الأندلوسي يكتب: القطب محمد قطب .. مسيرة دعوة ونضال داعية

14.04.07
بقلم: نبيل الأندلوسي*
محمد قطب..كان الموعد يوم جمعة مبارك، يوم تخلصت فيه روح طاهرة من سجن المادة والطين، وحلقت في سماء الأنوار والأشواق والنظر اليقين.
نعم كانت جمعة مباركة، إن شاء الله، لروح شيخ مرشد، تدرجت في ملكوت السماء .. حيث يتحقق اللقاء والسمو والكشف والارتقاء.
كان الشيخ محمد قطب إذا في موعد مع ملك الموت يوم الجمعة 4 جمادى الثانية 1435 الموافق لـ 4 أبريل 2014، وصلني الخبر المجلجل بصوت ندي “لقد مات محمد قطب”، فتزاحمت الصور بذاكرتي، ما بين أغلفة كتبه التي قرأتها، والمتضمنة لأفكار ومعان وكلمات كتبت بمداد الروح، وما بين صورة الشهيد سيد قطب، أخ محمد قطب ومعلمه، وهو يعدم من أجل كلمة “لا إله إلا الله” و”الجهر بكلمة الحق في وجه الظالمين”، ثم حضرتني معاناة عموم آل قطب من أجل الدعوة ونشر كلمة الحق، ومابين موعظة الموت ومشيئة الله والرضا بقضائه وقدره ومنطق الحياة وقسوة خبر انتقال أحد رواد وشيوخ الحركة الإسلامية الربانيين إلى دار البقاء، يزيد اليقين بأنه يكفينا الموت واعظا في أجمل اللحظات التي قد تأسرنا في هذه الحياة، فيهمس مذكرا بأنه قادم وبأنه نهاية المحطة الأولى، فطوبى لمن حمل معه زادا كافيا يغنيه، وقلبا نقيا يحميه، وعملا متقبلا ينجيه.

الموت يذكرنا مرة أخرى، من خلال الشيخ القطب العلامة المجاهد، الذي أفنى حياته من أجل أن يذكرنا، بأن لحظة الرحيل قريبة تنتظر، وبصيغ مختلفة يقول لنا الموت ما قاله الشاعر يوما “كل ابن أنثى وإن طالت سلامته.. يوما على آلة حدباء محمول”، فطوبى للعاملين الصادقين الماسكين على الجمر، الغرباء في “زمن الغربة”، السائرين على درب الصلاح والإصلاح.
انتهت مهمة محمد قطب على هذه الأرض بعد مسيرة من التضحية والابتلاء والدعوة والسجن والكتابة والتربية والسير على درب الصادقين، وإتقان مهمة الاستخلاف كما أرادها رب العزة، نحسب شيخنا كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، سبحان وتعالى علام الغيوب وتفاصيل دقات القلوب.
هذه هي خلاصة الحياة، رحلة تنتهي لتبدأ رحلة أخرى في سياق آخر مختلف، لكنه سياق مرتبط بأحداث الرحلة الأولى، كأنه انعكاس ما وبطريقة ما لهذه الأخيرة.
لقد ترجل الشيخ محمد قطب من صهوة جواد أبيض، والتحق بالرفيق الأعلى حيث ملكوت الله المحجوب عن دنيا الناس مشاهدةً، والمعلوم علم اليقين إيمانا واعتقاداً، حيث الوعد الحق والعالم الآخر، حيث يرتاح المؤمنون الصادقون من كدر هذه الدنيا الفانية.

رحل محمد قطب، سليل آل قطب، الداعية المربي، والشيخ المعلم، والأديب المبدع، والشاعر المؤلف، والمجاهد الصابر، والحكيم المتزن، والإنسان الإنساني والمفكر الإسلامي والقطب الرباني، بعدما علم ونصح وتألم لآلام أمته، فكان بذلك “العالم العضوي” المرتبط بهموم الدعوة مناضلا وداعية.
كان محمد قطب رجل المبادئ الذي يعالج أمراض الواقع بحنكة وتبصر، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويركز على تربية الأجيال تربية إسلامية شاملة وفق منهج رباني تتحقق من خلاله عبادة الإنسان لخالق الأكوان سبحانه وتعالى، وفي هذا يقول، وتحديدا في تقديم الطبعة الثالثة من كتابه منهج التربية الإسلامية في جزئه الأول، “في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البشرية، الفترة التي يصل فيها الفزع إلى غايته، والقلق إلى أقصاه .. يتبدى واضحا إلى أي مدى تخبطت البشرية حين شردت عن الله وعن منهجه للحياة.. لقد تخبطت البشرية ما بين عبادة العقل وعبادة المادة، وعبادة الحتمية التاريخية والحتمية الاقتصادية والحتمية الاجتماعية.. إلى آخر هذه الآلهة المزعومة التي يعبدها الناس في هذا الجيل ليهربوا بها من عبادة الله!  .. فكانت الشقوة التي تفسد الأعصاب والنفوس، وكان العذاب الذي يمس الأفراد والجماعات، وكان الفزع الدائم من الدمار الرهيب ! .. وليس للبشرية علاج من هذه الشقوة المفسدة والعذاب المفزع إلا أن تعود إلى الله، لتجد الأمن والرعاية في حماه، وتجد التوجيه الراشد في منهجه للحياة”.
أما في كتابه “في النفس والمجتمع” فقد دافع الشيخ عن شمولية الفكرة الإسلامية المتمركزة حول الفرد والمجتمع في علاقاتها التفاعلية، والتي تشمل مختلف نواحي النشاطات الفردية الاجتماعية وتغيرات النفس الإنسانية بما فيها من زلل وصواب، من إيجابية وسلبية لتتلاقى في نقطة مشتركة بهدف بناء مستقبل أفضل قائم على الهدى والصلاح والتقوى والفلاح.

لقد ترك الشيخ محمد قطب وراءه حديقة من الكتب الفواحة، كلما تأملت منها زهرة إلا وأخذك الشوق لما تبقى من ورود، ومن هذه الأزهار التي لا يكاد عنوان من عناوينها يخلو من كلمة “الإسلام” أو ما اشتق منها من كلمات ومعان، نذكر على سبيل الذكر لا الحصر “هل نحن مسلمون”، “جاهلية القرن العشرين”، “معركة التقاليد”، “حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية”، ” دراسات في النفس الإنسانية”، “منهج الفن الإسلامي”، “الإنسان بين المادية والإسلام”، “شبهات حول الإسلام”، “دروس تربوية من القرآن  الكريم”، “معركة التقاليد”، “العلمانيون والإسلام”، “قضية التنوير في العالم الإسلامي”، “من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر”، “كيف نكتب التاريخ الإسلامي”، “رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر”، “المسلمون والعولمة”، “هذا هو الإسلام”، “المستشرقون والإسلام”، “لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة” وغيرها من أزهار وورود زينت حديقة الصحوة الإسلامية المباركة.
 لقد جعل الشيخ من “لا إله إلا الله” عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وعمل من أجلها وضحى في سبيلها، فاللهم ارحمه برحمتك الواسعة وارحم والدينا وأحبتنا وجميع المسلمين، واجعل الشيخ يهنأ بجنة الفردوس وبصحبة الصادق الأمين، آمين، واجعله ممن يفرحون بوعد الله في الدار الآخرة، وممن يفرحون في ذات الوقت الذي يبكيهم فيه الأهل والمقربون من أحبة ومخلصين.
وعزاؤنا واحد أبناء الحركة الإسلامية في وفاة شيخنا القطب العلامة محمد قطب، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
*الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بالحسيمة

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.