تراجع المغرب في مؤشر مدركات الفساد: أين الخلل؟

سليمان العمراني

كشف التقرير الجديد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية يوم 23 يناير الجاري (قبل يومين)، والخاص بمؤشر مدركات الفساد لسنة 2019، عن الترتيب الذي احتله المغرب، حيث تدحرج بين سنتي 2018 و2019 من 73 إلى 80 عالميا (من أصل 180 دولة)، كما تراجعت درجة بلادنا من 100/43 إلى 100/41 عالميا.

وتفاعلا مع هذا المستجد، ولمحاولة فهم الذي وقع وما هو المتعين بشأنه نقول ما يلي:

1. لا يمكن أن نتعامل مع هذا التقرير إلا باحترام وتقدير، ومع انتقاداته بمسؤولية، واستخلاص ما ينبغي استخلاصه منه من أجل الاستدراك والتعزيز والتطوير ومضاعفة الجهود والإبداع في الوسائل واليقظة أكثر في الرصد؛

2. إن ما سبقت الإشارة إليه لا يمنع من القول في المقابل أن بلادنا بحكوماتها المتعاقبة ومختلف مؤسساتها الوطنية حققت نجاحات معتبرة في المسار الطويل والشاق لمحاربة الفساد، فالمؤشرات أظهر من “نار فوق علم”، ويكفي أن نشير باعتزاز إلى الدينامية التي تعرفها بلادنا منذ سنوات والمتجلية في المتابعات القضائية للمشتبه فيهم ارتكابهم أفعال الفساد، خصوصا من طَالَتْهُمْ تلك المتابعات من المسؤولين الذين كانوا إلى عهد قريب محصنين أشد تحصين، كما أن التبليغ عن الفساد أصبحت ممارسة تتعزز يوما بعد يوم وتُوقِعُ باستمرار بالعديد من الفاسدين في أيدي العدالة، وهنا نود التنبيه إلى أمر غاية في الأهمية وهو أن تبخيس كل جهود محاربة الفساد يخدم الفساد في النهاية ويضعف الإرادات الإصلاحية، مهما حَسُنَتْ نيات بعض “المبخسين ” أحيانا؛

3. إن من أهم أعطاب محاربة الفساد عجز عموم مؤسسات الوساطة ومنها الأحزاب السياسية عن إنتاج وتقديم نخب تتحلى بأعلى صفات النزاهة والاستقامة، فإذا كانت هذه الأحزاب أعمدة للحياة السياسية والديمقراطية فإن برامجها ومقاربتاها وخطاباتها لن تملك النفاذ والتأثير ما لم تتحقق المصداقية بإعطاء المثال من الذات، وقديما قال الشاعر:

نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا ****** وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا

وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ****** وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا

إن انتقاد الحكومة بشأن حصيلة محاربة الفساد حق بل واجب وطني وسياسي ومؤسساتي، ولكن ينبغي أن تتطابق خطاباتنا مع ممارساتنا وإلا سنجلب نحن معشر السياسيين احتقار الآخرين، وبمعنى آخر يجب أن نكون كما يقول المثل الشعبي ”قَدْ فُمْنَا قَدْ دْرَاعْنَا”؛

4. وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فإن الإرادة ماضية في مناهضة الفساد والاستبداد، وأول الواجهات في ذلك واجهة الذات، فللحزب مبادؤه وقيمه ومنطلقاته الأخلاقية وميثاقه في النزاهة والشفافية، بكل ذلك يتأطر سلوك عموم المناضلات والمناضلين ومنهم المنتخبون والرؤساء والبرلمانيون والوزراء وكل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، كما أن للحزب مؤسساته وهيئاته التي تنظر بحزم في كل الوقائع المنسوبة لأعضائه التي تحمل مظنة الفساد ولا تتردد في إيقاع الجزاءات الضرورية إذا توفرت شروطها.

وهذه مناسبة لنؤكد مرة أخرى على التعاون مع جميع الفضلاء والخيرين في بلادنا، من أجل تعبئة المجهود الوطني لمحاربة الفساد وتكريس نظام الحكامة وإشاعة ثقافة النزاهة والشفافية، تثمينا لموروثنا الوطني الزاخر بالقيم الراسخة والجامعة للأمة المغربية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.