همسة في أذن أشيبان.. شباب العدالة والتنمية واع بشروط المرحلة.. ومستعد لكل الاحتمالات

13.10.24
 
كتبه: محمد الطويل*
 
تحية طيبة مباركة
ما كنت لأدبج هذه الفقرات، تفاعلا مع رسالتكم الموجهة إلى شباب العدالة والتنمية، بعد أن أوضح السيد رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأستاذ عبد الإله بن كيران، في لقاء خاص بالتلفزيون، توجه فيه بالشرح والتحليل إلى المهتمين وعموم الرأي العام الوطني العديد من تفاصيل وملابسات التعديل الحكومي الجديد.
فقد خلته، بتلقائيته وصراحته المعهودتين، استطاع أن يشفي غليل المتتبعين في الاطلاع على عموميات، بل وتفاصيل، الصياغة الحكومية المعدلة. خصوصا وأن الانطباع الذي تولد لدي، بعد أن تيسر تجاذب الحديث مع بعض المواطنين، بأن المغاربة مقتنعون، عموما، بما أدلى به السيد رئيس الحكومة، ومتطلعون بأمل إلى الإرادة الحكومية في مباشرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل معقول ومتوازن، سيما بعد أن حظي التعديل  الحكومي بثقة جلالة الملك محمد السادس.

بيد أن كلامكم الموجه لشباب العدالة والتنمية، في مقالتكم الاستفهامية الأخيرة، أكد لي بأن هناك من لا يزال عاجزا عن فهم بعض مقتضيات المرحلة وشروط إنجاحها، وخفي عنهم الكثير من المضامين التي صرح بها رئيس الحكومة أو لمح لها. فاخترت أن أتفاعل معكم لمزيد من التوضيح والتفسير، حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود، في زمن نحن فيه في مسيس الحاجة إلى فرز حقيقي للمشهد السياسي على خط الاختيار الديمقراطي الذي صار ثابتا رابعا من ثوابت المملكة في المراجعة الدستورية لسنة 2011، بعد الدين الإسلامي والملكية والوحدة الترابية.
فبعيدا عن كثرة الأسئلة الواردة في رسالتكم الملغومة والتحريضية، التي تشي بأن نظركم ما زال قصيرا في استيعاب الأسباب التي أفضت إلى نجاح التجربة المغربية في البناء الديمقراطي، فإن أنظاركم –للأسف الشديد- لا تزال مشدودة إلى ما يجري في دول الربيع العربي، والتي تشهد حالة من الارتداد على الديمقراطية، ولعل نوبة الصرع عاودكم من جديد لإعادة المُحاولة مرة أخرى للارتداد على الديمقراطية، في جو إقليمي يبدو مُشجعا على شحذ السكاكين لارتكاب جريمة ذبح الديموقراطية.

>
كما يبدو أنكم لم تستوعبوا بعضا من المنطق العميق الذي يتحاكم إليه المغاربة في ترتيب أمورهم السياسية، حيث جرت عادة المغاربة على الإقبال على الإصلاح السياسي من دون التفريط في استقرارهم السياسي ومكتسباتهم التي راكموها بفضل نضالات الأجداد والآباء الأوفياء، مهما تغايرت إيديولوجياتهم وتمايزت مشاربهم السياسية، لأنهم دائما مجمعون على حب الوطن والطموح إلى خدمته وإعلاء رايته.
ولعله أحد أهم الأسباب التي جعلت المغاربة يسندون هاته التجربة الإصلاحية ويلتفون حول مكوناتها، مؤكدين ذلك في أغلب الاقتراعات الجزئية التي عرفتها العديد من أقاليم المملكة. وذلك الإقبال، لعلمكم، ليس دعما لحزب بعينه، بقدر ما هو إسناد لتجربة سياسية ولخيار إصلاحي، يزيدان في تأكيد الاستثناء المغربي الذي نفتخر به جميعا.
وتكرس هذا الاستثناء الذي صنعه المغاربة جميعا بعد لحظة الحراك الفبرايري والذي كنتم أحد أسبابه، في حزب الأصالة والمعاصرة، مدافعين عن اختيار “تنمية من دون ديمقراطية” في سعي منكم نحو الهيمنة على مراكز النفوذ والانفراد بالقرار الوطني، فتصدى لكم جزء مهم من الشارع المغربي بتلقائية وحماسة لا هم له سوى الحيلولة دونكم ودون مصادرة حق أبناء الشعب في تقرير ما يصلح لكل الشعب. بما أكد، مجددا، موقف حزب العدالة والتنمية منكم ومن أي ترتيب سلطوي للواقع السياسي سعيتم إليه من قبل  أن يندلع حراك 20 فبراير بسنوات.
في هذه اللحظة عاود حزب العدالة والتنمية الرجوع تأكيدا لعموم المغاربة أنه ما زال أمامنا فرص واعدة للإصلاح من دون تفريط في أسس استقرار الوطن. وقد شكلت أطروحته هاته نقطة توازن بين إرادة الهيمنة وإرادة الشارع.

وهي الأطروحة التي اجتمع عليها المغاربة، وشفع لها لديهم النضال المستميت لحزب العدالة والتنمية، وقوى ديمقراطية أخرى، ضد حزبكم الأغلبي الذي صنعته مراكز نفوذ معلومة للجميع.
وأكد حزب العدالة والتنمية، آنذاك، أنه بقدر عزمه على الإصلاح ومقاومته للفساد ومناهضته للاستبداد، بقدر تشبثه بمقومات الأمة وثوابت الوطن واستتباب الأمن والاستقرار. من دون أن يجعل من أطروحته مجرد جملة عرضية في الزمن السياسي المغربي. فحزب العدالة والتنمية واع بأنه إن كان الاستقرار مدخلا للإصلاح، فإنه لا استقرار من دون إصلاح.
ذ. أشيبان،
لعلكم لم تنسو أن حزبكم سيبقى في ذاكرة المغاربة دائما، ذلك الحزب الذي صنع عملا على الرجوع بالمغرب والمغاربة عقودا من الزمن إلى الوراء، فشكلتم أغلبيتكم البرلمانية بفضل الاسترزاق البرلماني والابتزاز الحزبي والاستقواء بنفوذ راكمتموه في غفلة من المغاربة زمن كانت الإدارة المخزنية تتحكم في رقاب أبناء الشعب وأرزاقهم.
ويبدو أنه سرعان ما نسيت ذاكرتكم الحزبية القصيرة ما قد كان يمكن أن يعرضه صنيعكم السياسي ونزوعكم التحكمي لمستقبل المغاربة من تهديد وإضرار. لولا الألطاف الإلهية، بما يعنيه ذلك من ضرورة  تحييد حزبكم الأغلبي والهيمني والمستبد بقوة الإدارة والمال والنفوذ الإعلامي والإداري.
وهو الأمر الذي أكده الملك بتعديل الدستور وتعيين أمين عام الحزب الذي بوأه المغاربة صدارة الترتيب في الاقتراع الأخير، منصب تشكيل أول حكومة في ظل الدستور الجديد، نأمل في أن تنجح فيما فشلت فيه تجربة التناوب التوافقي الأولى، والدفع بمسار الانتقال الديمقراطي نحو الأمام، لتثبيت الممارسة الديمقراطية ببلادنا، وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات والمسار الإصلاحي. لتكون أحد أبرز تجارب الانتقال في الوطن العربي والقارة الإفريقية.

أما بمناسبة التعديل الحكومي، فليس غريبا أن يغيظكم أمر نجاح أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة في تأمين استقرار المؤسسات واستمرارها، خصوصا وأن أعينكم كانت تتطلع إلى التحاق المغرب بركب الدول العربية التي تشهد محاولات الانقلاب على الديمقراطية وعلى مكتسبات الربيع العربي.
ويبدو أنه مما أشعل غيظكم، أكثر فأكثر،  نجاح العدالة والتنمية، مع أحزاب التحالف الحكومي، في تطبيع وضعه في مربع تدبير الشأن العام، بعدما طال أمر استفرادكم بالقرار الوطني زمنا لم يجر علينا سوى ويلات عدم الاستقرار ودوام الاستبداد والتحكم في مفاصل السلطة وموارد الثروة.
إن نجاح العدالة والتنمية في الاستمرار في قيادة دفة التحالف الحكومي يؤكد أنه، لله الحمد والمنة، قد كسب جولة أخرى ضد الفساد والاستبداد، وكسب رقعا جديدة ظللتم قابعين فيها بدون موجب انتخاب أو اقتراع. كما أن الذي حصل يؤكد أن التجربة الحكومية بدأت تكسب ثقة فاعلين وقوى جديدة انضمت إلى هاته التجربة الإصلاحية والديمقراطية الفتية، بعد أن كان أملكم هو تضييق الخناق عليها من الداخل والخارج وتكريس عزلتها السياسية.

>
ومما لا تسعفكم بصيرتكم في إبصاره أن العدالة والتنمية، مع كل أحزاب التحالف الحكومي، كلها حرص في تشكيل حكومة سياسية بنزوع وطني تُمثل فيه الأحزاب والقوى السياسية والاقتصادية والفاعلين الإداريين من أجل استجماع كل السبل وتضافرها لإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي الفتية من دون أن يشعر طرف دون آخر بأنه مقصي في هاته اللحظة التي نراهن عليها جميعا لننجح في بناء ديمقراطيتنا المغربية، دون إقصاء أو تهميش.
وبخصوص موضوع تأثر مناضلي شبيبة العدالة والتنمية بخروج د. العثماني من عدمه، فيمكن أن أؤكد لكم أن تربيتنا السياسية قد غرست في نفوسنا قيما وعمقت في وعينا منطقا لا يكاد يبالي بالكراسي والمناصب. وهو منطق لا تستوعبونه لأنكم تستقون وعيكم السياسي من مظان دخيلة بعيدة عن هوية الأمة وأصول تجربتها السياسية والتاريخية، والتي زكت فينا الإدراك والإيمان بـ”أنه ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل”.

وهذا تاريخنا شاهد علينا، ففي عز قوتنا التنظيمية وامتدادنا الشعبي اخترنا أن تكون مشاركتنا محدودة في العديد من الولايات البرلمانية إدراكا منا بضرورة التأني والتدرج، بما لا يربك التوازنات السياسية القائمة. كما أننا في أول مشاركة برلمانية لنا ساندنا تجربة الانتقال الديمقراطي الأولى من دون حرص منا على منصب حكومي أو مقعد وزاري.
كما أننا في حزب العدالة والتنمية أو شبيبته غير معنيين بالاستحواذ بالمجال السياسي أو امتلاكه، ولسنا حريصين على إلغاء دور غيرنا أو تقويضه. لأن وعينا كله مؤسس على مبدأ أننا جزء من الجماعة لا كلها، نسعى إلى ما نراه صوابا من دون احتقار ما لدى غيرنا أو تبخيسه.
وهذه أيدينا بيضاء ممدودة لكل ذوي النوايا الحسنة والأعمال الصالحة، تعاونا منا مع الغير على الخير، لنخدم سوية وطننا الذي يستحق منا جميعا أكثر مما نقدمه له. هذا الوطن الذي نتنفس جميعا عذب هواءه، ونسقى كلنا من معين مائه، ونشترك سوية ماضيه التليد ومستقبله الواعد.
أما عن حزب العدالة والتنمية وشبيبته، فهو بحول من الله وقوته، وحدة واحدة في مواجهة الفساد والاستبداد دائما وأبدا، وتاريخنا النضالي شاهد على قدرتنا في الجمع بين “مثالية ننشدها” و”واقعية نراعيها”، من دون خضوع وتساهل أو تشدد وتطرف.

 كما أن اجتماعنا في هذه التجربة هو اجتماع على مشروع نسعى جميعا لخدمته، لا على أشخاص نوثنها أو مصالح نبتغيها. وإن شابنا ما شاب غيرنا، فالأمة المغربية كفيلة بولادة جيل غير الجيل أنفع للأمة وأصلح للوطن، فنحن لسنا نهاية العالم ولم نكن أوله.
كما أن وحدتنا التنظيمية مسيجة بواقع ممارسة ديمقراطية داخلية يشهد بها الخصم قبل الصديق. وهذا ليس ادعاءً، بل هو واقع تلمسونه في مدى احترامنا لمبادئ العمل المؤسساتي واحترام الرأي المخالف والصدق في القول والعمل والاحتكام لمبادئ التوافق المبدئي أو التصويت الديمقراطي، مادام الرأي حر والقرار ملزم. فإيماننا بأن في الشورى ملاذنا وفي الحوار سدادنا خير حصن مانع لأي استبداد بالرأي أو احتكار للحقيقة.
على أي، أدعو أخوتكم، وأنتم من ختم مقالته بإقرار أخوة بيننا في الدين والوطن، لأن نتعالى عن العبث السياسي، وليعمل كل من موقعه على استكمال هاته التجربة في جو يطبعه الوضوح السياسي والالتزام النضالي، والتاريخ كفيل بتخليد ذكرى من هو في مستوى تطلعات أبناء الشعب، ومن هو أصدق في خدمة الوطن.
ولعلمكم، فليس أمامنا من خيار سوى أن نضع المغرب على سكة الإصلاح الصحيحة لكسب معركة البناء الديمقراطي، وحتى لا نخلف موعدنا مع التاريخ وزمن الإصلاح بسبب مشاكسات فارغة ومهاترات لا طائل من ورائها. لأن العمل من أجل إفشال تجربة الانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي الراهنة هو لعب بمستقبلنا وإضعاف لثقة المغاربة في مؤسساتهم ومسارهم الإصلاحي.

وليست هاته دعوة مجانية لكي تسندوا هاته التجربة الحكومية، بقدر ما هي دعوة إلى أن تمارسوا حقكم في المعارضة السياسية والبرلمانية بقوة وأمانة وإخلاص. بقدر ما سنكون في شبيبة العدالة والتنمية خير إسناد للتجربة وحرصا من أن لا يشوبها شوائب الحياد والابتعاد عن اختياراتها في إصلاح الواقع ومناهضة الفساد وممانعة الاستبداد.
أخالني قد أطلت عليكم في هذا التفاعل السريع مع مقالتكم، إلا أنه كان ولا بد رد “التحية” مهما كانت “بواحدة مثلها” أو “بخير منها”، إلا أني أكتفي بهذا القدر مخافة الإثقال عليكم.. وصلت الرسالة، ولعلكم قرأتم الرد بكل تجرد.. وتصبحون على أمة أصيلة ووطن عادل ومستقبل مشرق، إن شاء الله.
** عضو المكتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.