الغنوشي: نجاح التونسيين يكمن في توافقهم

14.03.24
أجرت يومية التجديد في عدد الجمعة 21 مارس 2014 حوار مع راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية حول الوضع السياسي الذي تمر منه تونس بعد الثورة التي انطلقت من هذا البلد، وأجرى الحوار محمد لغروس. هذا نص الحوار:
 
– تعتبر تونس، مهد الربيع الديمقراطي، نموذجا لنجاح الثورة في بناء المؤسسات والإحتفاظ بمكاسب الثورة، ما سر هذا النجاح؟
برهنت تونس بفضل الله على قدرة متفردة على الإبتكار ثم حماية ما ابتكرت. لقد شهدت تونس نموذجا خاصا في التغيير عبر ثورة سلمية ديمقراطية سرعان ما أسقطت رأس الفساد والإستبداد. وكان ينبغي لهذه الثورة أن تتحول من الشارع إلى مؤسسات الدولة والمجتمع، حتى تحمي وجودها وتستمر في تحقيق أهدافها. نجاح التونسيين يكمن في توافقهم حول الجمع بين التغيير العميق الذي تقتضيه الثورة والمحافظة على الدولة ومؤسساتها.
 
بالنظر إلى الدور المحوري الذي لعبه التفاوض والحوار على قاعدة التوافق في نجاح الثورة التونسية في ورش بناء المؤسسات، ما هي الفلسفة التي حكمت حزب النهضة في تدبير هذا الورش؟
كنا واعين أننا نبني مؤسسات الدولة في إطار سياسي مخصوص وهو مرحلة انتقال ديمقراطي تعريفها الرئيسي أنها مرحلة تأسيس نتخلص فيها من أغلال الدكتاتورية ونبني مؤسسات الديمقراطية وثقافتها برفق، وهذا أظهر حاجة التونسيين للحوار والتوافق كقاعدة تعايش وفرت للفرقاء السياسيين فرص اكتشاف المشتركات وتوسيعها. إن فلسفتنا تقوم على التركيز على المشترك وتوسيعه في اتجاه ضمان وحدة وطنية حول الثورة.
 
في سياق هذا التوجه الإيجابي لاستحقاقات الثورة التونسية، كيف يمكن تقديم المشهد التونسي الحالي في ظل تحديات أخرى تتعلق بالتهديد الإرهابي والإكراهات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها؟
بعد استكمال الحوار الوطني، وتوفقنا لتجاوز الأزمة السياسية، يبدو المشهد التونسي مقبلا على مرحلة حراك سياسي عميق تبدو علاماتها في شروع الأحزاب والفاعلين السياسيين في الإعداد للانتخابات، أي أن الجميع متجه للمستقبل وليست التهديدات الإرهابية والإكراهات الاقتصادية والاجتماعية سوى تحديات ينبغي مواجهتها ووضع الإستراتيجيات الوطنية للتغلب عليها.
 
أشرتم أكثر من مرة إلى وجود جهات داخلية وخارجية تتربص بالانتقال الديمقراطي بتونس، هل مازال هذا” التهديد” قائما؟ وما طبيعته وطبيعة الجهات الواقفة وراءه؟
لا شك أن تجربتنا في تونس تشد إليها الانتباه خاصة بعد النجاحات الأخيرة التي توجناها بإصدار الدستور وتخلي حكومة الترويكا لصالح حكومة توافقية محايدة. هذه النجاحات تجعل تجربتنا محل إشادة وموضع استهداف. الدولة وحدها قادرة على تحديد مصادر التهديد، والتهديد لا يزال قائما ولكنه بصدد الانحسار.
 
هل تجربة تونس اليوم في مأمن من الثورات المضادة، وكيف ذلك؟
كل ثورة تنتج متضررين من قيامها ومن بين هؤلاء المتضررين تتكون القوى المضادة للثورة. هذه القوى لا تيأس ولا تستسلم بسهولة. منهج الحوار والتوافق الوطني يحاصر القوى المضادة للثورة ويدفع بلادنا نحو تأمين مسار الانتقال الديمقراطي.
 
من المؤشرات السياسية الدالة على نجاح مشاركة النهضة في التدبير الحكومي ذلك التماسك بين مكونات تحالفاتكم السياسية رغم الجدل والاختلاف حول عدة قضايا، هل من قراءة تبرز دور النهضة في ذلك، ودور رئيس الدولة السيد المرزوقي؟
عندما تشكل الإئتلاف الثلاثي للحكم، (الترويكا)، كان ذلك صادرا عن قناعتنا بأن تونس يجب أن تحكم بديمقراطية تشاركية توافقية. لقد دفعنا حرصنا على تحقيق تلك التشاركية إلى الدعوة إلى توسيع قاعدة الحكم عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية. كنا، ولا نزال، نرى التشاركية، وبالخصوص بين تيارات ايدولوجية تصارعت طويلا مثل التيار الإسلامي والتيار العلماني.هذا النوع من التشارك يمثل شرطا لنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي المتعثر أو المتردي في تجارب الربيع العربية وضمانا لاستقرار الأوضاع. ولذلك تركز عملنا على المحافظة على الترويكا في وجودها وتماسكها. الحكم الائتلافي المتعدد من أصعب أنواع الحكم وقد أقدمنا عليه إيمانا منا بحاجة تونس إليه وقد نجحنا بفضل الله في الاختبار وهذا النجاح مفيد لتونس، خصوصا وأن المستقبل المنظور يؤكد حاجة التونسيين لاستمرار الحكم الائتلافي. الدور الذي لعبته حركة النهضة لإنجاح تجربة الترويكا عاضده دور مشابه له ومنسجم معه من طرف شريكينا في الحكم وكان دور الرئيس المرزوقي بارزا ومحددا وكذا دور الرئيس ابن جعفر.
 
تونس اليوم مقبلة على استحقاقات انتخابية متعددة، كيف تنظرون إلى حظوظ النهضة فيها؟
بعد إنجاز الدستور وتركيز الهيئة المستقلة للانتخابات والتوافق على الحكومة يتجه التونسيون نحو الاستحقاق الانتخابي قبل نهاية السنة وهو محطة ضرورية للتنافس السياسي وتقديم البرامج والبدائل. حركة النهضة انطلقت في استعداداتها الأولية بدءا بمراجعة أوضاعها الداخلية مع الانتباه الكامل والمستمر للساحة السياسية وتفاعلاتها وحركيتها. النهضة حزب يحمل صفتين رئيسيتين، هي حزب كبير ومسؤول، وحظوظها في الانتخابات المقبلة متعلقة بهاتين الصفتين، ولذلك سنعمل إن شاء الله على أن يكون حضورنا في المؤسسات المنتخبة متناسبا مع إمكانياتنا وموافقا لمسؤوليتنا في تكريس الإدارة التشاركية للدولة في مرحلة انتقالية ستحتاج لقاعدة حكم واسعة لمدة طويلة.
 
تختزل تجربة النهضة في الحفاظ على مكتسبات الثورة والعمل على تحقيق أهدافها في عبارة “التنازلات”، ما هي أهم تلك التنازلات التي قدمتها النهضة وما فلسفتها وخلفيتها، وهل هي مجرد تكتيك سياسي؟
نحن لا نحس بالحرج من تقديم تنازلات إذا كان من نتنازل له هو بلدنا وما نتنازل من أجله هو الاستقرار والسلم والديمقراطية في بلادنا. السياسة في بعض تعريفاتها فن الممكن أي فن التأقلم مع الإكراهات، ونحن نعتبر أن كل الأطراف السياسية التونسية واجهتها إكراهات أثرت في سياساتها وخياراتها. لعل أهم تنازل أقدمت عليه حركة النهضة والترويكا الحاكمة هو التخلي الطوعي عن الحكومة المنبثقة عن الانتخابات لصالح حكومة توافقية مستقلة. يبدو التنازل كبيرا ولكن المكسب الذي تحقق أكبر. والمقارنة بين ما يحصل في تونس وما يحصل في بعض بلدان الربيع العربي تبين أن تنازلات النهضة جنبت بلادنا الفوضى والعنف وربما الجوع أيضا، وأقام قطار تونس مجددا على سكة الديمقراطية، وذلك مكسب لتونس وللنهضة معا، بل للإسلام السياسي ولكل أنصار الحرية والديمقراطية. إن فلسفة حركتنا تقوم على أن تحقيق الاستقرار وتمكين البلاد من إنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية ومحلية حرة وشفافة ونزيهة وتوفير شروط مشاركة الجميع في الانتخابات واعتراف الجميع بنتائجها، فلسفتنا تقوم على أن تحقيق كل ذلك لتونس جدير بأن نقدم تنازلات من أجله دون أن يكون تكتيكا ولا مناورة.
 
هناك من يعتبر أن الدستور الحالي عرف نوعا من التقزيم لمستوى حضور الشريعة الإسلامية به سواء كمصدر للتشريع أو كحاكم لعدد من البنود خاصة ذات الصلة بالمرأة، كيف ترون ذلك؟
الذين يعتبرون الشريعة مرادفا للعقاب أو بعض المباحات المتعلقة بالأحوال الشخصية هؤلاء وحدهم يعتقدون أن الدستور التونسي قزم الشريعة الإسلامية ويبالغ البعض إلى حد وصفه بالدستور العلماني، وفي ذلك تجن على النص الدستوري وعلى الجهد الذي بذله أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وتجن على جهود النخب السياسية والعلمية والمدنية التي ساهمت في إصدار دستور تؤكد ديباجته وفصله الأول وفصول أخرى على هوية دولة تونس العربية الإسلامية عقيدة وثقافة وقيما وبالنتيجة مصدرا لكل سياسة وتشريع ضرورة.وليس هذا بالأمر المستحدث فلقد كان الإسلام على تنوع واختلاف مدارسه الفقهية الإطار العام الذي تحركت في إطاره القوانين التونسية، والقانون في كل ديمقراطية يعبر ضرورة عن الاتجاهات الثقافية والقيمية والمصالح العامة للشعب المعني بالتشريع ، لا يمكن أن تتنكب عنه، غير أن هذا الدستور ليس دستور حزب وإنما هو دستور شعب عبر توافقات نخبه الأساسية والخيارات التي تحقق التعايش في بلد متأصل في تاريخه ودينه وحضارته ومنفتح على مكاسب الحضارة الإنسانية وحقوق الإنسان. نحن مقتنعون أن الإسلام لا يتعارض ولا يمكنه أن يتعارض مع الحرية والعدالة والمساواة والوحدة والسماحة والرحمة وحفظ مصالح العباد نهاية، وهي المقاصد الأساسية التي من أجلها جاء الإسلام وبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
 
أكدت في مقالات عدة أنه لا بديل عن الحوار سبيلا، كيف أمكنكم تثبيت هذا المبدأ أمام كل تلك التصدعات والفوضى أحيانا والتوترات التي بلغت حد الاغتيالات وإراقة الدماء؟
في سنة 2013 شهدت تونس بروز ظواهر التشدد الديني والفوضى الاجتماعية والاغتيالات السياسية. كان يراد لها أن تلعب دورا سياسيا بدءا بدفع الأزمة في البلاد إلى أقصاها وانتهاء بإسقاط الحكومة الشرعية التي تقودها النهضة. لم يكن أمام التونسيين سوى حلين: إما تجاهل الأزمة بأبعادها المختلفة، الاقتصادية والسياسية والأمنية، والذهاب بالبلاد نحو مناخات الفوضى والمجهول، أو العمل على خفض التوتر السياسي والاجتماعي وإيجاد أطر وطنية للحوار تسمح للجميع بالمشاركة في رسم مستقبل البلاد. كنا في حركة النهضة مقتنعين بالحل الثاني وعملنا على تحقيقه وتحملنا مسؤولية الإقدام على تنازلات رآها البعض قاسية ورأيناها تضحيات ضرورية للمحافظة على وحدة البلد وعلى مناخات السلم فيه من أجل إنجاح المسار الانتقالي والوصول بتونس إلى الانتخابات في أفضل الظروف وأسرع الأوقات. ومن ذلك قبولنا بالحوار مع زعيم “نداء تونس” وتوقيعنا على خارطة الطريق رغم استبشاع ذلك من قبل قطاع واسع من الرأي العام داخل النهضة وخارجها، كان لذلك أبلغ الأثر في انطلاق الحوار الوطني وتهدئة الأوضاع في البلاد ووضع قطار تونس مجددا على سكة الديمقراطية.
 
كيف تلقيت شخصيا التهديدات بالقتل التي أخبرت بها من طرف أكثر من جهة، وهل تعتبرها جدية؟
التهديدات التي تلقيتها كانت جدية، وقد اقتضت اتخاذ الجهة الأمنية بعض الاحتياطات الأمنية الإضافية. لا شيء ينقص من العمر لأن الأجل بيد الله، وما أصابنا ما كان ليخطئنا وما أخطأنا ما كان ليصيبنا. قد تكون بعض دوافع التهديدات التي تعرضت لها متعلقة بمواقف من الإرهاب، ولكن الدافع الرئيسي يظل إرباك الأوضاع السياسية وإفشال مسارات الحوار والتوافق التي لعبت فيها حركة النهضة دورا رئيسيا.
 
المشهد العام لدول الربيع الديمقراطي وما يعرفه من انتكاسات وثورات مضادة وصراعات دموية، وغير ذلك يقوي جهة اليأس من تمكن “الربيع الديمقراطي” فيها. كيف تقرؤون الوضع؟
نحن نريد أن نكون موضوعيين. سنة 2011 شهدت موجة شعبية عالية وواسعة في المنطقة العربية مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية، وكانت النجاحات الأولى سريعة وصادمة في نفس الوقت. فقد سقطت أنظمة استبدادية لم يكن أحد يتوقع تلك السهولة في سقوطها وصعدت إلى الحكم نخبة جديدة في رصيدها سنوات طويلة من النضال ضد الدكتاتورية ويستند الطرف الرئيسي في هذه النخبة الحاكمة الجديدة إلى المرجعية الإسلامية. لا شك أن وصول الإسلاميين إلى الحكم عن طريق الديمقراطية ومن ذلك ما حصل في المغرب الشقيق يشجع أعداء الديمقراطية، على إفشال التجربة ودفعها نحو الانتكاس. إن يأس بعض الأطراف الهامشية من الوصول إلى الحكم عن طريق الاختيار الشعبي الحر هو ما يدفعها إلى إشاعة الاضطراب والفوضى حتى تهتز الثقة في الحرية ويزيد اليأس من الديمقراطية. المهم في كل ما يحدث في منطقتنا هو أن “الربيع الديمقراطي” صنعته الشعوب، والشعوب لا تيأس حتى وإن طال الطريق أو اعترته الصعوبات.
 
كيف تنظر للتجربة السياسية بالمغرب، خاصة تدبير حزب العدالة والتنمية لسنتين من قيادة النسختين الأولى والثانية من الحكومة؟
في المغرب تجربة ديمقراطية تترسخ قدمها في الثقافة والمؤسسات المغربية. تجربة حزب العدالة والتنمية في قيادة حكومة ائتلافية تجمع بين مرجعيات مختلفة، إسلامية وعلمانية، فيها وجه شبه مع تجربة ائتلاف الترويكا في تونس، بل أوسع. وحزب العدالة والتنمية في قيادته لحكومتين متتاليتين قدم دليلا جديدا على قبول المغاربة به كحزب وطني قادر على جمع القوى السياسية والتشارك معها في الحكم، وعلى استعداد الإسلاميين المغاربة وقدرتهم على القيادة السياسية للدولة، بلا إقصاء ولا هيمنة، وقدرتهم على وضع بلدهم وشعبهم على سكة التقدم والتنمية. وأوضح أن صورة المغرب كما تبدو لنا من الخارج توحي بالاستقرار والتطور الديمقراطي والتنموي والتعايش بين المختلف والانسجام بين العرش والديمقراطية الإسلامية.
 
كيف تنظرون إلى مستقبل إتحاد المغرب العربي في ظل التطورات في المنطقة؟
المغرب العربي إقليم متجانس، ومستقبل بلدانه مرتبط بمدى سرعة سيرها صوب وحدة دوله تعبيرا عن وحدة شعوبه، وهذا متوقف على مدى قدرة تجاوز أقطاره المصالح الضيقة تحقيقا للمصالح المشتركة وتجاوزا للأخطار المشتركة كالتنمية والرفاه لشعوبنا، وليس أمامنا سوى تجاوز المشكلات والمعوقات والاتجاه نحو فتح الحدود أمام المواطنين والبضائع وبعث السوق المغاربية المشتركة، ويأتي الإرهاب وفوضى السلاح والجريمة المنظمة والعابرة للحدود على رأس الأخطار المشتركة التي يجب توحيد الجهود والخطط لمواجهتها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.