بصراحة: صفقة القرن مقابل قضية الصحراء

محمد عصام

 أوردت وسائل إعلام وطنية ودولية نقلا عن موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي، الذي نقل بدوره عن مصادر إسرائيلية وأمريكية لم يكشف عنها، أن “إسرائيل” تسعى لإقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية مقابل انخراط المغرب في ما سمي بــ”صفقة القرن” والقبول بما جاء فيها من مقتضيات، تمس الحقوق التاريخية والشرعية للشعب الفلسطيني وتفرط فيها، وهي الصفقة التي استقبلت برفض فلسطيني بصيغة الإجماع، وبرفض شعبي كبير يوازيه رفض رسمي على مستوى الجامعة العربية التي اعتبرت المبادرة الامريكية الأحادية، لا تستجيب للحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني تطلعاته، وللتفاعل مع ما سبق نورد الملاحظات التالية :

–   إن توقيت تسريب هذا الخبر وعبر وسيط إعلامي أمريكي، واستنادا إلى مصادر اسرائيلية لم يفصح عنها، لا يمكن أن يكون بريئا، ولا يمكن عزله عن السياقات الحالية المرتبطة بتداعيات ما بعد الاعلان عن الخطة الأمريكية للسلام تحت مسمى “صفقة القرن”، حيث  تم بالإجماع رفض هذه المبادرة شعبيا والمرور إلى مرحلة تسجيل الموقف عبر مسيرة وطنية نهاية الاسبوع، وبالتوازي مع ذلك بقي الموقف الرسمي منسجما مع الثوابت التي شكلت صلب تموقعاته، باعتبار رئاسة المغرب للجنة القدس بما يحمله ذلك من رمزية، وما يتطلبه من حماية حقوق الشعب الفلسطيني في قيام دولة مستقلة قابلة للعيش وعاصمتها القدس الشريف، وعليه فان هذا التسريب لا يمكن قراءته إلا باعتباره محاولة للتشويش على هذا الاجماع، والزج بقضيتنا الوطنية الأولى فيه هو محاولة لشرعنة وإسناد أي اختراقات محتملة لهذا الإجماع من أقليات يسكنها هوى صهيوني ومحاولة فك عزلتها على المستوى الشعبي .

    إن أسلوب الابتزاز ليس جديدا على الادارة الامريكية الجديدة، وهو أسلوب ربما أتى أكله مع أطراف أخرى معنية بهذه القضية، إلا أن الحالة المغربية كانت وستبقى مستعصية على هذا الاسلوب، وهذا ما تؤشر عليه عديد من المحطات، منها غلق مكتب الاتصال الاسرائيلي بالرباط سنة 2000 تزامنا من اندلاع الانتفاضة الثانية، وكان المكتب قد افتتح في سياق التسوية مع اتفاق اوسلو سنة 1996،  وعدم استقبال وزير الخارجية الامريكية بومبيو من طرف جلالة الملك، في سياق الحديث عن تطبيع وزيارة محتملة يكون فيها بومبيو مرفوقا برئيس وزراء الكيان الاسرائيلي نتنياهو، وكل ما سبق يفيد أن الموقف الرسمي للمغرب تحكمه ثوابت واضحة لا نتصور خضوعها لمنطق المقايضة بتاتا، وكلها تنطلق من مرجعيات حقوق الشعب الفلسطيني ومركزية القدس في أي حل محتمل.

    لقد تلقفت أقلية مطبعة وبحسابات مختلفة، لكنها كلها تقتات من  فتات موائد الاحتلال وتلغ في دماء شهداء القضية الفلسطينية، هذا التسريب في محاولة لخلخلة الاجماع الوطني، وهو الأمر الذي اعتاد هؤلاء على الاستثمار فيه من خلال رفع شعار ” تازة قبل غزة”، وهي محاولة بكل تأكيد خاسرة، لأن الشعب المغربي يميز جيدا بين المسارين ولا يقبل بتاتا بإقامة التفاضل بين قضيته الوطنية الاولى المتمثلة في استكمال وحدته الترابية، وبين قضيته الانسانية والاسلامية والعربية الاولى قضية فلسطين والقدس، وهذا ما لخصه بشكل بليغ الراحل عالم المستقبليات المهدي المنجرة في كتابه “عولمة العولمة” بقوله: والقضية الفلسطينية عندي نوعان : قضية تهم الفلسطينيين وهم أحرار فيها ولا دخل لنا في تفاصيلها، وقضية مصيرية بالنسبة للعالم العربي والإسلامي…وباعتباري مسلما وعربيا، أرى أن مصيري مرتبط بما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين، وما دامت فلسطين -بعاصمتها القدس – كلها محتلة فأنا هنا في المغرب الأقصى أعتبر نفسي محتلا فكريا وشعوريا ودينيا.”

    لقد قاوم المغرب لحظات عصيبة من الضغط إبان تولي جون بولتون مهام مستشار الرئيس الامريكي في الأمن القومي، وهي المرحلة التي شهدت تمرير ثلاث قرارات لمجلس الامن (وهي القرارات رقم2440/ 2468/ 2414) والتي قضت بتقليص مدة بعثة الامم المتحدة المينورسو الى النصف، ونتج عن هذه المقاومة استرجاع المدة الاعتيادية للبعثة في 30 اكتوبر مع القرار رقم 2494، وهو ما يعني ان المغرب ليس محتاجا الى أن يقايض بمواقفه، وأن لديه القدرة على حماية مصالحه بعيدا عن الاستسلام لأي ابتزاز كيفما كان نوعه، ثم إن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تبقى لوحدها المبادرة الواقعية والممكنة التحقق لحل قضية عمرت أكثر من اللازم، فما الذي سيجعل المغرب وهو في موقع القوة ان يرضخ لهكذا ابتزاز  إن وجد.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.