كلف الرئيس التونسي قيس سعيّد، مساء الاثنين 20 يناير 2020، وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، لينهي بذلك جدل القوى السياسية حول المرشح الجديد. وقد جاء هذا الإعلان بعد إخفاق رئيس الحكومة المكلف سابقاً، الحبيب الجملي، في انتزاع حكومته ثقة البرلمان، في الجلسة التي عقدت في العاشر من يناير 2020، وذلك باعتراض 134 عضواً، وهم يشكلون أغلبية المجلس، في حين وافق 72 عضواً ينتمي أغلبهم لحزب حركة النهضة وائتلاف الكرامة، وتحفظ ثلاثة أعضاء.
في “تقدير موقف” أصدره مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، اليوم الثلاثاء، يحاول من خلال المركز الإجابة عن سؤال رئيس يتعلق بمدى إمكانية نجاح إلياس الفخفاخ في تشكيل الحكومة الجديدة وكسب ثقة البرلمان.
إعلان الرئيس ومواقف الأحزاب
بعد إعلان الرئيس التونسي تكليف إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة، أكد الفخفاخ أنه سيعمل على أن تتكون حكومته من “فريق مصغر منسجم وجدي، يجمع بين الكفاءة والإرادة السياسية القوية، والوفاء للثوابت الوطنية وأهداف الثورة”.
وبينما عبرت بعض الأحزاب التونسية، على لسان بعض نوابها، عن ترحيبها بالقرار، اعترضت أخرى، حيث أفاد أمين عام التيار الديمقراطي، محمد عبو، أن حزبه ملتزم بإنجاح الحكومة، وكان نواب من أحزاب التيار الديمقراطي وتحيا تونس قد عبروا عن ترحيبهم بالقرار، وينتظرون الموقف الرسمي من أحزابهم الذي سيتحدد بناء على معرفة تركيبة الحكومة وبرنامجها الانتخابي، لتحديد الموقف منها، ولأن الكتلتين هما من اقترحتا الفخفاخ على رئيس الجمهورية، فإن هناك فرصة لدعم كتلهم البرلمانية- التي تصل إلى 36 عضواً- له.
النائب عن حركة النهضة عماد الخميري أشار، في تصريح لإذاعة موزامبيك، إلى أن النهضة لا ترفع فيتو ضد رئيس الحكومة، مشيراً إلى أن النهضة تدعم حكومة وحدة وطنية، وعلى الرغم من أن نجاح الحكومة الثانية قد يؤثر في شعبية النهضة فإن خيار دعم حكومة الفخفاخ ربما أفضل لها من السير في انتخابات جديدة قد لا تكون نتائجها مرضية، وفي ظل وضع اقتصادي مؤثر، كما أن من الصعب تشكيل حكومة جديدة دون وجود النهضة؛ لكونها المكون الأبرز في البرلمان، ورغم اعتراض بعض قياداتهم، فإنه يبدو أنهم سيصوتون للفخفاخ، لكونه عمل معها في حكومات سابقة، وحتى تتمكن من تثبيت البرلمان الذي يرأسه رئيسها راشد الغنوشي، وتغليباً للوضع الداخلي، وقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية.
وقد حمّل القيادي في حزب قلب تونس، عياض اللومي، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، رئيس الجمهورية مسؤولية اختيار الفخفاخ، واصفاً الحكومة بأنها حكومة الرئيس، وأن حزبه سيحدد موقفه من الحكومة من خلال البرنامج الذي ستقدمه.
أما ائتلاف الكرامة فقد أبدى، على لسان نائبه سيف الدين مخلوف، استغرابه من تكليف الفخفاخ، لاعتبارات تعود إلى الحجم الانتخابي للحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة المكلف (التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، ومحدودية من اقترحه من النواب لهذا المنصب، مبدياً تخوفه من الاختيار والمآلات. وقد قدم سيف الدين مخلوف شروط كتلته وتخوفاته للفخفاخ في لقائه الأول به، مؤكداً أولويتهم المتعلقة بالبرنامج والطرح الثوري وكرامة التونسي.
هناك أحزاب أكدت كذلك تأييدها للقرار رغم محدودية أعضائها في البرلمان؛ كحزب نداء تونس وحزب البديل، في حين يعد الحزب الدستوري هو الوحيد الذي أعلن موقفه الرافض لهذا الاختيار مؤكداً أن الحزب لن يصوّت لحكومة إلياس الفخفاخ، كما جاء على لسان رئيسته عبير موسى.
السيناريوهات
كان إعلان الرئيس التونسي تكليف الفخفاخ بتشكيل الحكومة التونسية هو الخيار الدستوري الثاني، وأمام الفخفاخ ثلاثون يوماً لتشكيل الحكومة الجديدة ونيل الثقة، أو الدخول في انتخابات جديدة، وهذا ما يضعنا أما سيناريوهين رئيسيين:
السيناريو الأول: نجاح الفخفاخ في تشكيل الحكومة وكسب ثقة البرلمان
يفترض هذا السيناريو نجاح رئيس الحكومة المكلف في التشاور مع الكتل السياسية الحالية، وتشكيل حكومة جديدة، وضمان تصويت أغلبية البرلمان عليها، وهذا السيناريو له نقاط قوة تعزز إمكانية تحققه، مثل:
1- الخيار التوافقي الذي عرفت به التجربة التونسية بعد الثورة، وهي وإن كانت متعددة الرؤى، ومتباينة الأهداف، تفضي إلى حل توافقي في الأخير، كما حصل في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.
2- أن الرافضين للحكومة السابقة ليسوا على كتلة واحدة، فقد جمعتهم تحفظات متعددة على شخصيات موجودة في حكومة الجملي.
3- تأزم الجوار الليبي وتعدد الأطراف الخارجية الرامية إلى تحقيق أهدافها على حساب مصلحة تونس، وهو ما قد يؤزم فرصة إعادة الانتخابات بحد ذاتها والذهاب بالبلاد إلى فراغ سياسي لا تحمد عواقبه.
4- الانتخابات ليست مضمونة النتائج لأحد من هذه الأطراف، وليس من المؤكد أن تكون النتيجة مغايرة عن سابقتها، وإعادتها قد تدخل الكتل الموجودة في مغامرة سياسية قد لا يحمد عقباها.
5- عزوف الشعب عن الاستحقاقات الانتخابية، وفي حال حُلَّ البرلمان فمن المرجح أن تتدنى نسبة المشاركة وزيادة السخط الشعبي من القوى السياسية المتصارعة.
السيناريو الثاني: إعادة الانتخابات
تعد مسألة إعادة الانتخابات هي الخيار الثاني في حال لم يستطع الفخفاخ الحصول على ثقة البرلمان، وهذا السيناريو تعززه نقاط القوة التالية:
1- ضعف الحاضنة السياسية لرئيس الحكومة المكلف، فحزبه لم يتحصل على أي مقعد في البرلمان، ورغم استقالته من حزبه بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، فإن خيار الرفض يبقى أمراً وارداً.
2- معارضة بعض الأحزاب، كالحزب الدستوري، للقرار، وعدم تفاعل كتل أخرى كانت في صف الحكومة السابقة، كائتلاف الكرامة، وحرص بعض الكتل البرلمانية على البقاء في صف المعارضة، ككتلة أمل وعمل، وهذا يحتم عليها التصويت ضد الحكومة، حسب المادة (46) من الدستور.
3- شروع قلب تونس، الكتلة الفائزة ثانياً في البرلمان، في تشكيل تكتل معارض، مكون من 93 برلمانياً، حسب إعلان رئيس الحزب نبيل القروي، وفي حال نجح هذا المشروع، فإن ذلك سيقلب موازين القوى داخل البرلمان، لكن الخلافات العميقة بين قلب تونس وتحيا تونس الذي ادعى وجوده في التكتل قد لا ترجح نجاح تحالف من هذا القبيل، إضافة إلى كون الفخفاخ مقترحاً من قبل تحيا تونس والتيار الديمقراطي.
4- التدخلات الخارجية الرامية إلى إفشال العملية الديمقراطية في تونس، والتي أشار إليها بعض أعضاء البرلمان في جلسة البرلمان التي تم التصويت فيها ضد حكومة الجملي المقترحة.
5- التحدي المتعلق بطبيعة الحكومة؛ هل ستكون حكومة وحدة وطنية، منفتحة على كل المكونات، ومن ضمنها غير الثورية، أم تستثني خصوم الثوريين، إضافة إلى طبيعة البرنامج المقدم، والخطاب الثوري الذي اختفى سابقاً.
خاتمة
تدخل تونس في منعطف سياسي لم تدخل مثله من بعد الثورة، وهذا قد يحتم على القوى السياسية إبداء مرونة فيما يتعلق بالتعاطي مع رئيس الحكومة الجديد، خشية الدخول في رهان انتخابي قد لا تكون نتائجه مرضية لأحد، هذا في حال سمحت الظروف بإقامة انتخابات، في ظل الجدل الدائر حول قانون الانتخابات، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الهش، والسياسي المتأزم، والمحيط الملتهب، ويبدو أن السيناريو الأول هو المرجح في حال قررت الأحزاب المقترحة للفخفاخ التصويت له، كتحيا تونس والتيار الديمقراطي وتأييد حركة الشعب، وتصل كتلة هذه الأحزاب الثلاثة إلى (51) عضواً، ويُرجح انضمام كتلة النهضة (54 عضواً)؛ للاعتبارات السابقة، وفي حال انضمام كتل الإصلاح الوطني والمستقبل وائتلاف الكرامة فإن العدد سيتجاوز الأغلبية المطلوبة (109)، وإذا تم احتواء الجميع في الحكومة، ومن ضمنهم الكتل غير الثورية، فإن ذلك ربما سيكون أنسب وأكثر استقراراً في المرحلة المقبلة، وسيتعزز كذلك رجحان هذا السيناريو إذا ما أقدم الفخفاخ على تعيين الأسماء المقترحة من قبل الكتل البرلمانية لرئاسة الحكومة كوزراء في التشكيلة الحكومية التي سيقدمها، إضافة إلى سيرته في المجال الاقتصادي، وسمعته النزيهة، وميوله الثورية الواضحة، وليبراليته الاجتماعية، وهو ما قد يجمع قرطاج (الرئاسة) وباردو (البرلمان) والقصبة (الحكومة) على كلمة سواء.