سعد الدين العثماني يكتب: العبث وتدبير المرحلة

11-10-14
لا تزال التطورات السياسية المتتالية ببلادنا تكشف عن صعوبة التحول الديمقراطي، على الرغم من مضمنات الدستور الجديد، والحراك الشعبي الذي برهن عن تطلعات شعبية واسعة، وعلى الرغم من الخطاب الرسمي الوردي.
فإجراءات الثقة المنتظرة والدالة على تغير عميق في نمط التعامل لم تجد بعد طريقها إلى الواقع. فبقي السجناء على خلفيات سياسية وراء القضبان. وتناسلت التقارير الحقوقية حول وضعية الكثير منهم المزرية داخل السجون، واستمرت محاكمات الصحفيين. أما إجراءات مقاومة الفساد والمفسدين فلا جديد فيها وليس مصير آخر تقارير المجلس الأعلى للحسابات وما رصده من اختلالات العديد من المؤسسات العمومية والإدارات إلا نموذجا صارخا على ذلك.
أما طريقة التعامل مع المؤسسات الدستورية فقد بقيت متصفة بسمات الارتباك وأحيانا الاستخفاف. وقد كشف عن بعض ذلك طريقة الحكومة في سحب مشروع قانون المالية الأخير من مجلس النواب، بطريقة لا نعرف معها من يفعل ماذا، وما هي صلاحيات كل واحد.
وأتت طريقة تعامل وزارة الداخلية مع القوانين الانتخابية والإعداد لاستحقاقات 25 نونبر في قمة التخبط ووضوح غياب الرؤية. وتنتهي في بعض الأحيان إلى فرض سياسة الأمر الواقع ضدا على توجهات معلنة لأكثر الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، التي تصوت فرقها البرلمانية على توجهات وإجراءات قد لا تريدها.
ووصل العبث قمته بوضع بعض الأحزاب لمقترح قانون يعدل بموجبه قانون 36.11 القاضي بتجديد اللوائح الانتخابية، الذي صادق عليه البرلمان فترة قصيرة قبل ذلك. وكانت الحكومة قد أصدرت مرسوم تطبيق هذا القانون بتاريخ 21 شتنبر 2011 يتضمن تواريخ الآجال المقررة للتجديد المذكور. ولما تنبهت وزارة الداخلية بعد كل هذه المراحل إلى أن ما ورد في مرسومها لن يسمح بإعلان اللوائح الانتخابية النهائية إلا بعد يوم الاقتراع، لجأت إلى دفع بعض الأحزاب إلى تعديل القانون الأصلي لإنقاذ عبثها في سابقة قد تستحق معها وزارة الداخلية دخول موسوعة غينيس لضربها الرقم القياسي في العبث.
فهو من جهة يعكس غياب أي رؤية لإعداد الانتخابات، وغياب أي برنامج واضح للخطوات التي تقترحها، ولو على المدى القصير. وهي حالة غير مسبوقة في تعامل الحكومات المتتالية مع أمثال هذه الملفات. وهو عبث انطلى أيضا على الأغلبية الحكومية التي صادقت على قانون غير قابل للتطبيق في الآجال المعلن عنها، وكأنها تصوت ميكانيكيا على كا ما تأتي به وزارة الداخلية.
كما يعكس الأمر من جهة ثانية استخفافا واضحا بمؤسسة البرلمان. فبدلا من أن تراجع الحكومة مواعيدها المتتالية بما فيها موعد إجراء الانتخابات بتأخير يوم الاقتراع ليتسنى احترام المواعيد القانونية لمختلف مراحل تجديد اللوائح الانتخابية، لجأت إلى دفع أغلبيتها لتعديل القانون.
ويقضي هذا التعديل بتقليص مختلف الآجال المنصوص عليها في قانون تجديد اللوائح الانتخابية، فتقلص آجال الاطلاع على اللائحة الانتخابية المؤقتة وقائمة التشطيبات الجديدة من 5 أيام إلى يومين فقط، مما يعني إضرارا بالغا بعملية المراجعة وخصوصا أن الفقرة الأخيرة من المادة 14 من القانون المذكور تنص على أنه “لا يقبل أي طلب أو شكوى بعد انصرام الأجل المنصوص عليه أعلاه”.
كما قلصت آجال التبليغ وبت المحاكم إلى يومين. وهو ما يعني بكل بساطة المساس بضمانات تصحيح سليم للوائح الانتخابية.

ومن كل هذا يمكن الانتهاء إلى الخلاصات التالية:
إن ارتباك الحكومة يتأكد يوما بعد يوم، بل ويزداد مع مرور الوقت، وهو برهان جديد على دم امتلاكها لرؤية واضحة للمرحلة، وجريها وراء سراب الموعد الانتخابي دون ضمانات إتقانه وجعله محطة تليق بانتظارات الشعب المغربي ومتطلبات المرحلة.
إن القرارات المرتبكة المتتالية وطريقة التدبير العبثية تلك يتحمل كل من أسهم فيها مسئولية تاريخية كبيرة بالمجازفة بالوضع السياسي، وتكريس التصرف بعقلية التحكم وليس بأسلوب الشراكة السياسية واحترام المؤسسات. ومهما حاولوا ربح الوقت وتأخير الإصلاحات الديمقراطية الضرورية والإبقاء على هيمنة وزارة الداخلية فإن التطورات أكبر من أماني مقاومي التغيير والإصلاح.
إن ارتباك تدبير المرحلة والتخبط في قراراتها يضيع على بلادنا فرصة ثمينة، ولا يجعلها تستفيد من الحراك الشعبي الناضج والتعبئة الشعبية للإصلاح. وهما أمران إن لم يؤخذا بعين الاعتبار وفقد التناغم الجيد معهما، كانت الخسارة كبيرة.  
ليس هناك من بديل من الصدق مع الذات، وتوفير شروط ربح رهان بناء مغرب ديمقراطي يحفظ فيه كرامة المواطن، مغرب دولة الحق والقانون.
إن الانتخابات التشريعية المقبلة محط أنظار الجميع، وهي محطة مفصلية في المرحلة الراهنة، فإما أن تبرهن على وجود إرادة للإصلاح، فتطمئن النفوس، ويتنفس الوضع الشعبي العام الصعداء بانبثاق أمل في الأفق، وإما أن تستمر اختلالات التحكم وصنع الخرائط وإفساد إرادة الناخبين، فنخظئ موعدنا مع التاريخ ويكون الخاسر هو المغرب ومستقبله الواعد.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.