عبد السلام بلاجي يكتب: الفتنة نائمة.. فمن يحمل وزر إيقاظها؟

25-01-14

طفت على السطح مؤخرا عدة قضايا، أحاول جاهدا أن أقنع نفسي بكونها “برئية ونظيفة” تمام “النظافة والبراءة” وأنها طفت دون دفع من أيادي خفية لبعض “شياطين الإنس” الذين يظهرون أحيانا بمظهر “الرفيق الأسبق” أو “الناصح الأمين” أو “المناضل الغيور”، ومما يجعلني لا أقتنع ولا أطمئن للبراءة والنظافة المذكورة، أن هذه القضايا أولا كلها مرتبطة بمكونات أساسية لهوية المجتمع المغربي، أما ثانيا فإن سنتنا هذه حاسمة في عدة استحقاقات وطنية وحكومية وانتخابية، وهناك من “الشياطين” من يريد “خدمتها وصنعتها” مسبقا بطرقه ومناهجه “المعهودة”، لخلط الأوراق و التحكم في تشكيل الخرائط الانتخابية قبل الأوان، دون حياء من “الاستثمار الشيطاني” لثوابت الأمة ومكونات الهوية، خصوصا وأن من السهل جدا على هذه “الشياطين” أن “توظف رفاقا” ذوي سوابق في العمل معها، أو “تستغفل دعاة” غيورين بواسطة “أخ غيور أو ناصح أمين”، وخصوصا إذا توالت هذه القضايا وتناسلت كالفطر في أسبوع واحد تقريبا، حيث تم “نبش” محاضرة قديمة لمفكر مرموق تضمنت نكتة عابرة لاتهامه بكراهية فئة من شعبه، مع أني لا أنصح بمثل هذه النكت، ولا “بتوظفها”، وإن كنت أعرف عفوية وبراءة قصد المحاضر المفوه، وتلاها “الإبراز” الإعلامي لمقولة زعيم سياسي حول بعض ثوابت الأمة ما كان المجتمع المغربي المسلم ليقبلها، ثم تصدي داعية معروف لتكفير الزعيم السياسي وهيئته وذوي نزعته الفكرية وبعض رموزها. ثم تلا ذلك كله “زخم إعلامي” شبه منظم.

فكيف يا ترى “أقنع النفس” أن كل هذا المسلسل “بريء وتلقائي”؟

لكني مع ذلك سوف أضغط على النفس “الأمارة” وأقنعها -ولو مؤقتا على الأقل- بتجاهل هذه التساؤلات، باعتبار إثارة هذه القضايا بريئة براءة الذئب من “التحريك والنصح والتوظيف” براءة “الذئب” من دم يوسف.

وبناء على ذلك، أطرح على نفسي وعلى كل من يقرأ هذه السطور التساؤلات “البريئة” التالية:

كيف تتحرك جمعيات وهيئات مدنية، ضد مفكر مرموق رغم أنه وضح كل حيثيات وظروف نكتة قديمة ألبست لباس “العنصرية”، ثم لا تتوقف عن تحركها أمام مقرات حزب سياسي، ورغم اعتذاره عن كل ضرر معنوي قد تكون “النكتة” التوضيحية تسببت فيه، وأوضح بما فيه الكفاية براءته من العنصرية المقيتة النتنة؟!

كيف تجرم وتحرم بعض ثوابت أمة بكاملها، من طرف زعيم يفترض فيه قيادة هيأته وأنصاره على احترام هذه الثوابت التي رسخت عبر القرون، وقننت عبر دستور صوت عليه الشعب؟،

ثم كيف يستسيغ داعية مسلم يفترض فيه الرفق بالخاطئين والمخطئين والمخالفين؟ تكفير حزب بأكمله وزعماء سياسيين وأفرادا بعضهم كتب عن القرآن وعلومه، وصام وصلى واعتمر وحج؟ والكل يعلم أن من أبجديات الدين “عدم تكفير أحد من أهل القبلة بذنب”؟ وأن الدعوة إلى الله حب ومودة ورحمة ورفق؟

ثم هل يمكن لزعيم حزب سياسي تاريخي بارز، أن يقوم تلقائيا بتجريم وتحريم معتقدات الأمة؟ وهو “يعلم يقينا” أنه بذلك يدين مجتمعا بأكمله ويستفز كيانه، وبأن هذا التصرف غير مقبول دينيا، وغير اجتماعي ولا سياسي ولا انتخابي، ولا حتى مبدئي؟ وأنه لا ينتج عنه شعبية ولا مصداقية، إلا لدى فئة يسيرة لا تسمن ولا تغني، وإنما ينتج فتنة لا داعي لها كالتي برزت بوادرها، وتحتاج إلى جهد ضائع مستقطع لإخمادها.

وهل يمكن أو يجوز لداعية مسلم ولو مبتدئ، فضلا عن أن يكون من الراسخين، يفترض فيه القيام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والتبشير بدل التنفير، أن يشهر سيف التكفير في وجه الخاطئين، بدل أن يدعوهم بالتي هي أحسن فإذا الذي له معه “عداوة أو خصومة فكرية أو غيرها “كأنه ولي حميم.

ثم هل يجوز لبعض الإعلام -لا كله- مرئيا ومسموعا ومكتوبا وإلكترونيا، أن ينفخ في النار ويقوم بتأجيجها، ويثير الرماد في قضايا أساسية لحساب هذا الطرف أو ذاك، دون مهنية ولا احترام لحق الرأي المخالف؟

من يريد ويسعى ويدفع لخلق معارك وهمية في سنة ذات استحقاقات حاسمة لخلط الأوراق وإرباك المشهد، تمهيدا لتحكم “جديد قديم” طالما حلمنا بالتخلص منه لبناء مغرب جديد، لا صلة له “بالممارسات القديمة”؟

من له المصلحة في شحن الأجواء، وتعكير الصفو، وبعث وتحريك ملفات “الإرهاب” كما حركت قبل عقد من الزمن، تمهيدا للدعوة لحل جمعيات وحركات وأحزاب؟ وربما “فتح” متابعات ومحاكمات وسجون ومعتقلات.

وفي الختام، ودون الجواب على هذه التساؤلات وغيرها، مما انتابني وسجلته أو غضضت الطرف عنه، فالذي يتبين لكل مغربي وطني غيور حقا أن خرق سفينة المجتمع في هذه الظروف وإحداث ثقب أو شرخ فيها، ليس من مصلحة مجتمع مغربي يشهد له البعيد والقريب بالاستقرار والسير في طريق الإصلاح ولو بخطى بطيئة.

وأنا هنا في هذا الموقع لا أعطي نصائح ولا مواعظ –وإن كان ذلك ليس عيبا في حد ذاته- لكني أقول:

على المجتمع المدني أن يترفع عن توظيف قضايا ثانوية مثل نكتة عابرة، قد تربك مسارات وطنية كبيرة وتؤثر على استقرار واستحقاقات وطنية، وتشوش على الإجماع الوطني على مكونات الهوية.

على القادة السياسيين وزعماء الأحزاب، عدم إقحام قضايا الثوابت ومكونات الهوية في الصراع السياسي. فذلك قد يحرقهم وينعكس سلبا على هيئاتهم وتوجهاتهم.

على الدعاة إلى الله لزوم منهج التبشير والرفق والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، فهم ملك لكل الأمة، وعليهم المعول مع العلماء في إصلاح ما يفسده الآخرون، وقديما قالوا: يا علماء يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد

على الإعلام الجاد، أن يتحرى المهنية والموضوعية في الخبر والتعليق ونقل وجهات النظر المختلفة. بدل تحري الإثارة في موضوعات لا تحتمل لإثارة والمزايدة.

على أصحاب “الأيادي الخفية وشياطين” إن لم يتقوا الله في هذا الوطن الذي ربوا لحمهم وشحمهم وراكموا ثرواتهم وبنوا وجاهتهم ونفوذهم من خيراته وعلى حسابه، أن يتحسبوا ليوم محاسبة عسيرة إن آجلا أو عاجلا،

فإما أن هؤلاء وأولئك يؤمنون بالله فينبغي أن يتقوا عذابه، أو يخافون من الشعوب فقط فليتقوا محاسبتها، وإما أنهم يحبون هذا الوطن أو ينظرون إليه كبقرة حلوب لا غير، وفي الحالين فإن عقاب الله شديد ومحاسبة الشعوب قاسية، فمن لم يتق غضب الله وكره الشعب، فعليه أن يتقي غضبة الشعب.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.