بالمختصر المفيد

في  الاجتماع  الاخير لمكتب مجلس النواب أكد السيد رئيس مجلس النواب والسادة أعضاء المكتب على ضرورة استثمار كافة الإمكانات القانونية والمسطرية للتصدي لظاهرة الغياب، بما يوفر للمؤسسة الشروط والظروف المناسبة لتنهض، على الوجه الأمثل، بأدوارها الدستورية كاملة في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية وفي الميدان الدبلوماسي.

هذا بعض ما جاء في بلاغ صادر عن آخر اجتماع لمكتب مجلس النواب يوم الثلاثاء 21 يناير الماضي، وهو ما يكشف بوضوح أن “ظاهرة “الغياب كما أسماها البلاغ، قد هزمت كل التدابير والاجراءات التي تم إقرارها مؤخرا، من إلزامية الادلاء بما يبرر الغياب، ونشر وقراءة أسماء المتغيبين بدون عذر مقبول في الجلسات العامة، والاقتطاع من التعويضات، وهو ما يفيد بما لا يدع مجالا للشك، أن هذه الظاهرة أعمق مما يمكن تصوره، وأن جذورها متشعبة، وأن الاكتفاء بتدابير لمعالجتها على مستوى المؤسسة التشريعية، إنما هو معالجة للأعراض، وليس معالجة للأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة. 

 فمن الواضح أنه لا يمكن أن ننتظر من هذه المقاربة المعجزات. 

فالغياب باعتباره  ظاهرة مشينة، تزيد في تعميق الصورة النمطية السلبية عن المؤسسة التشريعية، وتسهم في تكريس النظرة التبخيسية لأدوارها الدستورية والانتظارات الكبرى منها، لايمكن مقاربتها إلا من خلال تفكيك  المشهد السياسي عموما في بلدنا، ولطبيعية التعاقدات بين المؤسسة الحزبية والمترشحين باسمها، ولطبيعة الثقافة السياسية عموما، التي تجعل الطريق سالكة أمام “كائنات” انتخابية تختزل العمل السياسي في الوصول الى المواقع بأي ثمن وبغض النظر عن الوظائف والكلف المرتبطة بها.

إنه مادامت الأحزاب لم تغير نظرتها لنفسها، انطلاقا من المرجعيات الدستورية، وتحسم بآليات واضحة في طبيعة وظائفها كأدوات للوساطة السياسية، فإنها ستبقى  ودون تعميم رهينة لتجار اللحظات الانتخابية، الفاقدين لأهلية تحمل المسؤولية المنوطة بمن يفترض أنهم ممثلون للشعب ، وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.

وسيبقى على شرفاء الوطن المؤمنين في حتمية بناء كامل ومتكامل لمنظومتنا الديمقراطية مواصلة الكفاح والصمود في الانتصار  لقيم النزاهة والكفاءة ومواجهة التبخيس وشرف النضال وتمثل أخلاقه وتحمل كلفته في مواجهة أنماط شراء الذمم والإرشاء الانتخابي، وربط الممارسة السياسية  بالنجاعة والكفاءة، وبناء الاختيارات على القناعات بدل الولاءات المشبوهة، والتعاقد على النتائج والبرامج، بدل الانحلال من كل التزام امام المواطنين والرهان على أدوات لا تنتمي إلى السياسة وخاصة الصمود في مواجهة التبخيس للعمل السياسي ووسائط العمل السياسي ومؤسسات الوساطة فيه من أحزاب ونقابات وعمل برلماني وترافع مدني 

الخلاصة أن الأصل في محاربة ظاهرة الغياب هو غياب الأحزاب عن أداء وظيفتها كما حددها الدستور وانتهى الكلام.

وبالمناسبة تحية اعتزاز وفخر لبرلمانيي حزب العدالة والتنمية الذين يقدمون مثالا عاليا في الالتزام بالحضور وأداء  مهامهم التشريعية والرقابية والتواصلية كما تدل على ذلك كل المؤشرات الكمية والكيفية، ولكل البرلمانيين المواضبين والملتزمين من الفرق والمجموعات النيابية الأخرى وآن الأوان بالنسبة للناخبين أن يطالبوا ممثليهم بكشف الحساب عن درجة وفائهم بمقتضيات مهمتهم الانتدابية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.