خالص جلبي يكتب: أجمل ما في المغرب..

13.12.05
بقلم خالص جلبي*
قالت لي الموظفة في قسم الأجانب بمدينة الجديدة في المغرب: هذه هي الأوراق المطلوبة كي نمنحك الإقامة؛ كشف الحساب البنكي، لا حكم عليه من الرباط، فحص طبي، ورقة التقاعد، ما يثبت أن هناك دخلاً يأتيك، ثم سكن تأوي إليه. لملمت الأوراق بسرعة، وفي الرباط جلسنا في غرفة مُريحة، وخلال دقائق أخذوا مني الأوراق. قالوا تعالَ بعد يومين لأخذ وثيقة أنك خالٍ من السوابق. تقدَّمت بمجموع الأوراق للموظفة؛ قالت لي الآن سنمنحك إقامة عشر سنوات. رئيس قسم المصلحة اسمه جميل (مفكر). قال لي المفكر: أنت مفكر؟ أنت مكسب لنا، ودماغك كفاءة تعدل عشرة جنرالات، نحن نرحب بالأدمغة، التفتَ إليَّ وقال لي بالمغربية عقلت على الهضرة (فهمت علي ما أقول؟)، قلت له نعم. قال سنعطيك بطاقة مثل المغاربة تماماً حال بحال؟ حال بحال في المغرب تعني أنني مُنحت بطاقة تُجدَّد مرة واحدة كل عشر سنوات مثل المغاربة لا أختلف عنهم في شيء، فهم -أي المغاربة- يجددون بطاقة أحوالهم الشخصية كل عشر سنوات، تحسَّستُ البطاقة المغناطيسية بيدي بشعور الامتنان! لقد قالوا لي أهلاً بك في بلدك! حياكم الله يا أهل المغرب على هذا الكرم والكرامة!

هل تعلمون ما هو أجمل ما في المغرب؟ ليس ماؤها النمير! ولا بحارها الشاسعة على امتداد 3500 كلم على المتوسط والأطلنطي.. ليس لحم البحار والأنهار التي يأكلون منها لحماً طرياً، ومنظر القطط الجميلة المرتاحة، ليس أنني تملكت بيتاً في أربعة أيام! فأصبح في جيبي صك الملكية، ليس سمك السردين الرائع وأنواع الحوت اللذيذ، ليست السماء الصافية الزرقاء، والنوم المنعش بوافر من الأوكسجين والسماء المرصعة بالنجوم فوق هامتك، والهواء المُنعش الرائع المدغدغ لجلدك، في درجة حرارة خلابة مُغرية على حافة المحيط، وحالة الارتخاء التي يعيشها البلد. كل هذا موجود في المغرب وأكثر منه!

إنه شعبها الطيب الذي لم أسمع منه سوى كلمة (شريف) لقب ينادون به السيد الذي لا يعرفونه، يحبون الأجنبي، يرحبون به، يدلونه على الطريق، يبني معهم الإنسان العلاقات بسرعة وأخوة وصدق، قوم شفافون غير مستكبرين، مُوَطَّأُون أكنافاً يألفون ويؤلفون، مكافحون من الطراز الأول، يعمل أحدهم لو اشتعل الرأس شيباً، والمرأة تعمل ولو كانت فقيرة بغير مذلة، بل باعتداد بنفسها وحضور قوي وواضح وفي كل مجال. تذكرت قوله تعالى عن أيوب (وآتيناه أهله ومثلهم معهم). لقد أكرمني الله بعد خسارة رفيقة حياتي أن أكرمني أهل المغرب بزوجتي المغربية الوزانية، وفوقها إقامة شبه مفتوحة، وبيت جميل على المحيط الأطلنطي، أسمع صخبه الهادر من فوق شرفتي آناء الليل وأطراف النهار، لكم الحب يا أهل المغرب حتى ترضوا!
*المفكر والكاتب العربي

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.