الأخ الأمين العام في استجواب مع أسبوعية “المشعل”

لن نصمت إذا ما تم التدخل في الانتخابات أو إذا هوجم حزبنا تحت أي ضغط


أكد الأخ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران  أن حزب العدالة والتنمية،  قدَّم الكثير من إشارات الطمأنة لمختلف الفاعلين السياسيين منذ نشأته، مؤكدا في استجواب مع أسبوعية “المشعل” في عدد الأسبوع الجاري، أن حزب العدالة والتنمية، لن يصمت إذا ما تم التدخل في الانتخابات أوإذا هوجم حزب العدالة والتنمية تحت أي ضغط، وفيما يلي النص  الكامل للاستجواب :

استجوبه / عبد العزيز كوكاس

– العدالة والتنمية يريد الحكومة بأي ثمن، هذا ما يستنتجه القاصي والداني من سلوكات حزبكم وتصريحات قياداته في الآونة الأخيرة، نريد أن نتبين هذا الأمر من خلالكم؟
+ لا أعتقد أن حزب العدالة والتنمية، خصوصاً في ظل الأمانة العامة الحالية، يعاني من أي عقدة، لسنا هواة للمعارضة إلى الأبد، لكن لا نستعجل الحكومة، لذلك نحن لا نريد الحكومة بأي ثمن، عندنا هدف واحد وهو أن تمر الانتخابات القادمة بطريقة نزيهة، وأن ينجح الحزب الذي يختاره الشعب من خلال صناديق شفافة في اقتراع نزيه لكي نقطع مع سلوكات الماضي، ولكي نقول كفى! لقد مررنا من مرحلة الاضطرابات وانفتح أمامنا المستقبل على أفق جديد، نحن مستعدون كأمة أن نعالج ما فيه من صعوبات، لكننا غير مستعدين أن نُعاني من ارتباكات تُعرِّض بنية النظام والبناية التي نسكنها جميعاً للأخطار والزلازل، والتي لا يمكن أن تكون عواقبها معروفة الآن، لسنا في مصر ولا في تونس، تونس يمكن ضبطها ربما، ومصر ألفت الحكم المركزي منذ آلاف السنين.. المغرب دولة استثنائية ولها خصوصية وتحتاج إلى توافق حقيقي بين مختلف القوى، والتوازن الذي نعيشه اليوم لا يمكن المغامرة به، نحن نعتقد أن هذه الانتخابات يجب أن تُحضر بخلفية البحث عن استقرار المغرب وليس بهدف فوز هذا الحزب أو ذاك.. رغم ما يقال لنا وما يقال حولنا وما نشعر به في الخفاء!
أولا حزبنا هو حزب معارض، طبعا جاء حزب آخر يعارضه في المعارضة ولكن الآن انكشف الغطاء، وظهر أن الأمور إن لم تكن مخجلة فهي مُضحكة.. إذن نحن حزب معارض، من الطبيعي بعد هذه السنوات الطويلة من المعارضة البنَّاءة والمنتجة لحزب العدالة والتنمية الذي كان يضع دوما مصلحة المغرب فوق مصلحته الذاتية، وبعد هذا الحراك الذي يعرفه العالم العربي، من الطبيعي إذن أن يتشوَّف حزبنا لأن يكون هو الحزب الأول بعد الانتخابات، في العادة لا يعود حزب، سبق أن تحمل مسؤولية تسيير الشأن العام، إلى الحكم مرة أخرى إلا في الحكومات التي تكون قد نجحت نجاحا باهرا، لأن مسؤولية الحكم تُضعف وتنهك وتُظهر في الحزب الأخطاء والعيوب، لهذا كان خصومنا يقولون استنادا إلى استطلاعات للرأي – الله أعلم على أي خلفية أُجريت، يقولون إنكم ستكونون الحزب الأول، والآن يقول الاستقلاليون هم الذين سيفوزون بالانتخابات، وهنالك من الأحزاب الأخرى من يقول إنه سيفوز بالمرتبة الأولى، هذا أمر طبيعي، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.. لكن لماذا حين يتكلم حزب العدالة والتنمية ونقول إن شاء الله سنفوز بالانتخابات، تقوم الدنيا ولا تقعد.. وكأننا لسنا حزبا عاديا، وليس من حقنا الطموح إلى المراتب الأولى!

نحن لا نريد مقعدا لا نستحقه!

– (مقاطعا) يعني تريدون تناوباً على السلطة على شكل “آمولا نوبة”؟
+ ليس كمن اتفق مع أصدقائه من قبل على دوره الذي حان فتواطأ معهم على التناوب، بل عن طريق نتائج صناديق اقتراع شفافة.. قبل بضعة شهور أي قبل الربيع العربي، كان الناس يتحدثون عن حزب الأصالة والمعاصرة الذي اكتسح كل شيء بأساليب الباطل، وأنه هو من سيفوز بقوة الأمر الواقع لا بصناديق الاقتراع.. لكن لما جاء وقت الجد واضطربت الأوضاع القديمة سقطت كل الحسابات السابقة، فحزب العدالة والتنمية باعتبار طريقة ممارسته للسياسة، والتي أعتز أن أقول إنها تتميز بالجدية، أثبت أن له وزناً في المشهد السياسي لأنه يتحمل مسؤوليته السياسية كاملة ويتصور المراقبون والمحللون أنه قادر على أن يقود الحكومة المقبلة أويشارك فيها، المهم عندنا الآن هو أنه إذا كان حزبنا يستحق المرتبة الأولى فيجب أن يأخذها وألا تُهَرَّب إلى غيره وإن لم يكن يستحقها ومن صناديق اقتراع شفاف ونزيه.. فنحن لا نريدها، أي أنه إذا حاول أحد ما أن يدعمنا من أجل الحصول على المرتبة الأولى، فنقول له من الآن: “ابتعد عنا، النجدة النجدة… (Au secours) نحن لا نريد مقعدا لا نستحقه!”

– لكم تجارب سابقة غير ودية مع السلطة مع كل انتخابات، أتذكر سنة 2002 كان لكم اجتماع مع جطو بصفته وزيراً للداخلية آنذاك وقال لكم يجب التفكير في تقليص عدد المقاعد وقال لكم بالعبارة: “بلا ما تْقَذْفوا الموجة جايباكم جايباكم”، في 2003 كانت هناك ظروف استثنائية بعد 16 ماي وانعكاساتها على حزبكم، الآن قمتم بأخذ مسافة بينكم وبين حركة 20 فبراير، أعطيتم ما يشبه شيكا على بياض في مسألة القبول المسبق بالدستور، أيضا بحثتم هنا وهناك عن أطر اقتصادية ليبرالية لاستدماجها في حزبكم… هل يدخل هذا كله في إطار تقديم رسائل حسن النية؟
+ حين يكون الواقع السياسي موبوءاً ومثقلا بمنطق الحسابات الذاتية وبالصفقات السرية، يصبح الحزب الذي يتصرف بنية حسنة لصالح بلده – في ورطة حقيقية، كيف سيبرر سلوكه أمام الرأي العام؟
تقليص مشاركتنا سنة 1997 كان قرارا ذاتيا، وفي سنة 2002 تدخل السيد جطو ليس في القرار ولكن في الشكل، بطريقة حبية، في عدد الدوائر التي كنا ننوي الترشح فيها، كان يقول لنا يجب ألا تتجاوزوا 45 دائرة والإخوان كانوا يقولون 56 دائرة، خلال سنة 2003 كان الضغط قوياً بحيث قيل لنا إما أن تُقلصوا ترشيحاتكم إلى النصف أو أنه ستكون هناك معركة طاحنة ضدكم!
– (مقاطعا) من كان مرسول الحب في هذه العملية الأخيرة؟
+ (ضاحكا) مرسولنا هو من اختفى عن الأنظار في المرحلة الأخيرة، وكمؤشر مضحك ترشَّحنا في الدار البيضاء في ثمانية مقاطعات فقط ومع ذلك حصلنا على المرتبة الأولى في نسبة المقاعد المحصل عليها بالنظر إلى عدد الترشيحات. طيب هذا كله انتهى الآن، سنة 2007 كانت مراكز الاستطلاعات تقول بأننا سنحصل على المرتبة الأولى، وجئنا نحن الأوائل بالنسبة لعدد الأصوات، لكن دائما هناك قدرة عند اختصاصيي الإدارة المشرفة على الانتخابات لضبط الأمور بطريقة لا تصل إلى الفضيحة ولكنها قطعا لا تتموقع في النزاهة.. فهي تبقى بينهما، وحداقة مهندسي الانتخابات، الذين أعتقد أنهم لم يأخذوا التقاعد بعد ولم يستفيدوا من المغادرة الطوعية، لقد رفضوا ذلك… إنها حداقة ديال المعلمين.. بقيت هذه القضية التي طرحْتَ الآن، يعني هل كل الإشارات التي أطلقها حزبنا هل هي للطمأنة؟!
أؤكد لك أنه في البداية كنا حديثي العهد في سياق ما وقع في الجزائر وكنا نتصرف كتيار سياسي جديد يريد أن يكون له مكان تحت الشمس، يريد أن يُطَبِّع علاقته مع المجتمع ككل، مع الدولة ومع النخبة… فقد كنا مرفوضين، ربما كنا مقبولين شعبيا وعلى مستوى النخب المتوسطة فقط، مع المدة أصبحنا نشعر بالمسؤولية، ولأن مواقفنا استهدفتها الجهات الأخرى المعلومة… فإن ذلك ترك المواطن ينظر إلينا كاختيار حقيقي وليس كعنصر مكمل للعبة السياسية، بمعنى آخر إن الناس يعانون من أزمة عميقة ويريدون من هذا الحزب الذي يتبنى مرجعية المجتمع والدولة ، والمقتنع بالملكية، والذي لا يتكلم فقط عن الديمقراطية بل يطبقها في أجهزته الداخلية ويدعو إليها ويلتزم بمقتضياتها، أن يبرز حَنَّة يديه ويساهم في إصلاح أمور البلاد، فعندما يصبح هذا رأي شريحة عريضة ليس لك خيار، إذن كل ما يتعلق بالطمأنة، نحن نعتقد بأننا قمنا به منذ سنة 2007 وحتى قبلها.. إذ كان يمكن أن نحتج سياسيا يومها على سلوكات غير ديمقراطية اتجاهنا، لكننا لم نفعل.
– “مقاطعا” عَّماذا كنتم ستحتجون؟
 + على نتائج الانتخابات لأنه كان عندنا شعور بأن الانتخابات كان متحكما في نتائجها، ربما لم يؤخذ منا الكثير لكنها غيَّرت مرتبتنا.
– لماذا لم تفعلوا؟
+ لم نفعل لأنه في تقديرنا كانت هناك ضمانات على أن الانتخابات ستكون نزيهة، ولما وقع ما وقع لم تكن عندنا الحجج والبراهين الكافية، واتُّخذ القرار بشكل أو بآخر لإعطاء نوع من التزكية لتلك الانتخابات من خلال عدم الطعن حفاظا على وضع مستقر، الآن لنقل إن هذه المرحلة التي عشنا فيها ونحن ندخل غمار العمل السياسي باحتياطات قد انتهت، وقناعتنا هي أنه يجب أن نتحمل مسؤوليتنا بناء على ما يأمله الناس من الإصلاحات في ظل الاستقرار.
لما جاء الدستور الجديد لم نمنح شيكا على بياض، لقد أيدناه على اعتبار الضمانات التي يقدمها لتطور مؤسسات الدولة.. كان عندنا في الدستور إشكاليتان رئيسيتان، الأولى الهوية، استجيب لنا بأن تبقى الهوية كما كانت في السابق، أما في الديمقراطية فبقينا نناضل لآخر اللحظات من أجل ديمقراطية أوسع، مثلا في مشروع الدستور القديم كان ينص على أن الذي يجب أن يتوفر على الأغلبية المطلقة لإسقاط الحكومة هي المعارضة، هذا غير معقول، فالذي يجب أن يتوفر على الأغلبية المطلقة لاستمرار الحكم هي الحكومة، وهذا ما طالبنا به وتمت الاستجابة إليه، لأنه منطقي بل حتى خصومنا المعروفين أمثال محمد الساسي، اعترف أننا كنا أكثر تقدمية في مقترحاتنا لتعديل الدستور، وفي هذا الأمر لا أحد يمكن أن يعيب علينا شيئا، اليوم يجب أن نتحمل مسؤوليتنا، ومسؤوليتنا لا تتجاوز أن نقول ما نرى، ليس أكثر، أن تسكت مقابل أن تأخذ أو أن تأخذ مقابل أن تسكت… ليس من أخلاقنا، في معظم الأحيان لا يكون ذلك ممكنا، لأنك إذا أخذت وسكتت فسوف تساهم في إغراق السفينة بكاملها، وهذا ليس من المنطق ولا العدل في شيء.

نحن حزب قوته في تقدير الناس له في مختلف المستويات

– لكنكم نزلتم من مستوى منطق القيم السياسية الديمقراطية كما شرحتموه سابقا، إلى مستوى التهديد بأنه إما نحن أو لا أحد؟
+ ما يقولوه خصوم حزبنا عنا يجب الحيطة منه، لأنهم يصوروننا كشخص كان عدوانيا وعنيفا، لكن حتى ولو عاد إلى المجتمع وأصبح طبيعيا (تْكَالْما)، يستمر الناس في الحذر منه مخافة أن يعود إلى عهده السابق (عنداكو راه يمكن يرجع لطبيعتو الأولى)، لم ندْعُ في أي وقت إلى أي نوع من الاحتجاج على الشكل الذي سبقنا إليه غيرنا من إضراب وطني أو نزول إلى الشارع، بصراحة فقضية التهديد لا تدخل في منطقنا، فالعدالة والتنمية لا يهدد أحدا ولن يهدد خصومه، ولن يقوم بالأساليب التي سادت من قبل.. العدالة والتنمية ليس مؤهلا لهذا لا بمنهجه ولا بعدده ولا بامتداده التنظيمي، لنكن صرحاء نحن لسنا في قوة الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في فترة السبعينات، ولا في حجم حزب استقلال الخمسينيت.. لكي نكون واضحين، نحن حزب قوته في تقدير الناس له في مختلف المستويات، وليس بالانتماء والعضوية في الحزب ، نحن نمارس السياسة بمنطق الديمقراطية، ففي البداية كنا جماعة قليلة نخاف أن يتخطفنا الناس ونتسلل لواذاً، وتدريجيا انتقلنا للعمل في إطار القانون، ثم إلى العمل السياسي حتى أصبحنا قوة سياسية وازنة يُضرب لها ألف حساب، ومع ذلك فلا وجود لتهديد من طرفنا، كنا نلتزم الصمت من قبل حفاظا على الاستقرار، أما الآن فلن نصمت تحت ضغط أي ظرف عن المطالبة بالإصلاح باعتباره اليوم شرطا للاستقرار، وسنتحمل مسؤوليتنا في هذا الظرف التاريخي الحساس تجاه الشعب المغربي وتجاه ضمائرنا، وبالمناسبة لما جاء الحزب الجديد وصبَّ جام غضبه علينا بالطرق التي تعرف.. وكنت أحتج وأتكلم مع بعض الإخوة والزعماء السياسيين، فيقولون لي “هذا شي كله سيزول”، لكننا نحن قررنا أنه يجب ألاَّ نسكت، مهما كان في ذلك من أخطار، كونهم أدخلوا جامع المعتصم إلى السجن كان “إشارة” فَهِمْناها جيداً، لقد وصلوا إلى الخط الأحمر ولم نصْمت لأننا كنا مقتنعين أن ذلك المسار سيصل بالبلاد إلى الهاوية.


نرفض أي شيء يمس الملك

– كيف تقرؤون هذا السياق المناسباتي لنزول وثيقة ويكليكس، تقول إن الملك يقول للأمريكيين لاتعتقدوا أن هناك إسلاميين معتدلين وليس في القنافذ أملس تجاه أمريكا، وكذلك وجود خبر في مجلة “جون أفريك” حول تصريح دبلوماسي أوربي يشير إلى تخوفه من التصريحات اللاديمقراطية لعضو قيادي في حزبكم؟
+ إذا أردتُ أن أفسر انطلاقا من تجربتي السياسية كل التصرفات التي تقع وأجد بينها خيوطاً ناظمة سأكتب مجلدات عن المؤامرات منذ أمد بعيد حتى الآن، ما يضحكني هو أنني أرى تصرفاتي وتصرفات أعضاء الحزب، وأرى التأويلات التي تُعطى لها في الساحة السياسية، وكيف يقول بعض الأشخاص أخباراً غير صحيحة وأحيانا بخيال عجائبي، أنا كنت أتعامل دوماً بسلوك عادي فأجد مثلا من يُؤَول الأمر على وجود اتفاق مسبق لي مع إدريس البصري، رغم أنه لم تكن تجمعني به أية علاقة، التقيته مرة استقبلني والدكتور الخطيب، ومرة أخرى في الديوان الملكي… أما قضية ويكليكس وهذا التصريح الأوربي في “جون أفريك”، وهو تصريح مبني للمجهول فلا يمكن أن أصدقهما، ولا أملك أن أكذبهما، أما تصريح الملك، إذا كان صحيحا، فإن ظروف 2006 التي يُفترض أنه قيل فيها هذا الكلام، ليست هي ظروف اليوم، وسواء كان صحيحا أو لا، فنحن نتعامل مع الملك كرمز للبلاد، نحن نرفض أي شيء يمس الملك، لأن البنية التي ترتبط به “كبيرة بزاف”، عندنا توصيات في كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر”، “علاش الملك قال داكشي؟”، الله أعلم، أحيانا تكون له دوافع نحن لا نعرفها، نحن لا نتعامل مع الملك كرئيس دولة فقط، الملك في المغرب له دور كبير لا يجب التلاعب فيه، لكن في مجال تدبير أمور الدولة نقول إن الملك إنسان، فالملك بشر، في لجنة الدستور قلنا لهم إن عبارة “الملك شخص مقدس” أَتَتْنا من الثقافة الأوربية وهي مَعِيبة وتُحرجنا في عقيدتنا، فأرسل الجواب جزاه الله خيرا، “القداسة لله والعصمة للأنبياء وأنا ملك مواطن”، الكل في لجنة الأمناء صفق بقوة حين سمعوا هذا الكلام.
أقول في السياسة هناك قرار الملك، وقرارات غيره من النافذين وتأثيرات الدول الشريكة، نقول من حقنا مناقشة سياسات الملك، ومن حقنا أن نقول نعم ومن حقنا أن نقول لا… بالاحترام والتقدير اللازمين، لهذا فهذا التصريح ليس لديه أي أثر علينا، في الحياة العادية قد تجد شخصا مثلا يقول عنك كلاما قاسيا وجارحاً، ولكن حين تقارنه بسلوكه اتجاهك ترى أنه أقل إساءة إليك من الآخرين، ودعني أقول لك لأول مرة، يوم طُرح حل حزب العدالة والتنمية، جلالة الملك هو الذي وقف في وجه ذلك، يوم كانت مجموعة من الإشكالات المرتبطة بالعدالة والتنمية، في قضية دعم فلسطين، الملك هو من وقف ضد المقاربة الاستئصالية، لقد اقْتُرح في وقت من الأوقات ليس حل العدالة والتنمية فقط، بل تجفيف منابع التدين على النمط التونسي البائد.
– من اقترح ذلك على الملك؟
+ كان الاقتراح من قبل جهات وما أدراك ما هي، غفر الله لها.. لكن جلالة الملك أوقف المشروع، المغاربة يقولون “خوك يمضغك ما يبلعك”، أما النافذون فمنهم صالحون ناصحون ومنهم شياطين مدسوسون في دواليب الدولة، “وكيمصوا الرحيق” والطبقات التي لا تمتلك حيلة تؤدي الثمن، البارحة كنت في مستشفى عمومي، وسمعت حكاية امرأة مريضة جاءت من منطقة نائية “من الجبل”، ولم تجد من يسعفها لقلة حيلة يدها، قالت لهم إني “ميتة”، ولا تُعيدوني من نفس الطريق بأهوالها ومصائبها، لقد أشفقَتْ وهي “ميتة” على نفسها من المسالك الوعرة وأحبَّت أن تموت بعيداً عن أهلها مكرهة… هؤلاء النافذون  لن يكفوا عن الدسائس، أشياء أدخلوها في الصحافة وأشياء في ويكليكس، الله تعالى يقول: “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، و”إن يريدوا أن يخدعوك فإن حبك الله”، أقول لك بصدق أنا كأمين عام لا أعرف المكر ما شي ماكنمكرش، ربما لو أني كنت أعرف المكر، لكنت حاولت ذلك! لذلك “تَنْجي ليها كود”..

لن نقبل بفساد الانتخابات لصالحنا أو ضدنا

هناك تحليل يقول إن توقيت تنزيل نشر المعلومة في “جون أفريك” يدل على موقف الأوروبيين على رأسهم الفرنسيين من صعود الإسلاميين في المغرب، هناك حدثان: الأول هو الخبر الموجود في “جون أفريك”، أما الحدث الثاني فهو مجيء ساركوزي إلى المغرب لتدشين “تي جي في”، يعطينا الإشارة الأوروبية لدعم نوعية النخبة المغربية للتحكم في المستقبل، كريم غلاب وزير التجهيز، تكنوقراطي في حزب محافظ بامتداد شعبي، الأمريكيون، عبر ويكليكس وغيرها، يريدون إنزال هذه الوثيقة بالذات ليقولوا إن المشكل في صعود الإسلاميين للحكم تعارضه جهات نافذة في الدولة المغربية ولا يقلق أمريكا.
+ من الواضح أن فرنسا لعبت دورا كبيراً في المغرب وما زالت، نحن نعتبرها فاعلا أساسيا في بلدنا بحكم التاريخ والمصالح  الولايات المتحدة الأمريكية فاعل أيضا بحكم مكانتها الدولية ليس فقط في المغرب ولكن في العالم كله، ماذا سأفعل كي أضبط إيقاعي مع هؤلاء الكبار الذين لديهم كافة المعلومات، السفير الفرنسي أو السفير الأمريكي، عندما يريد أن يرى الملك ليس مثل عبد الإله بن كيران، أنا ليست لدي كل المعطيات، لكن دعني أقول لك شيئا، لا يمكن أن نتصور أن العدالة والتنمية كحزب سياسي وازن سيتركه الخصوم بسلام، هو حزب لن يأتي إلا إذا اقتنع الذين يهمهم الأمر، أن الوضع يتطلب مجيئنا لا برغبة الأمريكيين ولا برغبة الفرنسيين، وإن لم يكن هكذا، وهذا الذي يخيفنا، فنشعر أنهم سيتدخلون في الانتخابات، لأن المشكل متعلق الآن فقط بمن سيقود الحكومة، أما أن يأتي حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثانية أو الثالثة فليس هذا بالمهم!
– وإذا ما حدث.. ما سيكون رد فعلكم؟
+ لن نقبل بفساد الانتخابات لصالحنا أو ضدنا، نحن لدينا إحساس أن كل هذا في حال ما وقع، سوف يكون بمثابة صب الزيت على النار غير المشتعلة من جهة العدالة والتنمية، المواطن المغربي يرى اليوم بأم عينيه، أن الذي كان حاسما في سقوط مبارك هي الانتخابات التي سبقت الربيع العربي، “البلطجية” يتصرفون بتلك الطريقة والمعارضة التي كانت تمتلك 88 مقعدا أصبح لها مقعدان فقط أو ثلاثة، وخرجت من الانتخابات في الدور الثاني، المصريون لم يقولوا أي شيء، لكن حين جاءت رياح الربيع العربي، لم يتوقفوا حتى سقط النظام ولم يعودوا إلى منازلهم حتى الآن، دعني أقول لك شيئا، إذا كان باستطاعتهم أن يتدخلوا في الانتخابات، ويُكيِّف النتائج حسب هواهم، فإنهم لن يستشيروني.
– سمعنا أن هناك خطبا للود بين مستشاري العدالة والتنمية ومستشاري الاستقلال، كيف تفسرون هذه الإشارة؟
+ منذ عهد الخطيب رحمة الله عليه لم ننفك عن إرسال رسائل إيجابية لحزب الاستقلال خصوصا وللكتلة عموما، هذا شيء معروف، أنا قبل 15 سنة من ذلك، في خطاب لي بأكادير دعوت إلى الانضمام إلى الكتلة، وقد كان أول باب طرقناه منذ بدأنا العمل السياسي هو حزب الاستقلال، ميلنا لهذا القطب معروف، ولكن نحن لسنا حزبا يشكو من الوحدة ولا يعاني والحمد لله من مرض التوحد، نحن لا “ندلل” أنفسنا في السوق، خلال المراحل الأخيرة بدأنا نسمع أن هناك داخل حزب الاستقلال من يقول لِمَ لا نفتح الباب على العدالة والتنمية، ولكنها دعوات خجولة، والإخوان الذين يقومون بذلك هم محترمون ولهم وزنهم السياسي، لكن من الناحية العملية ليست هناك أي نتيجة لكل هذه الأماني النبيلة، وإذا حدث شيء من هذا القبيل فسندرسه، في الحكومة التي ترأسها حزب الاستقلال، استُقْبل سعد الدين العثماني استقبال مجاملة فقط، الآن إذا كان عندهم مقترح سندرسه في أجهزتنا، نحن يمكن أن نمد يدنا للجميع، نتحفظ على البام نظرا لتكوينه و”بْسالتو”، وقد انكشفت أوراقه بعد أحداث الربيع العربي، بالنسبة لحزب الاستقلال طبعا إذا كان هناك شيء رسمي في مجال التحالف، فسيتضح على ضوء نتائج صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة.
– هل يمكن أن تتصوروا، إذا كان هناك عرض جدي، أن يكون هناك تحالف بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية؟
+ من سيأتي في المرتبة الأولى عن استحقاق سنتحاور معه، لكن إذا اقتنعا أو أحسسنا أننا نحن من كان يستحق المرتبة الأولى وأُخذت منا، فأنا أقول لرئيس الحكومة المعين مستقبلا، من الآن: “لا تأتي كي تقترح علينا المشاركة في الحكومة”، هذا هو موقفي، إذا أراد أن يأتي للتشاور مع الإخوة في الأمانة العامة، فهو حر، لكن أنا شخصيا إذا اقتنعت أن هناك إفساداً للانتخابات ضدنا، فإني لن أقبل بلعبة التواطؤ والصمت.
– ها هي لغة التهديد التي نفيتمونها تعودون إليها من جديد؟
+ الدفاع عن الحق شجاعة سياسية وليس تهديدا

إننا بصدد دخول تجربة ديمقراطية أحسن من التجارب السابقة

– لنتصور فقط أنه وقع تحالف بين الاستقلاليين وبين العدالة والتنمية، ألا تعتقدون أنكم ستخدمون أجندةَ اتجاهٍ في الدولة، دعني أذكركم بتصريح قاله فؤاد عالي الهمة حينما نجح في بنكرير عام 2007 وجاء ضيفا في برنامج على القناة الثانية، حيث قال: “الانتخابات الحالية أفرزت الخريطة السياسية الواقعية في المغرب، هناك محافظون وهناك حداثيون”، بما أن الاستقلال هو أيضا محافظ، ألا تعتقد أنكم ستخدمون هذه الاستراتيجية؟
+ أنا شخصيا ليس لدي أي مشكل في أن أخدم أجندة الدولة، كلما كان ذلك في مصلحة المغرب والمغاربة، بهذا المنطق فالكل يشتغل لمصلحة الدولة، إلا المنتفعون منها بشكل ابتزازي وانتهازي، لكن ما هي أجندة الدولة، التي لا يمكننا أن نتصور مكوناتها كلها ضد الشعب، نحن نقول إن الفرق الذي ربما سنساهم به في المسؤولية الحكومية هو الجدية في التنزيل، الإشكالية الكبرى في المغرب لا تتعلق بالاختيارات الكبرى، ورحم الله الحسن الثاني، حين كان يتعلق الأمر بالسدود والفلاحة والمشاريع الكبرى للدولة، كانت اختيارات في محلها متوافق عليها، كان عندنا مشكل في الواسطة التي كانت تقوم بذلك، بعضهم أدى واجبه بشكل جيد واستفاد من ذلك، والبعض الآخر لهف أموال الدولة على حساب أغلبية الشعب دون أن يقدم أي خدمة.. ولا يمكن لرئيس الحكومة سواء من العدالة والتنمية أو من غيرها، أن يقول للملك: لا، لا… في كل شيء، هناك حدود، إذا اقتضى الأمر أن نقول لا ونضع المفاتيح، فهذا ليس عيبا، نحن نعي أن المسؤول عن تسيير المغرب منذ الاستقلال بشكل أساسي هو المؤسسة الملكية، تعرضنا لعدة مخاطر ونجَّانا الله من تبعاتها، آخرها مثلا ما حملته رياح الربيع العربي.. فقبل تاريخ 9 مارس الماضي كانت الدولة على كف عفريت، ولنكن أكثر وضوحا في هذه النقطة، فلولا أن الله أَلْهم الملك بخطاب 9 مارس، لكان ممكناً أن نسلك اختياراً آخر، ولكان مصيرنا أيضا هو مصير بعض الدول العربية مثل ليبيا أو تونس أو سوريا أو اليمن “والله أعلم”، لكن ماذا ربحنا الآن؟
بكل صراحة، إننا بصدد دخول تجربة ديمقراطية أحسن من التجارب السابقة، وسيبقى فيها دور وازن  للمؤسسة الملكية، وإن ليس بشكل مباشر، دعنا من كل الأقاويل التي لاَكَتْها الألسن مثل إن الأحزاب السياسية ليست نظيفة ولا جدوى منها، وليس لها برامج و…، الذي كان مسؤولا في أن تصل الوضعية السياسية إلى هذا الحد، والذي كان مسؤولا على سياسة البلد كله هو المؤسسة الملكية، حتى في وقت عبد الرحمان اليوسفي، وإن كانت بصمات السي اليوسفي أكثر إيجابية مقارنة مع من سبقوه، عباس الفاسي كان واضحا لما  تم تعيينه وزيرا أول، بحيث قال “أنا غادي نطبق السياسة ديال جلالة الملك”.
ففي ظل ديمقراطية عادية، يمكن للحكومة أن تقضي زمنا محدوداً وتغادر، أو أن تعاد الانتخابات، فلننظر إلى بلجيكا التي تسيَّر أمورها بدون حكومة منذ سنة 2010، أو إيطاليا التي تغير حكوماتها من حين لآخر، آنذاك يمكن للملك أن يقوم بدوره كضامن للاستقرار، ويظل فوق الأحزاب والحكومات، لكنه الآن لا يزال فاعلا رئيسيا في سياسة البلاد، فنحن مثلا عندما نلتقي في مقر وزارة الداخلية، نجد وزير الداخلية يتحدث مع عباس الفاسي المفروض أنه رئيس للحكومة يخاطبه كأمين عام للحزب وليس كوزير أول، أي يتحدث معه كما يتحدث مع جميع زعماء الأحزاب، ولهذا لن يكون في صالح المغرب، سيما بعد الانتخابات المقبلة، الاستمرار بنفس المنطق القديم، لأن هذا المنطق لو كان صالحا لما وقع لنا مؤخراً هذا الاضطراب والارتباك، لذلك عندما عمت رياح الربيع العربي إسبانيا ودول أخرى تمكنت من تجاوز المرحلة بسهولة بسبب قوة مؤسساتها الديمقراطية، نحن نريد أن نكون مثل هذه الدول، بحيث نطمح إلى أن تحمينا الديمقراطية، أي رغم خروج الناس إلى الشارع واحتجاجهم لا ينبغي لنا الخوف من ذلك، “ماخاصْناش نبداو نقفقفو”، يجب أن يكون ركن بيتنا حجرا وسقفه حديدا، ونقول اعصفي يا رياح!


ليس هناك أحد اليوم “دينياً” بهذا المعنى مائة بالمائة

– من الناحية المجتمعية يمكن أن يكون هناك خطر في عملية تحالف العدالة والتنمية مع حزب الاستقلال، أي يمكن أن ينقسم المجتمع إلى تيارين، الأول علماني حداثي، والثاني إسلامي محافظ، كيف ترى ذلك؟
+ أنا لا أؤمن بأن هناك تياراً علمانياً مجسداً في الأحزاب السياسية، “الله يذكر السي العربي المساري بخير” الذي قال لي ذات مرة: “أنا رجل أؤمن بالإسلام في السياسة، وإسلامي “مْدَرَّحْ” بالعلمانية”، كما أنني لا أعتقد بأن هناك تياراً دينياً في السياسة بما في ذلك حزب العدالة والتنمية، لو كنا تيارا دينيا، فينبغي لنا أن نأتي بما نعتقده أحكاما شرعية ونقول هذا هو برنامجنا، لكن أصارحك القول، ليس هناك أحد اليوم “دينياً” بهذا المعنى مائة بالمائة، ولا أحد كذلك علمانياً مائة بالمائة.. لكن يُحسب لنا، أننا أول تيار في العالم الإسلامي الذي أطلق عبارة “المرجعية الإسلامية”، هذه العبارة بالنسبة لنا بمثابة ميزان لقياس الأشياء. إن المجتمعات اليوم تريد أن تظل مسلمة، والدليل على ذلك نسبة تديِّن الشعب المغربي، لكن في المقابل تريد هذه المجتمعات أن تعيش حياة عصرية، تريد أن تعيش زمنها، فهل من المقبول  أن نقول للنساء ارتدين الحجاب “بزَّز”، أو إلزمن بيوتكن ولا تغادرنها ، لقد انتهى هذا الخطاب التقليدي، نحن الآن نعيش زمنا جديدا، وكل ما في الأمر أن هناك من يتوفر على جرعة زائدة من العلمانية وهناك من يتوفر على نفس الجرعة الزائدة من التَّدين، ساعطيك مثالا.. بالنظر إلى لقاءاتي مع زعماء الأحزاب السياسية التي رغم كونها تتسم بحرارة تفوق الوصف، إلا أنهم يأخذون الاحتياطات كثيراً في تعاملهم معي، لا يهاتفونني ولا يزورونني، وحتى إذا ما دعوتهم يتحفظون، لكن نبيل بنعبد الله الذي ورث حزبه الحزب الشيوعي السابق، يظل أقلهم تحفظا، ومن جهة أرى أن هناك أطراً متميزة في هذا الحزب، ولا يهمني إن كانوا شيوعيين سابقين، فأنا مثلا إذا كنت على رأس الحكومة وفي حاجة إلى شخص كفء إذا طلبت من جلالة الملك أن يعينه في التشغيل أو التعليم أو الصحة أو السياحة سأختاره بغض النظر عن خياراته الإيديولوجية التي قد تمثل في الشكل نقيضا لنا، لأن المطلوب منه نتائج عملية  في إطار برنامج الحكومة، الديمقراطية ترتبط بما ينفع الناس في الأرض وإذا كنت رئيساً للحكومة قد أختار أطراً مثلا من التقدم والاشتراكية (وهو يضحك).
– لكن من خلال برنامجكم كيف يمكن الاطمئنان إلى دعوتكم إلى “أسلمة” الدولة، بحيث يرى الناس نوعاً من الغموض في برنامجك السياسي الذي يجعل حتى الصادقين في وطنيتهم ودينهم يتخوفون من وضع مصيرهم بين أيديكم، بالنسبة لكم ماذا تعني “أسلمة” الدولة؟
+ إن أساس مذهبنا السياسي هو المرجعية الإسلامية، وأن ندبجها في وثائقنا فهذا طبيعي جداً، لكن عندما نأتي بحمولة إيديولوجية وندخل المعترك نصطدم بإشكاليات أخرى، فلماذا لم يُطرح هذا السؤال على اليساريين عندما سيّروا الحكومة؟ ولماذا لم “يُيَسِّروا” الدولة ويجعلوها يسارية؟ لماذا هم من لجؤوا إلى الخوصصة، وباعوا العديد من شركات الدولة؟ فعندما تدخل مجال التدبير السياسي، تجد أن تلك المشاكل التي كانت تشغل بالك أيام حماس الشباب، كرؤية الناس عراة في الشواطئ واحتساء بعضهم للخمر، من الأشياء التي لا علاقة لها بالحكم، ففي الحكومة تصطدم بمشكل اكتظاظ التلاميذ في الأقسام في مجال التعليم، وما يشبه جيشا مكونا من أربعمائة ألف تلميذ يغادرون الدراسة كل سنة، فهل ستفكر في مثل هذه المشاكل الكبرى، أم تفكر في حمل هراوة والخروج إلى الشوارع ومطالبة السكارى بإشهار بطائق التعريف لفرز المغربي من الأجنبي؟
عندما تفكر جيداً في مآسي المغاربة تجد أن هناك “براكة” واحدة تظم أسرة مكونة من عدة أفراد، وهناك مآسي الناس ومعاناتهم مع الصحة فكم مرة وجدت نفسي في بعض المستشفيات مساعدا اجتماعيا عوض زائر لمريض، هذه هي المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد، إنه لعار أن يتم إيقاف مريض في باب المستعجلات بدعوى أنه لا يملك نقودا لتسديد فاتورة ولوج المستشفى، والمشكل الأكبر أن هذا قرار سياسي محض، لذلك ينبغي على ياسمينة بادو قبل مغادرة الحكومة أن تُفعل قراراً يقول بمعالجة المحتاج دون إيقافه بسبب الإشكالات المادية التي يمكن حلها ومعالجتها فيما بعد، وإذا كانت موعودة للرجوع إلى وزارة الصحة مرة أخرى، فعليها أن تتخذ هذا القرار الآن، لأن الأمر سيحل مشكلا صحيا تعاني منه شريحة مهمة من المجتمع، وأظن أن قراراً مماثلا قد تم اتخاذه بفرنسا في حق اللاجئين الذين لا يتوفرون على أوراق الإقامة ولقي صدى طيبا.
نحن في مرحلة انتقالية إلى الديمقراطية، الملك هو رمز السلطة السياسية، ونحن طالبنا بالإبقاء على أمور الشؤون الدينية بيد الملك لنحمي المجتمع من التطرف بجميع أبعاده، أما خلق فوبيا من صعود العدالة والتنمية إلى الحكومة فلا مبرر له ديمقراطيا، والمغاربة لا يحتاجونه اليوم.. ليطمئن الكل، إننا لا نبغي غير الإصلاح بالوسائل المدنية، وأخلاقنا الإسلامية تحمينا إن شاء الله من الفساد، مرة قالت لي صحافية إسبانية: “إني أخاف من الإسلاميين” فأجبتها: “أنا أيضا سيدتي أخاف من الإسلاميين”، الإسلاميون أطياف، فهناك من يرى بأن لحية الإسلامي بنكيران لا تنطبق لمعايير الدين، وخُصُّو عليها شي سلخة ديال العصا (يضحك).
– لنفترض أن حزبكم قاد رئاسة الحكومة وأن واحدا من حزبكم أصبح رئيسا لها، هناك مصالح للدولة وهناك مبادئ حزبكم، مثلا كيف سيكون موقفكم من أمريكا وإسرائيل؟
+ الدستور يحتفظ لجلالة الملك بوضعية خاصة في العلاقات الخارجية، فهو من يعين السفراء بخلاف رؤساء المصالح الأخرى للدولة، ثم ليس هناك من جديد في قضية الولايات المتحدة، فنحن حلفاء لها تقليديا، وعندما حصلنا على الاستقلال لم تكن الجزائر على نفس العلاقة بأمريكا، لكنها الآن أصبحت تنافسنا في ذلك، بل وتأخذ كامل زينتها لأجل ذلك بحكم توفرها على البترول، أما إسرائيل فلها وضع خاص، وليست كالولايات المتحدة الأمريكية، وهي حسب منطقنا دولة تعيش في حرب مع شعب فلسطين، فنحن، ليس كأمة عربية إسلامية، ولكن كشعب مغربي بالخصوص نعتبر القضية الفلسطينية ليست قضية إخواننا الفلسطينيين فقط، وإنما قضيتنا نحن.. تاريخيا، من أرسل الجيوش إلى سوريا ومصر سنة 1973؟ الحسن الثاني رحمه الله، فهل يمكن القول بأن الأمر كان مجرد “سينما”؟ من منع طائرة نتانياهو من التحليق فوق الأجواء المغربية على إثر المجازر التي ارْتُكبت في الحرم الإبراهيمي، إنه الراحل الحسن الثاني.. لقد كان ذلك استجابة لشعور داخلي، فدولة تحارب الأمة العربية بفلسطين وتقتل أبناءها، كيف تعتقد أن تكون سياستنا تجاهها؟ ثم إن المغرب بالمناسبة ليست له علاقات رسمية مع إسرائيل، وإن كانت له علاقات غير رسمية مع هذه الدولة كما هو متداول، ولكن نحن في حزب العدالة والتنمية نكتفي بهذا الموقف، لننظر إلى ما وقع مؤخراً بمصر، فعندما تتعدى الدولة حدود تحَمُّل شعبها، ولو في العلاقات الخارجية، يأتي يوم يقول فيه الناس كفى، حتى دولة تركيا التي كانت حليفة لإسرائيل، عندما لاحظت بأنها تمادت في تعاملها مع الفلسطينيين تراجعت عند ذلك، فلو أن إسرائيل تعايشت مع الفلسطينيين داخل دولة واحدة كما هو حاصل في جنوب إفريقيا.. لتغير موقفنا، لكن الآن نعتبر إسرائيل دولة معادية ومحاربة، ولا يمكنها أن تنتظر منا، أو من المجتمع المغربي أو من السياسيين المغاربة أو من جلالة الملك، أننا سنشجع المغرب غدا على التطبيع معها، ما دامت تتصرف كما هو الحال عليه الآن.
– هناك أشياء في الدولة لا تقال، لكنها حاصلة وضامنة لمصالح التوازنات الكبرى ومن يقبل بالسياسة يقبل بخيرها وشرها…
+ (مقاطعا) “الحاجة للي ما في راسيش راه ما غاديش نسوَّل عليها”، بحيث لا يمكنني إذا كنت رئيسا للحكومة أن أتوجه إلى جلالة الملك “ونقول ليه علاش جا مبعوث من إسرائيل واستقبلتيه.. أنا راه ما عنديش هاذ قلة الآداب”!
– بالنسبة لبعض الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة أخلاقيا ودينيا، كوجود الخمر كازينوهات القمار واقتصاد الجنس… لقد أصبحت واقعاً وجزء من الدورة الاقتصادية.. كيف ستتعاملون معهما إذا كنتم رئيساً للحكومة؟
+ هذا الواقع الذي تحدثت عنه، هل فرضته الظروف أم هو مُشجَّع لغرض في نفس يعقوب؟ هذا هو السؤال، هناك قانون والمنطق يقول بأن هذا القانون يجب أن يطبق أو يتم تغييره، فبعد عيد الفطر مباشرة، تجد العديد من المغاربة يصطفون في طابور طويل لاقتناء الخمور، فهل تعتقد أن هناك إمكانية لمحاربة هذه الظاهرة من خلال القانون؟ يجب أن نفهم نفسية المجتمع، فالقانون بالنسبة للمجتمعات يُوقف المخالفات التي تكون منطقيا شاذة ومضرة بالمجتمع، إذن لا تعول على العدالة والتنمية لكي يجري خلف الناس” ويقول ليهم علاش شربتو أو علاش قمرتو أو علاش ما مشيتوش للجامع؟!”، ولكن بالنسبة للسكر العلني الذي يجرمه القانون، ويضر أصحابه بالمجتمع والذي يُعاقب اليوم البعض منهم ويُتََفاهم مع البعض الآخر أو في حالة السكر أثناء السياقة أو شيء من هذا القبيل، فلا تُعيب علي غدا إذا طبقت القانون بصرامة في حق هؤلاء.
– كلمة “الصرامة” في تطبيق القانون برغم ديمقراطيتها قد تزعج، وقد يتحول هذا هو مسعاكم النهائي؟
+ أنا أتمنى من المغاربة ألا يشربوا الخمر أو على الأقل أن يقللوا من احتسائه، لكن ليس عن طريق المنع، لأن هذا الأمر لن يجدي نفعا، فلو أتى أي رئيس حكومة غيري أنا،  وقرر محاربة الخمر عن طريق المنع فسوف يخلق أزمة في المجتمع، بل يمكن أن نصل إلى ما وصلت إليه أمريكا سنة 1929، لهذا ليست هناك مراهنة على أن هذه الأمور ستنتهي في المجتمع، بل هناك مراهنة على التقليل منها بمنطق آخر، ولهذا لا يمكن أن تعول على العدالة والتنمية لكي يكون همنا هو أن نتحول إلى “شرطة أخلاق”، هذه المسائل ستبقى مرتبطة بالجهات التي ظلت مرتبطة بها ، لكن غايتنا ألا يظل المغاربة يُنفقون أموالهم على الخمور عوض إنفاقها على أبنائهم وعلى ما يعود عليهم بالنفع.

أنا لا أحرك الزوابع، أنا أتحدث بتلقائية

– صوَّتم على مشاريع قوانين وامتنعتم عن التصويت على أخرى، هل تحسون بوجود أي تحكم قبلي من طرف وزارة الداخلية في السياق الإعدادي للانتخابات؟
+ ليس التحكم القبلي، ما لاحظناه، هو أن وزارة الداخلية تتفاعل معنا في جوانب، لكنها تتحفظ في مسائل أخرى، فمسألة اللوائح الانتخابية، هي التي يمكن القول بأنها خلقت لنا مشكلا في الآونة الأخيرة، فنحن نريد اللوائح المستنبطة من بطائق التعريف الوطنية، وإن كنا غير متأكدين من كون كل الذين سينضافون إلى الهيئة الناخبة سيصوتون على حزب العدالة والتنمية، ولكننا متأكدون بأن هذا فعل سياسي، لأن المشكل بالنسبة لنا ليس انتخابيا فقط وإنما سياسيا أيضا، لذلك يجب على المواطن أن يشعر بأن الدولة “رْخات” المجال للأحزاب السياسية، هذا في الوقت الذي لم تلج فيه بعد العدل والإحسان الحياة السياسية. وبالمناسبة أتمنى أن تصبح هذه الجماعة حزباً سياسيا تمارس الحياة السياسية بشكل طبيعي كما هو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين في مصر، إذن فالجماعة لم تدخل بعد الحياة السياسية، وهي التي لها نظر في إمارة المؤمنين والملكية، علما أن الكل ملكيون حتى النخاع، اللهم “شي وحدين” الذين مازالوا يحلمون بالجمهورية،. إذن فالمواطن أصبح يلاحظ بأن هناك تقدما، ولكن بتحفظ يدخل في نفسه نوعا من الشك والريبة، هم يقولون لنا لماذا تشككون في الانتخابات من الآن؟ ونحن نقول لهم إنه إذا حدث ووقع ما نتخوف منه فقد انتهى كل شيء، إذ ستكون النهاية كارثية إما بسبب عواقب اجتماعية لا يعلمها إلا الله، أو النهاية حتى على مستوى الحكم، ولهذا عندما نعبر عن شكوكنا فمن حقنا ذلك، ولا ينبغي لوزير الداخلية أن يحرمنا من هذا الحق، أو يفرض علينا ما يسميه ميثاق شرف الذي يحيل على ميثاق آخر وقعه أشخاص أهم منا ولم ينفع في شيء ، ومع ذلك يطلب منا ألا نشكك في الانتخابات وألا نطعن في نتائجها مسبقا، وهنا أصارحك القول، أنا لا أريد أن أطعن في الانتخابات، بل أريد أن أصعد إلى أعلى صومعة حسان وأعلن للعالم بأن الانتخابات مرت نزيهة في المغرب “وخَّا مانفوزوش بها ويفوز بها الحزب الفلاني”، بحيث أنا على استعداد لأهنئه من أعلى هذه الصومعة، هذا ما أريده لبلادي، لذلك “إلى بقينا غادين بهاذ المنطق، العدالة والتنمية جاي جاي”، الآن أو بعد خمس سنوات.. عموما ما يهم الآن هو أن وزارة الداخلية ليس عليها أن تضع القوانين فحسب، وإنما عليها أن تبعث الاطمئنان بأننا متجهون نحو مرحلة جديدة، وهذا لم يقع بعد.
– هل تقصدون مسألة الولاة والعمال؟
+ نحن نعتبر بأن الولاة والعمال يطبقون سياسة وزارة الداخلية، لكن مع الأسف الشديد، لا زلنا نسمع بأن الجهات التي كانت وراء تعيين هؤلاء العمال رجعت إلى التحكم في الدواليب بشكل أو بآخر، هذا الأمر لا يطمئننا، لكن هل ذلك يدفعنا إلى الحكم بأن الانتخابات ستكون مزورة؟ هذا غير صحيح، لذلك سنستمر في عملنا بالشكل الإيجابي، بحيث صوتنا على قوانين اللوائح الانتخابية بـ “لا” وتحفظنا على قانون المراقبة الذي صوَّتنا عليه بالامتناع، وننتظر القوانين الأخرى التي ستأتي بها وزارة الداخلية، والتي قد نصوت عليها بنعم أو “لا” أو بالامتناع، لذلك نتمنى، وإن لم يفز حزبنا بالمرتبة الأولى، أن نقول بصدق بأن الانتخابات مرت بسلام وعبَّرت عن قطيعة مع أساليب الماضي، لأن الدولة المغربية هي التي ستكون قد فازت في نهاية المطاف.
نحن نرى من خلال قناعة جازمة، أن في دواليب الدولة لا نشعر بأن هناك إجماعاً حول التدبير الديمقراطي للمرحلة السياسية، لأن في هذه الدواليب هناك جهات نافذة تعتقد بأن الربيع العربي بالنسبة للمغرب مجرد قوسين قد أغلقا، وهذا هو الخطر وليس حزب العدالة والتنمية، آنذاك لن تنفعنا لا وزارة الداخلية ولا عبد الإله بنكيران.
– أينما حل بنكيران يثير الزوابع، هل هذا طبع مُسْتحكم فيك أم مجرد سياق سياسي ارتبط بك؟
+ هناك نوع من العفوية في تصرفاتي وتصريحاتي وهذا طبع يلازمني منذ وجدت، ولا آخذ كثيرا بعين الاعتبار منطق التأويل الموجود في الصحافة والصالونات والكواليس السياسية، هناك الكثير من السياسيين أكثر كلامهم سكوت، لأنهم يخشون التأويل وحمل كلامهم على غير الوجه الذي قصدوه ولا يتحدثون إلا قليلا وبكلمات منحوتة بدقة كما لو أنها مرَّت من ميزان الرقابة التي كانت في زمن مضى، لأنهم لا يريدون وجع الرأس.. أنا على عكسهم، أحاول أن أتكلم وأتصرف بصدق وعفوية وهو ما يجر علي كل التأويلات التي تكون مغرضة أحيانا ومنافية حتى لما قلته بصدق.
أنا لا أحرك الزوابع، أنا أتحدث بتلقائية، لكن هناك جهات لا تريد حتى الحد الأدنى من الوضوح والصراحة، فماذا تريد هذه الجهات؟ تريد بطبيعة الحال أن نتركها تفعل ما تشاء وتتصرف كيفما تشاء بدون حسيب ولا رقيب، وأنت كحزب سياسي تستفيد من نصيبك من الكعكة سواء في البرلمان أو الحكومة أو العمال والولاة أو… وسيتسترون عليك إذا ما قمت بمخالفة ليكشفوها في الوقت الذي يريدون… أما إذا تكلمت في إطار المعارضة فينبغي أن يكون ذلك في حدود، وهنا أتساءل بهذا الخصوص عن أين أَوْصلتنا هذه السياسة، وأظن أنه لو كنت في دولة عادية فسيكون كلامي عاديا جدا، فعندما قلت، اسمحوا لي، إنني أشك في أحداث 16 ماي وفي من كان وراءها، اعتقدت أن هذا حداً أدنى في الكلام، فالكل يشك، لكن قامت حرب ضدي بشأن هذا التصريح، وحتى عندما صعدت إلى المنصة في مؤتمر الحركة الشعبية، وكانوا هم من طلبوا مني الإدلاء بكلمة، بحيث قلت بأن هناك حزباً ينادي بالإبقاء على ثلاثة أو أربعة أحزاب فقط، وقلت إذا كان ضروريا الإبقاء على هذه الأحزاب فينبغي أن تبقى الأحزاب المفرزة من رحم الشعب، وقد نال هذا الكلام إعجاب الحاضرين، إذن كيف يمكن أن تفسر للشعب المغربي أن حزب البام الذي خرجت الجماهير ضده في المغرب بأكمله تحالفت معه الحركة الشعبية، هذا أمر غير طبيعي!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.