الحكومة لم تخرق الدستور أمام أعين المجلس الدستوري

14.02.03
نشرت يومية الصباح في عدد السبت فاتح فبراير الجاري مقالا للمحامي الطيب عمر بعنوان: الحكومة لم تخرق الدستور أمام أعين المجلس الدستوري، هذا نصه:
بقلم/ الطيب عمر*
تحت عنوان “الحكومة تخرق الدستور أمام أعين المجلس الدستوري” نشرت جريدة “الصباح” على الصفحة الثامنة من العدد 4284 الصادر بتاريخ 24/1/2014 “دراسة” لزميلي المحترم الأستاذ عبد الكبير طبيح، انتهى فيها إلى أن “المساهمة الإبرائية” التي تضمنها قانون المالية لسنة 2014 هي عفو شامل، كان من اللازم عرضه على المجلس الوزاري، قبل عرضه على البرلمان، إعمالا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وأن المجلس الدستوري لما اعتبر أن ذلك القانون ليس فيه ما يخالف الدستور، فإنه يكون قد سمح للحكومة بأن تخرق الدستور أمام أعينه، واعتبارا لكون ” قراراته – يضيف الزميل- لا تقبل أي طعن، فلا شيء يمنع من إبداء الرأي وفتح النقاش، لما فيه خير لتطوير اجتهاد المجلس ومؤسسات الدولة”.
من هذا المنطلق، الذي هو فتح النقاش، أستسمح صاحب “الدراسة” المذكورة في أن أخالفه الرأي، وأن أعتبر أن ما ذهب إليه غير صحيح، وأن الحكومة لم تخرق الدستور، ولم يسايرها المجلس في أي خرق.
ولأجل ذلك، لابد من التذكير بالوقائع، وبمرتكزات “الدراسة”، ثم الرد عيها على النحو التالي:

لأسباب اقتصادية ومالية وغيرها، اتخذت الحكومة قرارا سياسيا، ضمنته في قانون المالية لسنة 2014، مؤداه إحداث مساهمة إبرائية برسم الممتلكات والموجودات المنشأة بالخارج قبل فاتح يناير 2014، دون مراعاة القوانين المنظمة للصرف وللتشريع الجبائي من طرف أشخاص ارتكبوا مخالفات تتجلى في ملكيتهم بالخارج لعقارات أو أصول مالية وقيم منقولة وغيرها من سندات ورأس المال وديون، أو ودائع نقدية، دون أن يصرحوا بالمداخيل والحاصلات والأرباح وزائد القيمة برسم تلك الممتلكات.
وحتى يستفيد الأشخاص المذكورون من عدم تطبيق العقوبات الزجرية المتعلقة بمخالفات الصرف وبالمخالفات الجبائية، فقد وضع قانون المالية مجموعة من الشروط يتعين القيام بها داخل أجل سنة تبتدئ من فاتح يناير 2014، وتنتهي في متم دجنبر من السنة نفسها، تستهدف كلها التشجيع على جلب تلك الأموال، مع القيام في الوقت ذاته بأداء مساهمة إبرائية حدد القانون سعرها وطريقة اقتطاعها، كما وضع المشرع شروطا لمؤسسات الائتمان، وحدد إجراءات لعدم احترام أولئك الأشخاص أو تلك المؤسسات للشروط المبينة في قانون المالية.
أما الضمانات التي حددها المشرع، فهي أن “يستفيد الأشخاص المعنيون الذين اكتتبوا المساهمة الإبرائية من ضمان كتمان الهوية برسم جميع العمليات المنجزة في إطار هذه المساهمة ويستفيدون لهذا الغرض من مقتضيات الفصل 79 من القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها المشار إليه أعلاه، بما في ذلك اتجاه الإدارة.”
“ولا تجري أي متابعة إدارية أو قضائية بعد أداء مبلغ المساهمة الإبرائية برسم الممتلكات والموجودات المصرح بها ضد الأشخاص المعنيين سواء برسم المقتضيات التشريعية والأحكام التنظيمية للصرف أو برسم التشريع الجبائي.”

لذلك، فإن الأشخاص المعنيين بالأمر ملزمون بإيداع إقرار مكتوب يبين نوعية الممتلكات بالخارج، وأن يقوموا بجلب الأموال، وكذا المداخيل والحاصلات المرتبطة بها وبيع نسبة لا تقل عن 25 في المائة منها وجوبا في سوق الصرف بالمغرب، وملزمون بأداء المساهمة الإبرائية المحددة في 10 في المائة من قيمة اقتناء الممتلكات العقارية بالخارج، ومن قيمة اكتتاب أو اقتناء الأصول المالية والقيم المنقولة وغيرها من سندات رأس المال أو الديون الموجودة في الخارج، وأداء 5 بالمائة من مبلغ الموجودات النقدية والمودعة في حسابات بالعملة الأجنبية أو بالدرهم القابل للتحويل، و2 في المائة من مبلغ الموجودات النقدية للمغرب المرجعة والمباعة في سوق الصرف بالمغرب مقابل الدرهم؛
متى قام الملزمون بذلك، تبرأ ذمتهم من أداء الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات حسب الأحوال، وهذا هو الأثر الذي رتبه المشرع على احترامهم للشروط القانونية كما هو واضح من الفقرة رقم III/2.
ومعلوم أن من أنواع الإلغاء الصريح للقانون حالة “ما إذا كان سريان القاعدة القانونية” موقوفا بمدة معينة، بحيث تعتبر القاعدة ملغية بانقضاء هذه المدة (محاضرات في المدخل لعلم القانون ” نظرية القانون” للدكتور أنور سلطان، طبعة 1977 الصفحة 145)، وأن من حالات الإلغاء أو التعديل الصريحين أو الضمنيين صدور تشريع جديد ينظم موضوعا سبق أن نظمه تشريع قديم، فإن هذا التشريع الأخير يلغي ضمنيا التشريع الأول، وإن هو اقتصر على تعديله جزئيا، وجب احترام إرادة المشرع.

كما أن المعلوم هو أن القانون قد يوقف سير الدعوى العمومية نفسها لاعتبارات خاصة كالصلح بين الطرفين، ومن الأمثلة على ذلك، ما تنص عليه المادة 372 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الأولى من أنه” إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من أجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون، فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية، بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة، في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته، أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية… يمكن مواصلة النظر… إذا ظهرت عناصر جديدة”.
ومع التذكير بأن المخالفات المتعلقة بالصرف والمخالفات الجمركية تسقط الدعوى بشأنها بالمصالحة المبرمة بين الإدارة والمخالف، بل إن الدعوى نفسها لا تتحرك، كمبدأ عام، إلا بشكاية من الإدارة، فهذه الإدارة نفسها هي التي وضعت شروطا جديدة لتشجيع من يملكون أموالا بالخارج على إرجاعها إلى أرض الوطن.
إن قانون المالية لسنة 2014 قد وضع شروطا جديدة لتسوية مخالفات الصرف والمخالفات الجبائية، وحدد شروطا وآجالا لذلك، ونص في الفقرة رقم 4 على جزاءات منها أن الأشخاص المعنيين الذين لم يحترموا الشروط والواجبات المنصوص عليها في القانون يفقدون الحق في الاستفادة من تدابير هذه المساهمة ويبقون خاضعين للمقتضيات التنظيمية للصرف والتشريع الجبائي الجاري بها العمل.

فالأمر لا يتعلق بعفو شامل، بل بتخفيف شروط إنهاء المنازعات القضائية بين الإدارة والمخالفين لضوابط الصرف والضوابط الجبائية، وكل ذلك دون أن يزول عن الفعل طابعه الجرمي، مما لا مجال معه للكلام عن خرق الحكومة للدستور، بعدم مناقشة العفو الشامل داخل مجلس وزاري طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور.
الأموال الموجودة في الخارج قد يكون مصدرها مشروعا ومعلوما.. لكن، حيث إن الإطار القانوني للمناقشة ليس هو القانون الجنائي في مقتضياته المشار إليها كلها، فالفصل 1-574 وما يليه والمتعلق بغسل الأموال لا علاقة له بالموضوع، لأن الأموال الموجودة في الخارج، قد يكون مصدرها مشروعا ومعلوما، وليس بالضرورة أن يتصل بالاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية والمتاجرة بالبشر والجرائم الإرهابية وغيرها من الجرائم الخطيرة التي تضمنها الفصل 2-574 ، كما أن الفصل 262 مكرر ليس بالضرورة أن يجد له مجالا للتطبيق، لتعلقه بالأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات، نظرا للمهام التي يمارسونها أو النيابات الانتخابية التي يتولونها، وليس كل الناس من هذا الصنف، كما أن الفصل 299 يتعلق بعدم إشعار السلطة فورا بوقوع “جناية” أو الشروع فيها، والأمر في النازلة لا يتعلق بجناية، بل بمخالفات الرقابة على الصرف، وتكوين ممتلكات بالخارج، أو مخالفات جبائية وفقا لأحكام الظهير الشريف الصادر بتاريخ 5 ذي القعدة ( 30 غشت 1949).
 
القانون لم ينزع الطابع الجرمي عن الفعل للحديث عن عفو شامل..
للتأكيد، فإن القانون لم ينزع الطابع الجرمي عن الفعل، حتى يمكن الحديث عن العفو الشامل، بدليل نص الفقرة 2 من المادة 4 مكرر مرتين على أن المساهمة الإبرائية تهم الأشخاص الذين “ارتكبوا المخالفات”، بحيث إن المشرع يؤكد على أن المخالفة موجودة ومرتكبة، ونصت الفقرة رقم 3 على تحديد المراد بتلك المخالفات، بقدر ما يتعلق الأمر بتعديل مقتضيات تضمنها ظهير 30 غشت 1949 وهو الظهير الذي عدلته أكثر من مرة قوانين المالية المتعاقبة، كما عدلت مدونتي الضرائب و الجمارك.
ومن قبيل ذلك، ما نصت عليه المادة 8 من قانون المالية لسنة 2013 المنشور بالعدد 6113 من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 31 دجنبر 2012 من أنه “لا يتم تحصيل العقوبات والغرامات والزيادات وفوائد التأخير وصوائر التحصيل المتعلقة بالمرسوم والمكوس المستحقة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والتي بقيت بدون أداء إلى غاية 31 دجنبر 2012، شريطة قيام الملزمين المعنيين بأداء الرسوم والمكوس المذكورة قبل 31 دجنبر 2013 “.
لذلك، وبصرف النظر عن كون التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، يتم التداول بشأنها من طرف المجلس الوزاري طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، فلا وجود لمشروع قانون العفو العام حتى يتم النعي على الحكومة بأنها لم تسع إلى طرحه على المجلس الوزاري للتداول بشأنه.
*محامي بهيئة الدار البيضاء

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.