرسمية لحزب العدالة والتنمية والمنشورة بانتظام على موقعه بالإنترنيت، وكذا على المسؤول الإعلامي للحزب السيد سليمان العمراني فهو المخول للإجابة عن التفاصيل المرتبطة بحالات الأشخاص.
مع ذلك أسجل أن هناك تشويشا غير مؤسس وغير مبني على دليل، فالسيد رئيس الحكومة أعلن في لقاء صحفي في فبراير الماضي بوضوح أن الحزب ليست له أي علاقة مع حركة الإخوان المسلمين، وهذا الأمر محسوم فيه منذ النشأة، كما أن الحكومة تشتغل في إطار دستوري واضح يحدد اختصاصاتها وصلاحياتها، والمغرب يتميز بكون قراره الداخلي ظل مستقلا منذ قرون، وهذه أحد عناصر تميز النموذج المغربي في فترة الربيع الديمقراطي الذي شهدته المنطقة، ولهذا لا نتحدث في المغرب عن حكومة إسلامية…
 
 *(مقاطعا) ولكن البعض يقول إن مركز القرار في الحكومة هو حركة التوحيد والإصلاح وليس حزب العدالة والتنمية، باعتبارها الركيزة الأساسية للحزب..
**هذه مجرد أباطيل وأوهام وادعاءات لا أساس لها.
 
*ولكن ها هم قادة حركة التوحيد والإصلاح يشاركون في اجتماعات مع جماعة الإخوان المسلمين في إسطمبول والقاهرة وفي دول أخرى، وفي نفس الوقت نجدهم قادة في حزب العدالة والتنمية..
**لا، أنت قلت إن مركز القرار في الحكومة موجود في حركة التوحيد والإصلاح، وأجبتك بأنها أباطيل. أما بخصوص المشاركة في أنشطة ثقافية أو إشعاعية عالمية، فهذا ليس دليلا على أن مركز القرار موجود في الحركة، واعتبر أن الأسئلة الخاصة بالحركة يجب أن توجه إليها.
ما أؤكده اليوم هو ما أكدناه ومؤكد من طرف الهيآت المسؤولة للحزب، وشهدت عليه الممارسة العملية من قبل وأثناء تحمل المسؤولية الحكومية، أن عمل الحزب قبل تشكيل الحكومة وأثناء عمله الحكومي مؤطران بالدستور وقانون الأحزاب.
 
*ها هي زوجة رئيس الحكومة تشارك في مظاهرات مؤيدة للإخوان المسلمين، فكأن رئيس الحكومة يوجه «ميساج» بأنه هو المشارك فيها..
**هذا استنتاج غير صحيح، وسبق لرئيس الحكومة أن صرح بأنه لم يكن على معرفة بعزمها المشاركة.

*غير صحيح مشاركتها في المظاهرات؟
**لا، غير صحيح هذا الاستنتاج الذي قلته.. أنت قلت وكأن رئيس الحكومة هو الذي شارك في هذه المظاهرات، هذا ما قلته، وقلت لك هذا استنتاج غير صحيح.
 
*وما هي قراءتك أنت كقيادي في حزب البيجيدي لهذه المفارقات؟
**أنا أرد على القراءة التي تصور هذا الأمر بهذا الشكل.. أقول هي قراءة غير صحيحة باختصار شديد.

*لماذا بالنسبة لك كمسؤول حكومي وفي الوقت نفسه كقيادي في الحزب وقيادي في الحركة لا يوجد هناك خط واضح في المواقف الحزبية والمواقف الحكومية، مثلا في فرنسا الحزب الاشتراكي يحكم ولا يأخذ مواقف مناهضة للحكومة، لماذا في المغرب يوجد عندنا هذا التمايز؟
**ما أعرفه أن القرارات المتخذة من قبل الحكومة لقيت مساندة كلية من قبل الحزب، والتي يعبر عنها من خلال بياناته الرسمية.
 
*ولكن كناطق رسمي ألا يخلق لك ذلك نوعا من التشويش؟
**أنا لا يخلق الأمر لدي أي تشويش، دائما أعبر عن المواقف الصادرة عن الحكومة المغربية في مختلف القضايا، أعبر عنها في حينها أو في اللقاء الصحفي الأسبوعي والأمر محسوم.

*سأعكس السؤال بطريقة أخرى، بما أنكم أنتم كحكومة وأنتم ناطقها الرسمي، ألا تؤدي هذه المواقف في لقائكم بأجانب سواء مصريون أو فرنسيون وغيرهم إلى حدوث تشويش عند الأجانب؟
**كيف يحدث تشويشا؟ هل تقصد موقف الحزب؟

*موقف الحزب والحكومة في آن واحد
**اعطني قضية
 
*قضية مالي، قضية مصر، قضية سوريا..
**إن المواقف الرسمية للحزب واضحة في هذه القضايا، وأحيلك على البيانات والمواقف الرسمية فهي المرجع المعتمد. ثم إن هذا الانسجام مع المواقف الرسمية للمغرب أكدته عدد من الوقائع، أعطي منها مثلين فقط. فالسيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون هو الذي ألقى الرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة إلى مؤتمر أصدقاء سوريا الذي احتضنه المغرب بمراكش. كما سبق للسيد رئيس الحكومة في حوار صحفي مع ثلاثة منابر دولية في فبراير 2013، أن أكد الموقف الرسمي للمغرب من قضية مالي، فكيف يقع التشويش؟ وفي موضوع مصر فإن الخارجية أصدرت مواقف واضحة في بياناتها في هذه المحطات، وهناك تجند من قبل الحكومة ووزراءها لترجمة تلك التوجهات.
 
*حقيبة الخارجية يتحملها السيد سعد الدين العثماني، لحد الآن لم يزر دول الخليج، وإذا استثنينا مؤخرا اجتماع اللجنة الثنائية مع السعوديين فقد زار العثماني الخليج مرة واحدة في إطار جولة ملكية، ولكنه لم يزرها مثل ما زار تركيا؟
**هذه أحكام غير صحيحة
 
*هذا معطى وليس حكما..
**هذه المعطيات غير صحيحة، وأحيلك هنا على انعقاد اللجنة المشتركة المغربية الكويتية واللجنة المشتركة السعودية المغربية بحضور السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون، ومؤخرا كان السيد الوزير في زيارة للإمارات، وكانت هنالك اجتماعات في قطر. هذه بعض النماذج من اللقاءات التي تروم توطيد العلاقات مع دول الخليج. وشخصيا قمت برئاسة الوفد المغربي في معرض الرياض للكتاب والذي كان المغرب ضيف الشرف، كما شاركت في لقاء المنتدى الإعلامي بالكويت، وقبله في منتدى الجزيرة بالدوحة، وحوار العرب في دبي بالإمارات العربية المتحدة.
 
*ألا يمكن أن نقول إن هناك موقفا لحزب العدالة والتنمية من دول الخليج التي لها مصالح استراتيجية مع المغرب؟
**إن الحكومة المغربية تشتغل في هذا المجال في إطار التعاون مع المؤسسات وتحت قيادة جلالة الملك، فهناك انخراط تام في تعميق هذه العلاقات وتوطيدها، لأن ذلك يمثل رصيدا استراتيجيا للمغرب.
لقد حصل تطور كبير في مجال علاقات المغرب مع دول الخليج، وهنا يجب التذكير بالزيارة الملكية الميمونة إلى أربع دول خليجية (السعودية والكويت والإمارات وقطر) والأردن، والتي شكلت الحدث الأبرز سنة 2012 في العلاقات المغربية العربية، والتي أعطت دفعة قوية للشراكة الإستراتيجية مع دول مجلس التعاون.
ونذكر هنا موافقة قادة دول مجلس التعاون الخليجي على تقديم دعم مالي على شكل منح بمبلغ 5 مليار دولار لمدة خمس سنوات، يتم تمويلها بالتساوي وبصفة ثنائية بين كل من الدول الخليجية الأربع والمغرب، واعتماد القمة الخليجية الأخيرة لخطة العمل المشتركة للتعاون بين المغرب ومجلس التعاون تتضمن المجالات الرئيسية للتعاون برسم السنوات 2012-2017. كما تم الاتفاق على عقد اجتماع مشترك على مستوى وزراء الخارجية سنويا أو كل ما دعت الحاجة إلى ذلك بهدف تعميق التنسيق و التشاور. كما انعقدت الدورة 12 للجنة المشتركة المغربية السعودية ما بين 25 و27 شتنبر 2013 والتي شملت ولأول مرة في تاريخ اللجنة المشتركة، أنشطة لصالح الفاعلين الاقتصاديين والقطاع الخاص في البلدين. وتتمثل هذه الأنشطة في منتدى الاستثمار السعودي المغربي والمعرض المصاحب له، إضافة إلى اجتماع مجلس رجال الأعمال السعوديين والمغاربة. وقد تمخضت عنها العديد من القرارات التي تروم تقوية العلاقات بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات.
كما توجت أشغال الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية الكويتية، التي انعقدت في شهر يونيو 2013، بالكويت العاصمة، بالتوقيع على برنامج تنفيذي للتعاون السياحي، وبرنامج تنفيذي لمذكرة التفاهم للتعاون الإسلامي، إضافة إلى مذكرتي تفاهم تهم الأولى التعاون بين الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية والمعهد الدبلوماسي الكويتي، والثانية مجال المعارض.
كما تم خلال هذه الدورة التوقيع على بروتوكول إضافي لاتفاقية المساعدة والتعاون المتبادل في الشؤون الجمركية. وقد عكست هذه الدورة حرص البلدين على دعم وتعزيز مسيرة التعاون الثنائي بينهما في مختلف المجالات للرقي بها إلى أعلى المستويات.
 
حاوره꞉ عبد الرحيم أريري
عن أسبوعية «الوطن الآن»، العدد535
الخميس 3 أكتوبر 2013،

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.