عيادي: مشروع القانون الإطار..حتى لا يُغطِّي الجزئي على الكلي

محمد عيادي

Jيُعدّ مشروع القانون الإطار 51.17  المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، في مجمله مكسباً مهما، لأنه الأول من نوعه ببلادنا في  مجال التعليم منذ الاستقلال، وسيمكن من الخروج، من حالة التيه والتخبط والتردد التي عرفها قطاع استراتيجي كالتعليم بين مخططات واستراتيجيات متعددة، لم تحقّق المرتجى والمطلوب. ذلك أنه قانون ملزم وسيؤطر عملية إصلاح التعليم وينظمها، ويضمن لها الاستمرارية والتراكم  والتقييم والتقويم على أسس علمية ومتينة.

المشروع المذكور، يتضمن 59 مادة مُحكمة الصياغة، باتفاق عدد من النواب البرلمانيين على اختلاف مشاربهم، ومهمة في محتواها شريطة تسريع العمل بها وتنزيلها السليم، للرقي بمنظومة التربية والتعليم والتكوين في بلادنا وتطوريها.

 لكن للأسف انصب النقاش، وخاصة في ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي على مادتين (2 و31 ) حصل فيهما اختلاف، وامتنع فريق حزب العدالة والتنمية  عن التصويت عليهما داخل لجنة التعليم بمجلس النواب.

السؤال المطروح هنا، لماذا امتنع فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب عن التصويت عن المادتين المذكورين؟ ، وما هي مبرراته؟ هل هي إيديولوجية وهوياتية؟ وما إلى ذلك من الكلام، الذي يروجه منتقدوه وبالأحرى خصومه في الإعلام بشكل مستمر.

 الجواب، أن أياًّ من تلك المبررات غير وارد، وإنما أسّس الفريق موقفه على التمسك بمرجعية الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم، التي أقرّها جلالة الملك  وتوافق عليها الجميع بعد عملية تشاورية واسعة. كما تمسّك الفريق بنص المادة الثانية، في مشروع  القانون الإطار 51.17 ، وفق ما أحيل على المؤسسة التشريعية.

كما أن الحزب وفريقه البرلماني، ليس ضد التنوع أو التناوب اللغوي، وإنما يختلف مع باقي الآراء في مستوى هذا التناوب، وطريقة تدبيره بدليل أنه تطرق لهذه المسألة في برنامجه الانتخابي للانتخابات التشريعية لعام 2016، عند حديثه عن إصلاح المناهج والبرامج.

وطالب بتفعيل الهندسة اللغوية، الرامية إلى إتقان اللغة العربية والتواصل باللغة الأمازيغية والتمكن من لغتين أجنبيتين وإرساء التناوب اللغوي في تدريس بعض المضامين وفي بعض المواد، وهذا يبطل الزعم بأن الحزب تراجع عن وعوده وأخلفها

 المادة الثانية من مشروع القانون، عرّفت التناوب اللغوي بأنه “مقاربة بيداغوجية وخيار تربوي يستثمر في التعليم المزدوج أو المتعدد اللغات بهدف تنويع لغات التدريس وذلك بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية قصد تحسين التحصيل الدراسي فيها”.

 وبناء على ذلك، حدّدت المادة 31 الهندسة اللغوية المعتمدة، على عناصر السياسة اللغوية المتبعة في مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها، ونصت من بين ما نصت عليه :

– اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح، ومتناغم مع أحكام الدستور باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.

-إعمال مبدأ التناوب اللغوي، من خلال تدريس بعض المواد ولاسيما العلمية والتقنية منها، أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية..

لكن التعديل، طال لاحقا المادة الثانية، ولم يعد تعريفها منسجما مع الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030، وبات الأصل فرعا والفرع أصلا، الأمر الذي اعتبره كثيرون تمكينا للغة الأجنبية على حساب اللغتين الرسميتين للبلاد.

وأمام تعذر التوصل لتوافق يعيد للمادة المذكورة روحها، طبقا للرؤية الإستراتيجية، قرر فريق العدالة والتنمية بمنطق وطني مسؤول التصويت على المادتين بالامتناع مع التصويت لصالح المشروع برمته، انسجاما مع مرجعية الحزب الإصلاحية، ولكونه كذلك يقود حكومة مشكلة من عدة أحزاب سياسية، ويحترم قواعد الديمقراطية وطبيعة موازين القوى من جهة، وكذلك لمنطق الترجيح بين السلبيات والإيجابيات من جهة أخرى،

 وأعتقد بعد قراءة مشروع القانون، أن إيجابياته كثيرة جدا ومفاسده ضئيلة يمكن التخفيف منها ومراجعتها مستقبلا طبقا لما ينص عليه المشروع نفسه.

وللأسف، غطى التركيز بالأساس على المادة الثانية- باعتبارها محددة ومؤطرة للتناَوب اللغوي- والمادة 31 – كمادة إجرائية-  على إيجابيات كثيرة جدا لمشروع القانون الإطار بعد التصويت عليه في اللجنة داخل مجلس النواب.

ومن هذه الإيجابيات على سبيل المثال وليس الحصر:

–  جعل المتعلم في صلب عملية إصلاح التعليم بشراكة بين الدولة والقطاع الحكومي الوصي والفاعلين في العملية.

–  اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع أحكام الدستور، باعتبارها لغة رسمية للدولة، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.

–  التأكيد على مجانية التعليم، على عكس ما روّج في فترة من الفترات، بطريقة فيها كثير من التدليس والخداع.

– تعميم التعليم الأولي.

-محاربة الهدر المدرسي.

– إلزام المؤسسات التربوية الأجنبية العاملة بالمغرب، بتدريس اللغة العربية لكل الأطفال المغاربة الذين يتابعون تعليمهم بها على غرار المواد التي تعرفهم بهويتهم الوطنية.

– الحرص على إتقان التلميذ اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية ولاسيما في التخصصات العلمية والتقنية مع مراعاة مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص.

– التدرج في تنزيل الهندسة اللغوية بعد التهيئة اللغوية للتلاميذ وتكوين المدرسين في غضون ست سنوات

.-تنزيل الهندسة اللغوية في مختلف مكونات المنظومة وأسلاكها، بقرار من الحكومة وليس الوزارة الوصية من خلال نصوص تنظيمية.

-إجبارية إدراج وحدة دراسية باللغة العربية في جميع المسالك الجامعية المُدرسة بلغات أجنبية.

-إمكانية فتح مسالك للتكوين بالجامعات باللغة العربية في جميع التخصصات العلمية والتقنية والطبية وغيرها.

 للأسف، لم يستحضر كثيرون المقاربة الشمولية لهذا الموضوع، وأثّر الجزئي على الكلي وليس العكس، مما انعكس في مواقف وتعبيرات حدّية، فيها كثير من الإطلاقية قد ينسبها ويخففها الاطلاع على مشروع القانون بجميع مواده.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.