التليدي يكتب: خرائط حقوقية مربكة للعمل الحقوقي

14.03.11
بقلم/ بلال التليدي
أطلقت منظمة العفو الدولية فرع المغرب بمناسبة الاحتفال بالعيد العالمي لحقوق المرأة حملة للمطالبة بالحقوق الجنسية والإنجابية للمرأة. وهي بالمناسبة جزء من الحملة الدولية التي أطلقها المنظمة الدولية تحت شعار تحت “جسدي حقوقي” التي تسعى من بين ما تسعى إليه توسيع الأبواب القانونية للإجهاض، ورفع التجريم عن العلاقات الجنسية غير الشرعية، والدفاع عن “حقوق” المثليين…

والحقيقة أن المثير في الموضوع ليس هو مواقف منظمة العفو الدولية، التي تنحاز إلى تأويلات حقوقية خاصة في موضوع حقوق الجسد، فقد كانت هذه المنظمة تبدي مواقفها كلما أثيرت هذه القضايا، وطفت إلى سطح النقاش العمومي، بحيث كانت تغمر في بحر الأولويات الحقوقية الأخرى، ولا تأخذ في المغرب والعالم العربي أي حيز يذكر، لا في الزمن، ولا في المساحة ولا في سلم الأولويات.

الجديد اليوم، أن هناك تحولا كبيرا في التوجه، فلم يعد الأمر مجرد موقف عابر على قضية جزئية أثيرت مرة في السنة أو مرتين، ولكن الأمر تعدى ذلك إلى حملة دولية أفردت الحقوق الجنسية بالنضال الحقوقي، هكذا من غير وجود داع في سلم الأولويات يوجب ذلك، مع أن أطياف عديدة من الجسم الحقوقي الوطني يتحفظ على جعل الحقوق الجنسية من أولويات النضال الحقوقي في المغرب، بل وحتى الذين يباركون هذا النضال، يعتبرون الوقت لم يحن بعد لخوض هذه المعركة !

من زاوية حقوقية، يمكن أن تتم تغطية هذا الموضوع بكلام نظري معياري عائم، يعتبر أن منظومة حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، وأن النضال لانتزاع الحقوق الجنسية وإقرار حرية الجسد لا يختلف في شيء عن النضال لإقرار الحقوق السياسية والمدنية، لكن هذه التغطية لا يمكن أن تخفي وجود خرائط حقوقية يتم صناعتها بعيدا عن هموم النضال الحقوقي الوطني، إذ كيف يمكن لمنظمة حقوقية دولية، أنشئت أصلا، حسب تعريفها بنفسها، من أجل أن ترصد وتتابع وضعية حقوق الإنسان وتناضل من أجل تحسينها، أن تفرض عناوين حقوقية لم يتفق الطيف الحقوقي الوطني على جعلها أولوية للنضال الحقوقي على الأقل في هذه المرحلة.

نتفهم جيدا أن يكون لمنظومة العفو الدولية رؤيتها الخاصة للحقوق الجنسية، بل ونتفهم أيضا أن يتقاسمها بعض الناشطين الحقوقيين في المغرب نفس الرؤية، بل ونتفهم أن تقوم بحملات دولية من أجل تحسين وضعية حقوق الإنسان من نفس الزاوية التي تتبناها ولو كان لنا اختلاف معها في التأويل، لكن ما لا يمكن تفهمه، هو أن يكون موضوع هذه الحملات لا يمثل أي أولوية بالنسبة للنضال الحقوقي الوطني، لأننا سنكون أمام التغطية على معارك حقوقية حقيقية بافتعال معارك حقوقية وهمية، بل سنكون أمام خرائط حقوقية تصنع بعيدا عن ساحة النضال الحقوقي، يؤتى بها من هناك لتصير أولويات للنضال هنا.
نعم، نحن لا ننكر أن المطالب الحقوقية الجنسية تثار في المغرب، ولا ننكر أيضا أن هناك بعض الأطياف التي تثير حذف بعض المقتضيات الجنائية التي تجرم العلاقات الجنسية غير الشرعية، بل لا ننكر حتى وجود أصوات تدافع عن حقوق المثليين في المغرب، لكن هذه الأطياف وهذه الأصوات لا تكاد ترى أو تسمع إذا ما قيست بالنضال الذي يتوجه إلى الأولويات الرئيسة لحقوق الإنسان في المغرب.

إن أكبر ضربة يمكن أن تتلقاها حقوق الإنسان في المغرب هي أن تنحرف أولوياتها، وتبتعد عن النضال لإقرار حرية الرأي والتعبير والدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ على الكرامة الإنسانية وإقرار العدالة الاجتماعية وتوفير شروط والعيش الكريم، لتسقط في خرائط النضال الحقوقي الدولي.
في بلدنا المغرب، هناك معادلة ثقافية واجتماعية مختلفة، وإقرار الحقوق لا يمكن أن يكون خارج هذه المعادلة إلا أن يغيرها بمنطق بيداغوجي، وفي الحالتين معا، حالة احترام شروط هذه المعادلة، أو حالة العمل على تغييرها، فإن النضال الحقوقي يشتغل بعيدا عن الخرائط المعدة خارج شروط الواقع الذي نعيشه.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.