يعته يكتب : وأخيرا.. الأغنياء سيتضامنون

12-10-22
” لم ترغب الحكومة الخوض في الممارسات الضريبية من خلال الزيادات الشمولية ورفع سقف الضريبة على القيمة المضافة وإقرار ميزانيات التقشف أو اتخاذ إجراءات تضر بالاستهلاك الداخلي و بمعدل النمو، كما لا تريد أن تقلص من جهود الاستثمار ومن وتيرة خلق مناصب الشغل في الوظيفة العمومية. هذا الخيار الاستراتيجى الذي يعتبر شجاعا وفي نفس الوقت ملائم للوضع الحالي. لذلك، فمن واجب كل ذي ضمير حي ونفس أبية أن يرحب بهذا الخيار ويسانده من باب المواطنة أولا ومن باب المسئولية”، هكذا بسط فهد يعته مقاله عن قانون المالية في أسبوعية “لانوفيل تريبين” في عددها الصادر في 18 أكتوبر 2012.

وتابع ” قانون المالية 2013 هو تعبير عن ضرورة ملحة، فهو تعبير عن التضامن في خدمة الصالح العام انطلاقا من القناعة الثابتة بأن الدولة لن تستطيع دعم الاقتصاد إذا استمر القطاع الخاص والأفراد الميسورون على حالة الالتفاف والمراوغة للهروب من الواجب”.
وفي ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

بالكاد أعلنت الحكومة عن بعض أحكام مشروع قانون المالية 2013 ، حتى أثير جدل حاد وردود فعل ليست في محلها، معززة باعتبارات ذاتية محضة. ويتعلق الأمر بتلك الإجراءات التي تهدف إلى إقرار مبدأ التضامن الفعلي للأغنياء مع الفقراء، وذلك عبر إخضاع الأغنياء إلى الضريبة المباشرة. حيث سيخضع الدخل السنوي ما بين 300.000درهم و 600.000 وهو ما يوافق شهريا بين 25.000 و 50.000 درهم على التوالي ، إلى جبائية شهرية إضافية محددة في نسبة‪3 ‬بالمائة، و5 بالمائة على التوالي.
وهناك بنود مماثلة تم إقرارها على المقاولات الخاضعة للضريبة على الشركات.

لماذا الأغنياء ؟
هذا المعطى الضريبي الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من يناير 2013 – في حالة تبنى المشروع من طرف البرلمان- هو بكل تأكيد الأقل ضررا بالنسبة للمغرب وللأغلبية الساحقة من المغاربة، والحالة أنه إجراء يماثل الخطوات المتخذة في عدة دول تحت طائلة ميزانيات التقشف. فالمغرب الذى يعرف عجزا في الميزانية يزداد استفحالا يوما عن يوم، تتقلص موارده بسبب الأزمة المالية المتفشية فى أوروبا ويختنق تحت قبضة المصاريف الضخمة لصندوق المقاصة، الشيء الذي سوف يؤثر على مقاييس التنقيط لدى الوكالات الدولية.
فى الوقت الذي تذوب فيه مداخيل السياحة كقطعة ثلج ومداخل الجالية المغربية، ويستفحل فيه ميزان التبادل التجارى. وفي الوقت الذي لم تعد تتوفر فيه الخزينة إلا على أربعة أشهر من العملة الخارجية للاستيراد.

لم ترغب الحكومة الخوض في الممارسات الضريبية من خلال الزيادات الشمولية ورفع سقف الضريبة على القيمة المضافة وإقرار ميزانيات التقشف أو اتخاذ إجراءات تضر بالاستهلاك الداخلي و بمعدل النمو، كما لا تريد أن تقلص من جهود الاستثمار ومن وتيرة خلق مناصب الشغل في الوظيفة العمومية. هذا الخيار الاستراتيجى الذي يعتبر شجاعا وفي نفس الوقت ملائم للوضع الحالي.
لذلك، فمن واجب كل ذي ضمير حي ونفس أبية أن يرحب بهذا الخيار ويسانده من باب المواطنة أولا ومن باب المسئولية كما عبرت عن هذا الرسائل الموجهة من طرف المديرية العامة للضرائب عبر الراديو والتلفزيون التي تدعو من خلالها المواطنين والشركات إلى القيام بواجبهم الجبائي.
الأغلبية الساحقة من سكان المغرب هم فئة ذوي الدخل المحدود جدا، فقط أقلية قليلة هي فئة الأغنياء التي لا تواجه هاجس المشاكل المالية اليومية.
فبينما تضاعفت ميزانية صندوق المقاصة في السنتين الأخيرتين، لم تحرك هذه الأقلية من المحظوظين ساكنا، والحقيقة أن لا أحد طلب منها أن تتضامن مع المحتاجين، بالرغم أنها استفادت هي الأخرى من المواد المدعمة، سواء المواد الغذائية أو المواد الطاقية.
فأحكام قانون المالية 2013 ليست، من الناحية التقنية، تعديلات لسلم الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، بل هي إجراءات ضريبية مستقلة تستهدف دخل الميسورين الذين يحققون دخل شهري صافي يفوق 25 ألف درهم. وسيخصص المال المحصل من هذه العملية لملء صندوق التضامن الوطني الذي أحدث في سياق إصلاح صندوق المقاصة، والذي يمول لحد الآن من ميزانية الدولة. وهو الإصلاح المترقب و المرغوب فيه بكل تأكيد.


مساهمة، من جملة مساهمات
يحدد قانون المالية 2013 الغلاف المخصص لصندوق المقاصة في40 مليار درهم وهو ما يقارب نصف ما حصله هذا الصندوق خلال 2011 و 2012. وهذا يعني أنه من الآن فصاعدا، كل الاقتطاعات الجبائية الاستثنائية سوف توجه إلى سبيل إقرار التوازن الهيكلي للميزانية العامة.
من طبيعة الحال، فالمخالفون لهذا التوجه والمعارضون لهذه الإجراءات سبق وأن أعلنوا كون هذه المقترحات الجبائية في حق الميسورين ليست كافية؛ لأنها لا تضيف إلى ميزانية الدولة سوى ملياري درهم فقط. إلا أن هذه الحجة لا يمكن العمل بها لأن ميزانية 2013 لا تكتفي بهذا المقترح لوحده لتقليص عجز الميزانية بمقدار 2,2 بالمائة في دفعة واحدة و إرجاعه من 7 بالمائة إلى 4,8 بالمائة. وهو مستوى من العجز ممكن قبوله وتحمله سواء من طرف المنظمات الدولية المواكبة للمغرب كصندوق النقد الدولي؛ أو من طرف وكالات التنقيط (‪S&P, Moody’s‬) إلخ، وحتى بالنسبة للأسواق المالية وللمستثمرين الدوليين الذين قد يلجأ إليهم المغرب من أجل قروض سيادية لصالح لمملكة.
لقد بنت ميزانية 2013 توقعاتها على أساس سعر برميل النفط في حدود 105 دولار. هذه التقديرات متطابقة مع تحليلات الوكالة الدولية للطاقة، التي أكدت أن الأسعار الخام لن تعرف زيادات ملموسة إلى غاية سنة 2016 ، في وقت يلجم فيه الطلب العالمي من جراء الكساد الاقتصادي الدولي. فالمخططون في وزارة الاقتصاد والمالية الذين قطعوا مع الممارسات المتجلية في التقليل من التقييم المنهجي لأسعار النفط العالمية، حاولوا، بالنسبة لمشروع قانون المالية، ملامسة الحاجيات المالية الضرورية لضمان التموين الطاقي للمغرب.
لا خوف إذا من الانفلات غير المتوقع لميزانية صندوق المقاصة خلال 2013، وهي الظاهرة التي تفشت طيلة السنوات الأخيرة الماضية، عندما كانت القوانين المالية تقلل من شأن الحاجيات المالية الضرورية لتمويل الاستهلاك الطاقي الوطني.
وعلى صعيد آخر ومن أجل المساهمة في تمويل الميزانية، على المغاربة أن يترقبوا زيادات جديدة لأسعار البنزين كالتي سجلت في شهر يونيو الماضي تحت شعار “حقيقة الأثمان”، وهو ما من شأنه احتواء ميزانية المقاصة من جهة و إطعام صناديق الدولة بمداخل إضافية. بالإضافة إلى هذا، وبفضل إجراءات الإعفاء الجبائي والجمركى المشار إليه في مشروع قانون المالية 2013، تأمل وزارة المالية أن يفيد هذا الإعفاء من متأخرات الضرائب ميزانية الدولة ومصلحة المواطنين والشركات الذين سوف لن يتقاعسوا في القيام بواجبهم الضريبي السنة القادمة. فالمداخل الجبائية والجمركية الإضافية المرتقبة من هذا الإجراء الشجاع قد تصل إلى15 مليار درهم، وهو الإجراء الذي ينطوي على حكم جديد من أحكام القانون الجبائي، الذي ستتمتع بمقتضاه المقاولات المثالية بامتيازات جبائية وأن المقاولات الأخرى ستكون هي بدورها مؤهلة للمراقبة والتصحيح….

تضامن ضروري وعادل
إن قانون المالية 2013 بمثابة تعبير عن ضرورة ملحة، إنه التضامن في خدمة الصالح العام انطلاقا من القناعة الثابتة أن الدولة لن تستطيع دعم الاقتصاد إذا استمر القطاع الخاص والأفراد الميسورين على حالة الالتفاف والمراوغة للهروب من الواجب.
إما أن يتم تبني الإجراءات المقترحة التي تقلل من هامش استعمال الحيل في التهرب من الواجب، وإما أن ينغمس البلد في التقشف الذي يؤدي إلى التخفيض في الميزانيات والرفع من الضرائب المباشرة وغير المباشرة (القيمة المضافة، اقتطاعات من رأس المال)، وهي العوامل التي من شأنها أن تعكر المناخ الاجتماعي وتعميم السخط وعدم الرضا، كما هو الشأن بالنسبة لجيراننا الاسبان والبرتغاليين والإيطاليين و حتى الفرنسيين. ليس المغرب البلد الذي يسمح بمثل هذا الانجراف الذي تستطيع احتواءه الممارسات الديمقراطية السليمة والشبكات الاجتماعية المدروسة، فالاستمرار في إثقال كاهل الفقراء أصبح ممارسة مضرة بالاستقرار المؤسساتي وبالسلم الاجتماعي وبمناخ الأعمال.
وإذا طلب اليوم من الأغنياء أن يساهموا في تمويل صندوق التضامن الوطني من أجل تقليص عجز ميزانية الدولة، حيث ستوزع أرباح هذا الصندوق على المحرومين والمسنين والشباب العاطل والأسر المستضعفة.

ترجمة: ‪pjd.ma‬

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.