أسطورة التخويف من الإسلاميين… اللعبة انتهت


بقلم: مصطفى الخلفي

07-09-2011
مع اقتراب موعد الانتخابات التونسية صدر استطلاع رأي وضع حزب النهضة في المقدمة ب74 في المائة في معرفة المجتمع التونسي له متبوعا بالحزب الشيوعي ب24 في المائة، ومعه تحركت الآلية التقليدية في التخويف من الاكتساح الانتخابي للإسلاميين، وتبدأ نفس اللعبة التي ولدت في رحم التجربة التركية القديمة في سبعينيات القرن الماضي وتعافت منها اليوم إلا أن المنطقة العربية، وخاصة المغاربية منها، ما زالت ديموقراطيتها الهشة تأن تحت وطأتها.
ما يقع يذكر بالقاعدة “الذهبية” عند خصوم تيار المشاركة الإسلامية في مختلف دول المنطقة، أي قاعدة توظيف استطلاعات رأي تقدم نتائج “صادمة” بشكل استباقي، تفضي في نهاية المطاف إلى جعل النقاش الانتخابي نقاشا حول الإسلاميين ومخاطر فوزهم وسبل الحيلولة دون ذلك، لتبدأ بعد ذلك “كرة الثلج” التي تتضخم مع استمرار تدحرجها، حيث يتجه هذا المناخ السياسي نحو كيفية جعلهم في موقع دفاعي ومحاصرتهم في سجن ملفات سياسية وأخلاقية مفتعلة وجانبية، واستنزافهم لاحقا بقضايا هامشية تستغل فيها تصريحات ومواقف فردية من أجل ضرب عناصر القوة لديها، سواء تعلقت بمرجعيتهم أوبخطابهم أو بأداءهم الميداني أو بعلاقاتهم مع باقي الفاعلين، وبموازاة ذلك يتم تضخيم قضايا جزئية وتاريخية قديمة من أجل تجريم التقارب معهم من قبل الأطراف الحزبية واعتبار ذلك مصدرا لجلب الغضب المؤسساتي الداخلي والخارجي، لتصل في نهاية المطاف إلى تبرير سياسات الإقصاء والإضعاف وتأسيس نفسية القبول بالتهميش عند التيار الإسلامي والرضى بما تحقق في الانتخابات.
إنها اللعبة القديمة-الجديدة، يتغير الأشخاص لكنها نفس الوصفة سوى أنها اليوم أصبحت منعدمة الصلاحية، لم يعد أحد يصدقها مثل ما هو واقع حاليا في تونس التي صدر فيها استطلاع الرأي المشار إليه دون أن يخلف ما كان يقع في السابق من سعار سياسي استئصالي ضد الإسلاميين بتونس، أوفي مصر التي نزعت شوكة إرباكها عبر افتعال الصدام بين التيار الإسلامي وباقي القوى الوطنية أو في ليبيا التي أراد القذافي الهارب من عاصمته أن يتاجر بها لكنه فشل، وبعد هروبه تحركت الآلة المضادة للتخويف من سقوط ليبيا في يد القاعدة لكن دون جدوى، أما باقي الدول العربية كالأردن واليمن فلم تخرج عن هذا التحول، رغم أن ذلك شكل صناعة رائجة لعقود سمحت لبن علي تونس ومبارك مصر بالبقاء إلا أن سقوطهم اليوم كان إيذانا ببدء سقوط احد مرتكزات السلطوية في العالم العربي، ممثلا في أسطورة التخويف من الإسلاميين، والفرق بين دول المنطقة سيكون في توقيت هذا السقوط، بعد أن انكشف أن تضخيم قوة الإسلاميين مجرد فزاعة، وأنهم قوة من بين القوى الموجودة، أما الاكتساح فمجرد وهم.
بكلمة إنها لم تعد مقنعة أو مصدرا لجلب الدعم لسياسات التخويف من الإسلاميين داخليا، أما خارجيا فتكفي الإحالة على فرنسا التي شكلت لعقود أحد أسباب هذه الصناعة في المنطقة المغاربية أخذت تتحول نحو اعتماد سياسة التعايش مع الإسلاميين مخلفة يتامى سياستها السابقة من القوى المحلية في وضعية حيرة وتخبط، وتجربتها اليوم في بناء علاقة مع إسلاميي ليبيا صادمة للكثيرين، إلا أنها كانت متوقعة بعد أن صرح وزير خارجيتها آلان جوبيه قبل أشهر في ندوة معهد العالم العربي بباريس حول الحراك الديموقراطي العربي بأن لا مشكلة لفرنسا مع الإسلاميين، مع الإشارة إلى أن الندوة عرفت استضافة إسلاميين من مصر وتونس، بعد أن كان ذلك أحد طابوهات السياسة الخارجية الفرنسية.
باختصار فإن العالم من حولنا يتحول، وما كان يشكل استثناءا مغربيا أصبح القاعدة في المنطقة أما ما نراه في بلدنا من انحراف جزئي عن هذا التوجه، فليس سوى تجديفا ضد حركة التاريخ، يضعف بلدنا ولا مستقبل له، والخاسر فيه ليست هذه الحركة أو تلك، بل البلد ككل الذي يفقد قوة من قوى الإصلاح والتنمية وتعزيز الاستقرار وربح تحديات التحديث، فهل نستفيد من الدرس أم نترك بلدنا مستباحا لمغامرات تجريب وصفات بالية في التعامل مع الإسلاميين.

الموقع: عن التجديد

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.