في الحقائق الخمس والعشرين لقضية الدكتور عبد العلي حامي الدين

تقديم
يكمن الغرض الأساس من هذه الورقة/المذكرة تقديم التوضيحات الضرورية واللازمة بشأن ملابسات المتابعة القضائية الجارية في حق د. عبد العلي حامي الدين، ودحض جميع الأكاذيب والافتراءات المثارة بصدد هذه القضية، خاصة وأن هذه المتابعة تفتقر للأساس القانوني الذي يسندها. بل إن في إثارتها مجددًا ما يضرب في العمق مبادئ جوهرية تشكل النواة الصلبة للمحاكمة العادلة، لا سيما ما تعلق منها بمبدأ سبقية البت ومبدأ قوة الأمر القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به، وهو الأمر الذي من شأنه أن يهدد استقرار أحكام العدالة واستتباب الأمن القضائي.
خاصة وأن إثارة هذه القضية مجددًا قد سبقه تنظيم حملات إعلامية تحريضية ممنهجة ترعاها جهات معينة تسعى بسوء نية وبشكل متكرر للترويج لاتهامات جنائية مغرضة. وهي الاتهامات التي ترمي إلى إدانة د.عبد العلي حامي الدين والنيل من سمعته الشخصية، بالكذب والبهتان والقذف والتشهير لأغراض سياسية، وكذا محاولة تشويه سمعة الهيئة الحزبية التي ينتمي إليها.
والواقع، أن هذه الجهات تعمل جاهدة لإحياء ملف قضائي يعود إلى سنة 1993، أي منذ ربع قرن..25 سنة تحديدا، رغم وجود عدة أحكام ومقرَّرات قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به لفائدته، الشيء الذي يطرح عدة تساؤلات حول أبعاد هذا الاستهداف، لا سيما:
1- أن القضاء قد أصدر بصدد هذه القضية حكمه النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به؛
2- أن أقوال المدعو الخمار الحديوي الذي يراد له أن يكون شاهدا جديدا، وهو المتابع في هذه القضية منذ سنة 1993، هي أقوال متهاوية ومتضاربة، قدم خلالها من أُريد له أن يكون شاهدا 12 تصريحا أمام الشرطة القضائية وقضاء التحقيق وقضاء الحكم لم يأت فيها على ذكر اسم عبد العلي حامي الدين ولم ينسب له أي تهمة بالمساهمة في القتل العمد، رغم أنه حوكم  معه سنة 1993 وقضى معه الحكم بالحبس لسنتين في نفس السجن؛ ورغم أنه كان شاهدا في ثلاثة قضايا أخرى سنة 2006 و2011 و2015، فإنه لم يسبق له أن اتهمه أصلا، بل إنه نفى معرفته به أصلا سنة 2011 كما هو مثبت بمحضر رسمي.3- أن قرار قاضي التحقيق بفتح المتابعة في حق عبد العلي حامي الدين يُعدُّ قرارًا مفتقرا لأساسه القانوني ومبنيًا على شهادة متهاوية وضربا لمبادئ أساسية تقوم عليها أركان المحاكمة العادلة.
وهو ما سنحاول أن نستفيض في بيانه والاستدلال عليه، بما يسمح به المقام في النقاط الموجوزة التالية:

أولا: وقائع ما جرى أمام القضاء1- يعود أصل القضية، التي نحن بصددها، إلى الأحداث التي شهدتها جامعة فاس بتاريخ 25 فبراير 1993، والتي كانت موضوع بحث تمهيدي مفصَّل أُنْجِز بشأنه محضر الشرطة عدد 296 بتاريخ 1 مارس 1993، ومحضر عدد 4789 بتاريخ 15 أبريل 1993 عن الأمن الإقليمي بفاس؛2- وعلى أساس من هذين المحضرين، تم تقديم عبد العلي حامي الدين إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بفاس، إلى جانب المسمى الحديوي الخمار (الشاهد المزعوم الذي يجري تقديمه وكأنه شاهد جديد في القضية) وشخص آخر، ومتابعتهم جميعا في القضية نفسها نظرا لوحدة الأشخاص والوقائع (انظر قرار المحكمة بتاريخ 21/2/1994 الرامي إلى ضم الملف 8/94 إلى الملف 229/93)؛3- وبغض النظر عن الحقيقة التي يتشبث بها د.عبد العلي حامي الدين، فقد تمت إدانة المتابعين الثلاثة بجنحة المساهمة في مشاجرة ارتكب أثناءها عنف أدّى إلى وفاة، طبقا للفصل 405 من ق.ج.
وعلى أساس هذه المتابعة، قضت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بحبس المتابعين سنتين نافذتين، وبراءتهم من جناية الضرب والجرح المفضي إلى الموت بدون نية و إلحاق أضرار بملك الغير. (انظر قرار المحكمة رقم 164، بتاريخ 4/4/1994(4-  إن القضاء عندما نظر منذ البداية في القضية سنة 1993، وبناءً على كل المعطيات الماثلة أمامه، (محاضر الضابطة القضائية، شهادات الشهود، تصريحات المتهمين، المرافعات…)، اعتبر القضية تتعلق بجناية متمثلة في جريمة الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح الأبيض أفضيا إلى الموت دون نية القتل. ولم يتبين لقاضي التحقيق أن هناك جناية متمثلة في المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد.
ولما عرضت القضية على أنظار المحكمة، وبعد التمحيص والتدقيق ومن خلال الوقائع، أعادت التكييف على أن الفعل يُشكّل جنحة متمثلة في المساهمة في مشاجرة أدّت إلى وفاة. وبهذا تكون المحكمة قد برّأت عبد العلي حامي الدين من جناية الضرب والجرح المفضي إلى القتل بدون نية إحداثه، ومن باب أولى من جناية القتل العمد.
فكيف، إذاً، يكون مقبولاً عقلا ومنطقا، فبالأحرى قانونا، أن يُعاد تكييف القضية وهدم حكم حائز على قوة الشيء المقضي به بعد استنفاذه جميع درجات التقاضي، والقفز على مبدأ سبقية البت بناء على تصريح جديد لمتهم مدان ناقض قوله الجديد أقوال سابقة عديدة ومثبتة في محاضر رسمية.
ثانيا: الخمار الحديوي: أقوال متهافتة صُوّرت وكأنها شهادة جديدة5- لم يعد خافيّاً أن مدار هذا الملف كلّه حول ما ادُّعيَ شهادة للمسمى الحديوي الخمار، والذي سبق الإشارة إلى أنه كان طرفاً متابعاً إلى جانب عبد العلي حامي الدين وشخص آخر في القضية الجنائية عدد 229/93. إذ آخذت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس، بتاريخ 4 أبريل 1994، الثلاثة بجريمة المساهمة في مشاجرة ارتكب أثناءها عنف أدّى إلى وفاة، طبقا لمقتضيات الفصل 405 من القانون الجنائي، دون متابعتهم بمقتضى الفصل 403 منه والمتعلق بجريمة الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح الأبيض أفضيا إلى الموت دون نية القتل. (سبق الإشارة إلى مرجع الحكم أعلاه)
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشخص أشار، خلال مراحل عرض القضية على المحكمة آنذاك، إلى عبد العلي حامي الدين باعتباره طرفا في المشاجرة، ولم يسبق له البتة أن نسب إليه أي دور محدّد في الجريمة، سواء أمام الشرطة أو أمام قاضي التحقيق أو أمام قضاء غرفة الجنايات.6- لقد تم النظر في نفس القضية سنة 2006، بمناسبة محاكمة السيد عمر محب بناء على شكاية جديدة، ولم يسبق للمدعو الخمار الحديوي أن ذكر شخص عبد العلي حامي الدين أو نسب إليه أي فعل، سواء :
– خلال تصريحه بمخفر الشرطة في 15 أكتوبر 2006؛
– أو خلال مرحلة التحقيق؛
– أو خلال النظر في القضية أمام غرفة الجنايات الابتدائية، والتي صدر بشأنها قرار عدد 539 بتاريخ 11 شتنبر 2007؛
– أو خلال النظر في القضية أمام غرفة الجنايات الاستئنافية؛
– أو بعد النقض خلال النظر في القضية من جديد من طرف غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 23 ابريل 2009.7- ثم أُثيرت القضية من جديد سنة 2011، وللمرة الثالثة، بمناسبة الشكاية التي تقدم بها المسمى الحسن آيت الجيد، حيث تم الاستماع مجددا إلى المدعو الخمار الحديوي، والذي نفى نفيا قاطعاً جازماً معرفته بعبد العلي حامي الدين، مصرّحاً بالحرف:
“لا أستطيع أن أجزم لكم ما إذا كان عبد العلي حامي الدين كان وقتها حاضرا أو لا وقت الاعتداء الذي تعرضنا له أنا ومحمد آيت الجيد لسبب واحد أن المجموعة كانت تتكون من 25 إلى 30 فردا، وكما ذكرت لكم التقيته أول مرة بالسجن، (…)”.
“أؤكد لكم ما سبق أن ذكرته أعلاه أنه خلال الاعتداء الذي تعرضنا له أنا ومحمد آيت الجيد لم أشاهد المسمى عبد العلي حامي الدين من بين المجموعة بحكم كثرتهم (…)”. (انظر محضر الشرطة القضائية الذي استمعت فيه إلى أقوال المدعو الخمار الحديوي بتاريخ 16 نوفمبر 2011، والمحال على السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 20 فبراير 2012(
8- أنه، في سنة 2015، في مرحلة البحث التمهيدي في القضية المتعلقة بالسيد توفيق كادي ومن معه لم يصرح ” الشاهد المزعوم” الحديوي الخمار بأي دور خاص لعبد العلي حامي الدين في واقعة مقتل الضحية محمد آيت الجيد ( قضية تتعلق بالموضوع نفسه بسبب شكاية حسن آيت الجيد).
– أنه وخلال مرحلة التحقيق في القضية أعلاه (كادي ومن معه)، لم يصرح الحديوي الخمار بأي دور خاص للسيد عبد العلي حامي الدين.
– أنه وخلال محاكمة السيد توفيق كادي ومن معه أمام الغرفة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بفاس صرح “الشاهد المزعوم” الحديوي الخمار خلال جلسة 26 دجنبر 2016 لأول مرة بأن “الذي وضع رجله على رأس الهالك هو حامي الدين عبد العلي، وأنه عرفه بعد اعتقاله بالسجن وأن الأشخاص الذين أحاطوا بهما (هو والضحية) يتراوح عددهم بين 25 و 30 شخص”!!
9- هكذا، وبعد مرور ربع قرن من وقوع الأحداث سنة 1993، وبعد الاستماع إلى الحديوي الخمار (الشخص الذي يُراد له أن يكون شاهدا في القضية) بشكل رسمي لـ 12 مرة (4 مرات أمام الشرطة، و4 مرات أمام قضاء التحقيق، و4 مرات أمام غرفة الجنايات)، وبعد أن حوكم الخمار وعبد العلي حامي الدين في القضية نفسها سنة 1994، ونفّذا سويةً حكم الحبس لسنتين في نفس السجن، كلَّها وقائع عديدة لم يسبق خلالها جميعا أن نسب الحديوي الخمار أي تهمة لعبد العلي حامي الدين، بل نفى تعرّفه عليه أصلا. وانتظر إلى حدود 26 دجنبر 2016 لينطق الخمار، (الشاهد المزعوم) الوحيد الأوحد، بـ”شهادة” مضطربة تدعي (وضع عبد العلي حامي الدين رجله على رأس الضحية محمد آيت الجيد)، خلافا لما صرح به طيلة الـ 25 سنة، وعلى مرّ نظر المحكمة في القضية ثلاثة مرات، أدلى خلالهن بـ 12 تصريح..10- لكل ما سبق، وبحكم أن الحديوي الخمار صرّح أمام الشرطة القضائية بفاس في 16 نونبر 2011 بأنه “لا يستطيع أن يجزم أن عبد العلي حامي الدين كان حاضرا أم لا وقت الاعتداء وأن المجموعة كانت تتكون من 25 إلى ثلاثين فردا وأنه التقاه أول مرة خلال السجن”، بمناسبة التحقيق في شكاية الحسن آيت الجيد، قرّر الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بفاس حفظ الشكاية لسبقية البت في القضية بمقتضى قرار قضائي.11- ثم عادت الجهة المشتكية وتقدمت بتاريخ 22/04/2013 بشكاية مباشرة أمام قضاء التحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس، وقد قرّر قاضي التحقيق عدم فتح تحقيق في وقائع الشكاية، وذلك باعتبار أن الأفعال المنسوبة إلى المشتكي به عبد العلي حامي الدين سبق البت فيها بمقتضى قرار قضائي أصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به، ولا تستوجب قانونا إجراء المتابعة من جديد على اعتبار أنه سبق أن توبع وحوكم من أجل نفس الأفعال التي كان ضحيتها الهالك محمد آيت الجيد.
12-    يلاحظ أن هذه (الشهادة) المزيفة جاءت في سياق دخلت فيه عناصر جديدة في الدفاع (حاجي والهيني) اللذين كانا يرفعان صورة عبد العلي حامي الدين في محافل عامة في الداخل والخارج ويتهمانه بالقتل في سياق صراعات لا علاقة لها بموضوع الأحداث الجامعية لسنة 1993، ودون حاجة للاستطراد في هذا الموضوع فتصريحاتهما المتهجمة والمتكرّرة تؤكّد الطابع العدواني لمواقفهما ومحاولتهما إقحام القضاء وسيلة للنيل من خصمهما.
13- إن هذه (الشهادة) المزيفة جاءت بعدما رفعت لافتات في ما عرف بمسيرة ولد زروال بتاريخ 18 شتنبر 2016، هذه اللافتات التي حملت عبارات قدحية وتحريضية في حق عبد العلي حامي الدين مع توجيه اتهامات له بالقتل، وهذه المرة بحضور المشتكي حسن آيت الجيد.14- إن العلاقة وطيدة وأكيدة بين المعطيات الواردة في الملاحظتين 6 و 7 و(الشهادة المزيفة)، وما رافق هذه المعطيات من تحريض وتأليب إعلامي مخدوم يستعمل نفس خطاب الكراهية والتحريض ويقذف بالاتهامات ويطلق التهديدات سواء من خلال الجمعية التي أُسّست باسم آيت الجيد سنة 2015، أو من خلال أشخاص معروفة توجهاتهم، أو من طرف أقلام تتحرك بإيقاع واحد وتتحدث باللغة نفسها مما أثّر أيضا على مسار القضية الذي عرف صدور قرار عجيب وهو قرار قاضي التحقيق بتاريخ 7 دجنبر 2018 والذي أمر بمتابعة عبد العلي حامي الدين من أجل جناية المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.15- إن هذا (الشاهد) يجرح شهادته بنفسه إذ أنه يعترف بوجود خصومة إيديولوجية بينه وبين الاتجاه الذي ينتمي إليه عبد العلي حامي الدين وأنه تعرض للضرب و…و ، وبغض النظر عن بحث مدى صحة دعواه فإن موقعه الذي وضعته فيه المحكمة (عندما نظرت في القضية لأول مرة) كمتهم ومدان في القضية نفسها، وموقعه الذي وضع نفسه فيه باعتباره خصما (تصريحاته المختلفة) تجعل تصريحه مجرد ادعاء يفتقر إلى الدليل ولا يمكن بحال من الأحوال أن يصل مرتبة الشهادة، فبالأحرى أن يصل إلى مرتبة العناصر أو الوقائع الجديدة.
16- هل يمكن أن ندرج في مفهوم العناصر الجديدة شهادة شاهد لم يكن غائبا ولا مكرها، وإنما كان حاضرا وأدلى بشهادته في حينه، ثم أدلى بشهادات متناقضة بعدها؟

ثالثا: قرار قاضي التحقيق الأخير: مبني على شهادة واهية17- خلافا لما سار عليه القضاء بمحكمة الجنايات (سنة 1994)، وسلكته النيابة العامة (سنة 2011) وقاضي التحقيق (سنة 2013)؛ أصدر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس قراره بإجراء متابعة في حق د.عبد العلي حامي الدين بناء على أقوال جديدة تذكرها الحديوي الخمار (الشاهد المزعوم) بعد 25 سنة على الوقائع الأصلية.
إن ما اعتمد عليه السيد قاضي التحقيق في المتابعة مجرد تصريح شخص كان قد أدين مع عبد العلي حامي الدين في نفس القضية سنة 1993.
18- إن ما استند إليه السيد قاضي التحقيق في قراره القاضي بالأمر بمتابعة السيد عبد العلي حامي الدين عديم الأساس من حيث الواقع:
• للأسباب المذكورة أعلاه؛
• لكون (الشاهد) الخديوي الخمار لم يذكر الواقعة (الجديدة)؛
• وأيضا لكون الشاهد العويني محمد (أستاذ جامعي) شهد خلال المحاكمة الأولى سنة 1993-1994 أمام غرفة الجنايات، بأنه تم استعطافه من قبل مواطنين لنجدة عبد العلي حامي الدين الذي كان مصابا أمام كلية الحقوق، وفي حالة يرثى لها، حيث قام بنقله على متن سيارته إلى المستشفى. نافيا أن يكون قد نقله من موقع النازلة أو أنه كان قريبا من الضحية.
19- من حيث القانون؛ أنه وخلافا لما استدل به السيد قاضي التحقيق في الأمر بالمتابعة فإن المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية وهي تنص على: “أن كل متهم حكم ببراءته أو بإعفائه لا يمكن أن يتابع بعد ذلك من أجل نفس الوقائع ولو وصفت بوصف قانوني آخر”، مستدلا بعبارة البراءة والإعفاء على أنهما الحالتان اللتان لا يجوز فيهما متابعة نفس المتهم مرة أخرى؛ فإنها (أي المادة 369) حجة في الموضوع، باعتبار أن الأمر هنا يتعلق بقياس الأولى، إذ أن استفادة المتهم المدان من حجية المحاكمة السابقة إذا اتحدت الوقائع أولى من استفادة الشخص المبرأ أو المعفى من المتابعة. إذ كيف يصح أن يؤول أمر شخصين كانا متابعين في قضية واحدة أحدهما تمت تبرئته والآخر تمت إدانته وقضى عقوبة سجنية (أكثر من خمس سنوات)، وبعد ذلك يمكن إذا ظهرت أدلة جديدة (لو افترضنا في هذه القضية أدلة جديدة) أن يخضع المدان لمساءلة قضائية جديدة خلافا للمبرأ الذي لم يخضع لأية عقوبة؟
ومعلوم أن القياس إذا كان لا يتصور في مادة القانون الجنائي، فمن المؤكد أن له ما يبرّره في مادة المسطرة الجنائية، إنه لو صحّ استدلال قاضي التحقيق، لصحّ أن قوله تعالى: “ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما”، لا يفيد حرمة سبهما وتعنيفهما!!
20- من جهة أخرى، فقد قضى قاضي التحقيق بكون الدفع بالمادة  4 من قانون  المسطرة الجنائية التي تنص على أنه: “تسقط الدعوى  العمومية  بموت الشخص المتابع وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به”، لا يندرج في دائرة اختصاصه لكونه قدم وقت القيام بإجراءات التحقيق وقبل إقامة الدعوى العمومية، وهو مرتبط بها، وبذلك يدخل ضمن اختصاص الجهة القضائية المحال عليها الملف..!
إن هذا التوجه لا يقوم على أساس، إذ أن الأمر يتعلق بمسقطات الدعوى العمومية في أي مرحلة من مراحلها فموت الشخص المتابع والعفو الشامل وصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به، كلّها أسباب  تؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية متى قامت هذه الأسباب وخلال أية مرحلة من مراحل الدعوى العمومية (وهو ما سبق للوكيل  العام الاستدلال به في نفس الموضوع وقرّره قاضي التحقيق).
21-  إنه وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 707 من قانون المسطرة الجنائية يلاحظ أنها تنصّ بشأن المغربي مرتكب جريمة في الخارج من أنه لا يمكن أن يتابع ويحاكم إلا إذا عاد إلى الأراضي المغربية، ولم يثبت أنه صدر في حقه حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به.
وبذلك لا يتصور أن تقوم الحجية لحكم أجنبي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ولا تقوم الحجية لحكم صادر عن محكمة مغربية أمام محكمة مغربية.22- إن المادة 710 من قانون المسطرة الجنائية بدورها تنص بشأن الأجنبي من كونه يمكن متابعته والحكم عليه ولو ارتكب جناية خارج أراضي المملكة يعاقب بها القانون المغربي إذا كان ضحية هذه الجناية من جنسية مغربية ويستثنى من المتابعة والمحاكمة المتهم الذي يثبت أنه حكم عليه بالخارج من أجل هذا الفعل بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وفي حالة إدانته يتعين عليه أن يثبت أنه قضى العقوبة المحكوم بها أو أنها تقادمت، وهو ما لا يتصور معه مرة أخرى أن تكون الحجية لحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به صدر بالخارج ولا تكون لحكم صدر بمحاكم المملكة.
23- إن المادة 14 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي صادق عليه المغرب وأصبح طبقا لما نص عليه الدستور من سمو للمواثيق الدولية، له حجيته التشريعية، تنص في الفقرة السابعة منها على أنه : “لا يجوز تعريض أحد مجددًا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد”.24- إن قرار قاضي التحقيق لم يخرق حجية الأمر المقضي به بالنسبة لقرار غرفة الجنايات فقط وإنما أيضا بالنسبة لقرار محكمة النقض الذي غدا مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، والصادر بتاريخ 11/06/1998 بموجب القرارات عدد 1879/8 و1880/8 و1881/8 والقاضي بسقوط طلب النقض في الملفات عدد 1594/3/8/95 و1596/3/95 و1598/3/95، كما نقض القرار السابق لقاضي التحقيق والقاضي بالأمر بعدم المتابعة.

رابعا: الحقيقة التاريخية25- وواقع الحال أن عبد العلي حامي الدين لم تكن له أي علاقة بمقتل آيت الجيد، رحمه الله، أو أي علاقة بحالة عنف أخرى. والحقيقة أنه اعتقل بالمستشفى بعد أن حمله الأستاذ الجامعي العويني محمد، مصاباً في رأسه للاستشفاء جراء إصابة في الرأس أمام كلية الحقوق، وقبل اندلاع المواجهة الأخرى بأحد الأحياء المجاورة..
وأنه عندما تم اعتراض آيت الجيد والخمار فإن عبد العلي حامي الدين كان في المستشفى يخضع للعلاج من إصابته الخطيرة التي كان من الممكن أن تودي به.
وغني عن البيان، أن الدكتور عبد العلي حامي الدين وتشبثاً منه ببراءته، تقدم لدى هيئة الإنصاف والمصالحة بطلب لدراسة ملفه، وهو ما استجابت له الهيئة بعد قيامها بالتحريات اللازمة. وصدر بصددها قرار تحكيمي للهيئة أكّد الطابع التعسفي لاعتقاله وقضى له بتعويض لجبر الضرر، حيث انتهى هذا المقرر إلى:
“أن الاعتقال تم دون التقيد بالشروط والمساطر القانونية والضمانات المنصوص عليها …،مما يكون معه الاعتقال تعسفيا” (انظر قرار رقم 1221 بتاريخ 30 نونبر 2005(
ولعله من نافلة القول، الإشارة إلى أنه لو قدّر الله أن ينقل الأستاذ الجامعي عبد العلي حامي الدين إلى مصحة خاصة غير مستشفى الغساني ما كان سيتعرض إلى هذا الاعتقال التعسفي، وما كان لاسمه أن يرد ضمن لائحة المتابعين في هذه القضية، لأن الحقيقة التي لا غبار عليها أن حامي الدين كان بالمستشفى حين كانت الأحداث مندلعة، ولم يسبق له أن شارك أصلا في أي مواجهات.
انطلاقا من كل ما سبق تنكشف الخلفيات الحقيقية التي كانت وراء إعادة إحياء ملف حسم فيه القضاء، منذ أكثر من ربع قرن، وهي الخلفيات المرتبطة بتصفية حسابات سياسية بطرق غير سياسية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.