الشقيري يكتب: على هامش الفوز الكاسح لحزب النهضة بتونس

أحمد الشقيري الديني*

11-10-28

تصدر حزب النهضة الإسلامي بفارق كبير نتائج انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيوكل إليه مهمة وضع دستور جديد لتونس ما بعد عهد بورقيبة وبنعلي، ولهذا الفوز دلالات وعبر نلخصها فيما يلي:
أولا: هذه النتيجة هي أولى ثمرات الربيع الديمقراطي الذي دشنته ثورة الياسمين بقيادة البوعزيزي الثائر على نظام القمع البوليسي الذي أرسته الحداثة البورقيبية المزيفة.
ثانيا: هذا الفوز الكبير للإسلاميين بتونس يدل دلالة قاطعة على أنهم شكلوا العمود الفقري للثورة التي أطاحت بالجنرال بنعلي في 14 يناير من السنة الجارية.
ثالثا: عودة حزب النهضة الإسلامي الذي كان محظورا في العهد البائد بهذه القوة إلى مسرح الأحداث كلاعب رئيسي، يدل على الفشل الذريع للمقاربة الأمنية الاستئصالية في معالجة الظاهرة الإسلامية، وهي المقاربة التي سوّق لها النظام القمعي التونسي في المنطقة ظنا منه أنها نجحت في استئصال شأفة الإسلاميين المعتدلين، ولقيت ترحيبا من بعض الدوائر الغربية، التي أمدّت النظام بالقروض والتسهيلات المالية، وغضت الطرف عن الانتهاكات المروّعة لحقوق الإنسان بهذا البلد الصغير في حجمه الكبير بتطلعاته، وتحدثت عن المعجزة الاقتصادية التونسية، ليفاجأ العالم بعد ثورة الياسمين بالكذبة الكبيرة التي سوّق لها الإعلام الغربي، لتغطية الواقع المخيف الذي آلت إليه الأوضاع في دولة كان يديرها مجموعة من اللصوص وناهبي المال العام، تخرّجت من مدرسة آل بنعلي وآل الطرابلسي.
رابعا: نصف قرن من التحديث القسري خارج الإطار العام للمبادئ الإسلامية، وعلمنة المجتمع التونسي، وحظر الحجاب والاستهزاء بالأذان وبالشعائر الدينية، ونهج الأرض المحروقة في ملاحقة الإسلاميين المعتدلين في الداخل وفي الخارج، والحكم بالإعدام على حركة النهضة ومؤسسها الشيخ راشد الغنوشي، لم يحل ذلك كله دون تعبير المجتمع التونسي، في أول فرصة أتيحت له أن يدلي برأيه الحر دون خوف أو مصادرة أو تزوير، عن تشبثه بمبادئه الإسلامية في بناء الدولة الحديثة، قوامها الإسلام والديمقراطية والحرية والمساواة والتنمية والعدالة الاجتماعية، وهي الشعارات التي رفعها حزب النهضة التونسي منذ تأسيسه قبل ثلاثة عقود، وكان اسمه آنذاك الاتجاه الإسلامي، ودافع عنها وأصّل لها كمبادئ مؤسسه الشيخ راشد الغنوشي في عشرات الرسائل والمقالات والكتب، ويتبنّاها التيار الوسطي الأوسع انتشارا في العالم الإسلامي اليوم.
خامسا: هذه المشاركة المكثفة للناخبين التونسيين (80 في المائة)، خصوصا الشباب، في الاستحقاقات الأخيرة، وهي أول استحقاقات تجري بتونس في ظل الربيع الديمقراطي، تدل دلالة واضحة على عدم سلبية الشباب العربي والأمازيغي تجاه السياسة كما يسوّق لذلك الإعلام الرسمي، بل هناك متابعة من الشباب لما يدور حوله من أحداث، وأنه معني ببناء مستقبله، منخرط في الحراك السياسي بشكل إيجابي، منفعل مع واقعه، متابع لما يجري حوله، قادر على قلب ميزان القوى وفق آليات متنوعة، سواء بالمشاركة السياسية عبر صناديق الاقتراع عندما تكون اللعبة واضحة وقواعد النزاهة فيها محترمة، أو النزول للشارع في مظاهرات سلمية ترفع شعار “الشعب يريد…”، أو النزول لساحات القتال والجهاد المسلح عندما يختار النظام القمعي توجيه دباباته وآلياته العسكرية لصدور أبنائه وشعبه، كما وقع في ليبيا ويقع في سوريا.
سادسا: إذا كان النظام العلماني المتسلط قد عمل على إقصاء الصوت الإسلامي ولم يعترف به إلا بعد سقوط نظامي بنعلي ومبارك، فإن أول تصريح للشيخ راشد الغنوشي بعد إعلان النتائج الأولى لفوز حزبه في انتخابات المجلس التأسيسي تضمّن رغبته في إشراك أحزاب علمانية، والتحالف معها لبناء مستقبل تونس الجديدة، مما يدل على زيف الاتهامات التي توجه للإسلاميين عموما، وهي الإقصاء والانقلاب على الديمقراطية ومصادرة حقوق المرأة وإعلان الحرب على الغرب الصليبي، وكلها اتهامات زائفة وظالمة، الهدف منها إقصاء التيار الأوسع انتشارا في المنطقة، والاستئثار بالقرار السياسي وبالثروة خارج أي رقابة شعبية حقيقية.
سابعا: من دلالات الفوز الكاسح لحزب النهضة بتونس زيف نتائج بعض الدراسات والأبحاث الغربية التي توصلت إلى أن الإسلام السياسي يعرف تراجعا وانتكاسا لصالح التيارات الجهادية بالمنطقة.
الانعكاسات المحتملة لنتائج الانتخابات التونسية على استحقاقات 25 نونبر المقبلة بالمغرب
ما جرى في تونس الشقيقة من تصدر الإسلاميين لنتائج الانتخابات الأخيرة لا يختلف عمّا يمكن توقعه في باقي دول المغرب العربي إذا جرت انتخابات نزيهة وشفافة، سواء في المغرب أو الجزائر أو ليبيا أو موريتانيا، وإذا كان المغرب سيخوض أول انتخابات تشريعية في ظل دستور جديد يقلص من صلاحيات الملك ويعطي مجالا أوسع لرئيس الحكومة، وفي سياق ما بات يعرف بالربيع الديمقراطي، والشعارات التي ترفعها حركة شباب 20 فبراير، والتي ستعرف زخما أكبر الأسابيع المقبلة مع سقوط النظام الليبي، فإننا نتصور ثلاثة سيناريوهات تأخذ فيها الدولة بعين الاعتبار ما جرى في تونس من اكتساح إسلامي لنتائج الانتخابات وسقوط نظام مجنون ليبيا:
أولا: مزيد من التحكم في الخريطة السياسية حتى لا يتمكن حزب العدالة والتنمية من تصدر نتائج الانتخابات التشريعية التي تمكنه من رئاسة الحكومة المقبلة، وبالتالي إعطاء صورة سلبية عن إمكانية الإصلاح في ظل الاستقرار التي راهن عليها الحزب ذي المرجعية الإسلامية، وتقوية المقاربة القائمة على ضغط الشارع ورفع شعار “الشعب يريد…” التي آتت أكلها في دول مجاورة.
ثانيا: الدخول في مفاوضات مع حزب العدالة والتنمية من أجل ترتيبات وضعه ما بعد تشكيل الحكومة المقبلة، بحيث يكون له دور جديد في الانتقال الديمقراطي الذي فشل مع حكومة اليوسفي، أو لم ينجح في الدور المنوط به على الأقل، وهذا السيناريو في تقديرنا أصبح متجاوزا بسبب الغليان الذي يعرفه الشارع المغربي، وقد يضرّ بصورة الحزب الشعبية إلى حد كبير إذا ما استجاب له.
ثالثا: حرص الدولة على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعيد الأمل للشعب المغربي وتنقله إلى مصاف الدول الديمقراطية كما أكد على ذلك الملك في أكثر من مناسبة، بغض النظر عن نتائج صناديق الاقتراع، وهذا السيناريو هو الإجابة الوحيدة على أسئلة الشارع المقلقة، لكنه في تقديرنا مستبعد لأن هناك في دوائر القرار من لا يزال يؤمن بصناديق “الاختراع” بدل صناديق الاقتراع!!  اختراع الأحزاب والأغلبيات والحكومات والنخب والسياسات…


* عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.