الفساد يريد إسقاط الشعب..

>

13-10-04
لقد شكلت الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرى اقتراعها بدائرة مولاي يعقوب يوم الخميس 3 أكتوبر الجاري ساحة متجددة لاختبار قدرة بعض الفرقاء السياسيين على حسن تمثل القيم الديمقراطية وقواعد التنافس الانتخابي، بَلْه الارتقاء إلى الأفق الذي رسمه الدستور الجديد للأحزاب السياسية باعتبارها ركنا ركينا للحياة السياسية ومدخلا أساسا لبلورة الديمقراطية التمثيلية على أرض الواقع..
فإذا كان حزب العدالة والتنمية قد اختار خيار المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي اعترافا بثقة ناخبيه في الاقتراع الماضي وعملا على صيانة هذه الثقة، فإن الحملة الانتخابية بهذه الدائرة قد شهدت ممارسات بلطجية غير معهودة تجلت بشكل صارخ وبصفة خاصة في استعمال المال الحرام وترهيب المواطنين وتعنيفهم وثنيهم عن التصويت والاعتداء الجسدي على بعضهم، بل وتعبئة الميليشيات وتهديد الأمن وغيرها من الممارسات التي كشفت عن السعار الذي أصاب البعض وسعيه الميكيافيلي لنيل المقعد بأي ثمن، كل ذلك وسط تواطؤ غير مفهوم وغير مبرر من قبل بعض رجال السلطة وأعوانهم، ومن بعض رؤساء مكاتب التصويت..
إن الفساد العريض الذي شهده الاستحقاق الانتخابي بدائرة مولاي يعقوب يدفعنا إلى إثارة ثلاث ملاحظات جوهرية:

 •    إذا كانت سنة 2011 قد شهدت حراك الشعوب العربية وشبابَها خاصة غضبا من وضع الفساد والاستبداد الذي رهن منطقتنا العربية لعقود، وكان الشعار المركزي الذي أطر هذا الحراك هو ” الشعب يريد إسقاط الفساد”، فإن ما تشهده بعض بلدان الربيع الديمقراطي من ارتدادات أصبحت تسائل راهنية هذا الشعار ومدى قدرته على الصمود أمام الأعاصير العاتية التي تريد أن تعصف بتجارب الانتقال الديمقراطي، وما شهدته الحملة الانتخابية بدائرة مولاي يعقوب من ممارسات من جنس ما ذكرنا وتناقلته الصحافة إن هو إلا صورة مصغرة لهذه الارتدادات عن إرادة الشعوب، لذلك لم يكن عبثا أن يصف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله بن كيران في المهرجان الخطابي الذي نظمته إدارة الحملة الانتخابية للحزب بهذه الدائرة هذه الحالة بقوله ” الفساد يريد إسقاط الشعب”..
إن الفساد الانتخابي بدائرة مولاي يعقوب والذي بلغ مداه يوم الاقتراع لم يُسقط فقط مقعد العدالة والتنمية المستحق، لأن هذا الحزب لن يضيره أن تسقطه انتخابيا الإرادة الحرة للمواطنين، غير أن ذلك الفساد شكَّل عنوانا ومقدمة لمسار تراجعي خطير يراد أن يعلو فيه صوت الفساد على صوت الشعب.. إن الشعب هو المواطنون الذين استعادوا الثقة في نبل العمل السياسي وتصالحوا مع صناديق الاقتراع وآمنوا بأهمية أصواتهم في الفرز الدمقراطي، واطمأنوا إلى أن المنزلقات الخطيرة التي كانت تطبع الاستحقاقات الانتخابية السابقة والسطو الذي كان يقع على إرادتهم، كل ذلك أصبح من الماضي الذي دفناه يوم أزهر الربيع الديمقراطي المغربي، لكن ما وقع أمس بمولاي يعقوب إعادة لعقارب الساعة إلى الوراء.. إنه يضمر رسالة وحيدة وهي أن ” أبطال” فضيحة مولاي يعقوب لا يرون غير البلطجية وأسلوب الميليشيات سبيلا لكسب المعارك الانتخابية أما التوسل لهذه الغاية بالأساليب الشريفة والقانونية التي تشرف الديمقراطيين الحقيقين فلم يعد عملة رابحة في منهج المعارضين الجدد..
إن ما وقع يشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية التمثيلية في بلدنا والتي ظننا أنها بدأت تتعافى من أعطاب الماضي.. إن ما وقع يهدد الأمل الذي انبثق بعد حراك وخطاب ودستور وانتخابات 2011، ويقتل الروح الجديدة التي سرت في مفاصل الجسم الوطني ويوشك أن يعيد من جديد إحياء العزوف من الانخراط في الحياة العامة والاهتمام بالشأن العام.. إن ما وقع يشوش على صورة المغرب الذي قاد الإصلاح وحافظ على الاستقرار وأصبحت تجربته السياسية ملهمة لباقي التجارب ومنارا يهتدى به.. إن ما وقع يكشف عن أي أسلوب جديد للمعارضة ”يبشر” به المعارضون الجدد الشعب المغربي، أسلوب بلغ حد الانحطاط والبؤس في الخطاب وفي الرموز وفي الممارسة..

•    إن دور السلطات العمومية – في نازلة الحال- أن تسهر على ضمان شفافية ونزاهة وحرية الاقتراعات الانتخابية وأن تتصدى بالحزم اللازم وفي إطار القانون لأي ممارسة من شأنها إفساد هذه الاقتراعات، غير أن ما سجل على ممارسة بعض رجال السلطة وأعوانها في اقتراع مولاي يعقوب يدعو للاستغراب، فأن يتواطأ البعض منهم مع مرشح من المرشحين وأن يغضوا الطرف عن تجاوزاته وتجاوزات معاونيه فخيانة للمسؤولية وعدم إدراك أنهم هناك يمثلون الدولة المغربية وليس زيدا أو عَمْرا وتلك مصيبة على كل حال، أما أن يقف البعض الآخر غير متواطئين لكن عاجزين عن وقف المد البلطجي وتهديد الأمن وعسكرة المسالك والطرقات وأبواب مراكز الاقتراع فهي مصيبة أعظم لأنها تعني بكل بساطة أن الدولة استسلمت أمام هؤلاء، ولَعَمْري إن ذلك لينذر بخطورة ما بعدها خطورة.. 

  
•    إن فضيحة مولاي يعقوب تسائل كل الديمقراطيين في بلدنا وكل الغيورين على تجربتنا السياسية، كما تسائل الدولة والحكومة للقيام بمواجب صيانة شعار دولة القانون والمؤسسات.. إن حزب العدالة والتنمية سيواصل نهجه القائم على التشارك وروح التوافق الوطني، مع كل المؤسسات الوطنية وكل الديمقراطيين والغيورين في بلدنا لصون تجربتنا السياسية الجديدة من العبث وللاستمرار في تحقيق إشعاع نموذجنا المغربي، ومن أجل انبثاق مشهد حزبي قوي وقادر أكثر على الاستجابة لمتطلبات المرحلة..
الموقع

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.