حوار.. الخصاصي: هكذا يمكن للجماعات الترابية أن تدبر عنصر الندرة التمويلي

أكد عادل الخصاصي، أستاذ التشريع المالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الجماعات الترابية تحتاج للرفع من مواردها المالية إلى مقاربة جديدة وخلاقة، تمكنها من تدبير عنصر الندرة التمويلي لمتطلبات الإنفاق المتصاعدة تكون خارطة طريقها تفعيل ورش الجهوية المتقدمة وتنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري.

وشدد الخصاصي في حوار مع Pjd.ma، أجري بمناسبة انعقاد أشغال الدورة الـ 13 للندوة الدولية للمالية العمومية حول موضوع “أي مالية محلية في المغرب وفرنسا في عالم يتحول؟”، يومي 20 و21 شتنبر الجاري بالرباط، على أن المالية المحلية لا ينبغي أن تبقى تابعة للدولة فيما يخص التمويل، بل يتعين أن تصبح لهذه الجماعات الترابية القدرة الذاتية على تعبئة الموارد الخاصة بها، وذلك لتغطية حاجياتها المتزايدة من النفقات، وللمساهمة في المسلسل التنموي بالبلاد.

وأوضح المتحدث نفسه أنه لن يتسنى للجماعات تحقيق ذلك إلا من خلال توسيع الوعاء الضريبي، على النحو الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الأنشطة الاقتصادية لمختلف الجماعات، مما سيساهم في تخفيف العبء الضريبي الذي ما يزال مرتفعا بالنسبة للفئات الهشة والمتوسطة.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

ما هو السياق المتحكم في تنظيم الدورة الـ 13 للمالية العمومية، ولماذا بالضبط اختيار مقارنة التجربة المغربية بالفرنسية في هذا المجال بدل اعتماد مقارنة مع البلدان الإفريقية أو العربية؟.

لقد واظبت وزارة الاقتصاد والمالية طيلة النسخ السابقة للندوة التي تنظمها سنويا بشراكة مع المؤسسة الدولية للمالية العمومية Fondafip على استلهام مواضيع هذه الندوات من السياق الوطني والدولي على حد سواء، فالخطب الملكية تكون بمثابة الموجه الأساسي في هذا الإطار، إذ ترتبط مواضيع هذه الندوات بمقاربة التدبير المالي لإشكاليات تضمنتها الخطب الملكية.

وأود أن أشير إلى أنّ النسخة السابقة للندوة الدولية حللت دور المالية العمومية في تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما ارتبط بخطاب العرش الذي جعل من العدالة الاجتماعية مطلبا أساسيا، حيث تمت دعوة جل الفاعلين إلى بحث السبل الكفيلة لجعله في صلب السياسات العمومية والقطاعية. ونفس التوجه تشهده نسخة هذه السنة، حيث النموذج التنموي وورش الجهوية المتقدمة يحتلان مكان الصادرة في الخطب الملكية الأخيرة.

هذا عن السياق الوطني، أما السياق الدولي فمن البديهي أن العولمة والشمولية المالية من المحددات الحاسمة في فهم وتفسير الظواهر التي تشهدها مختلف المجتمعات الوطنية. وإنّ عقد الندوة الدولية لهذه السنة يستحضر التحولات العالمية التي تؤثر بشكل واضح على أدوار الدولة والجماعات الترابية في تدبير الشأن العام، فتسارع وتيرة التحول الرقمي وما رافقه من زيادة نشاط الشركات العابرة للقارات وسرعة التجارة الالكترونية، كلها معطيات تؤثر بشكل لافت على النشاط المالي للمقاولات دوليا ومحليا.

أما عن مقارنة التجربة المغربية بالتجربة الفرنسية، فالسبب أولا وقبل كل شيء مرتبط بالشراكة المؤسساتية التي تربط الإدارة المالية المغربية مع ثلة من الخبراء الدوليين في المجال المالي، والذين يواكبون بلدنا في العديد من الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية، ويبقى من الأكيد الإشادة أيضا بالحضور الوازن لعدد من الباحثين والمهتمين والخبراء الدوليين من جنسيات مختلفة ومن انتماءات متعددة في هذا المحفل العلمي المتميز، سواء من المنظمات الدولية أو الإقليمية، الشيء الذي يؤكد أن الانفتاح على باقي التجارب الدولية مسألة حاضرة بقوة.

تعاني الجماعات الترابية من عدة مشاكل تؤثر على تدبيرها وجودة الخدمات التي تقدمها للمرتفقين، وعلى رأسها ما يرتبط بالميزانية، وعليه، نود السؤال عن السبيل الذي يضمن رفع الموارد الذاتية للجماعات الترابية؟.

كما لا يخفى عليكم أنّ المصادر التمويلية للجماعات الترابية هي موارد ذاتية، من قبيل الرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية وغيرها من الضرائب والرسوم المحلية، بالإضافة إلى الضرائب المُحَوَّلَة لفائدة هذه الجماعات من ميزانية الدولة.

وفي هذا الصدد، يمكن القول إنّ الجماعات الترابية وإن كانت تستفيد من تمويل مهم عن طريق ميزانية الدولة، إلا أنها تحتاج إلى مقاربة جديدة وخلاقة تمكنها من تدبير عنصر الندرة التمويلي لمتطلبات الإنفاق المتصاعدة، تكون خارطة طريقها تفعيل ورش الجهوية المتقدمة وتنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري.

فالمالية المحلية لا ينبغي أن تبقى تابعة فيما يخص تمويلها للدولة، بل يتعين أن تصبح لهذه الجماعات الترابية القدرة الذاتية على تعبئة الموارد الخاصة بها، وذلك لتغطية حاجياتها المتزايدة من النفقات، والمساهمة في حل مشاكل المسلسل التنموي بالبلاد.

ولن يتسنى لها ذلك في اعتقادي إلا من خلال توسيع الوعاء الضريبي، على النحو الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الأنشطة الاقتصادية لمختلف الجماعات، مما سيساهم في تخفيف العبء الضريبي الذي ما يزال مرتفعا بالنسبة للفئات الهشة والمتوسطة، والتي تساهم أكثر من غيرها في تعبئة الموارد المالية.

كما يتطلب الأمر أيضا دمج القطاع غير المهيكل في الدورة الاقتصادية، فالعديد من الأنشطة التجارية تبقى خارج مجال التقنين، مما يجعلها غير مساهمة بالتبعية في المجهود التمويلي عن طريق التضريب. وهذه الملاحظة تبقى سارية بالنسبة لميزانية الدولة كما هو الشأن بالنسبة للجماعات الترابية، حيث القطاع غير المهيكل يشكل مساحات تمويلية مفقودة تستلزم الجرأة والشجاعة في اتخاذ القرار الضريبي المناسب لاستثمارها ودمجها في الوعاء الضريبي بفعالية وسلاسة.

ويمكن أن نثير هنا إشكالية الباقي استخلاصه، التي تتدخل مجموعة من العوامل في ترسيخها، نذكر منها تعدد المتدخلين في تحصيل الديون الجماعية، وهو ما يستدعي مجهودا تشريعيا لتوحيد المكلف بتحديد الأساس الضريبي المحلي، وبالمقابل ترك تحصيل الديون الجماعية لجهاز واحد، وضمن هذا التصور ينبغي كذلك مراجعة سياسة الإعفاءات الضريبية التي وإن كانت تخدم تقنيا تصحيح الباقي استخلاصه بالنسبة لبعض الفترات الزمنية، إلا أنها بالمقابل تؤثر على اعتبارات حقوقية مهمة نجد على رأسها العدالة الجبائية.

ويظل عماد الإصلاح الجبائي المحلي هو دعم الموارد البشرية التي هي مناط تنزيل كل السياسات سواء على الصعيد المركزي أو الترابي، مما يجعل دعمها بالدورات التكوينية مسألة حاسمة في تحقيق التغيير المنشود وحتى تضطلع بمهامها على أحسن وجه، هذا إذا علمنا أن الوظيفة الجماعية تقتضي مراجعة شمولية سواء من حيث نظامها القانوني أو طرق وأساليب التوظيف بها.

 يعتبر التدبير الحر مبدأ دستوريا مرتبطا باحترام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، وبالرجوع إلى التقارير الرسمية يستفاد أن هذه الضوابط لا يتم احترامها في جميع الأحوال.

علاقة بما سبق، ما هي السبل لحل معضلات الجماعات الترابية حتى تكون في خدمة المتطلبات التنموية المحلية؟.

لا شك أن من بين أهم المشاكل التي أثارتها التقارير بشأن التدبير المالي للجماعات الترابية، نجد احترام القانون فيما يخص إبرام الصفقات العمومية والتوظيف الجماعي، وغيرها من الاختلالات التي ما فتئت تقارير المجلس الأعلى للحسابات تسجلها، غير أنه في هذا الصدد، إذا كان من عمل يتوجب القيام به في هذا الصدد فهو تأهيل الموارد البشرية التي تعنى بالتدبير المالي، ذلك أن الترسانة القانونية متطورة في هذا الباب وهي لا تحتاج إلا إلى التنفيذ الجيد من لدن المدبرين المحليين.

وفيما يخص مشكل الحكامة فالملاحظ أنها تسير جنبا إلى جنب مع احترام القانون وفرض سيادته، وأنه لا يمكن فصل أحدهما على الآخر، إلا أن معطى آخر ينبغي تقديره بهذا الخصوص، وهو المتعلق بتقديم الحساب والمساءلة، فكما تعلمون، أنّ الحكامة منظومة غير قابلة للتجزيء، قاعدتها المشروعية القانونية وأساسها الشفافية، ورأسها تقديم الحساب الذي ينبغي أن يستتبع المساءلة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.