بالمختصر المفيد: الإثراء غير المشروع .. أو قانون من أين لك هذا !

لو قدر للزعيم علال الفاسي أن يعيش إلى يومنا، لأعلن أمام العالمين أن مشروع القانون الجنائي وخاصة في مقتضياته ذات الصِّلة بالإثراء غير المشروع يلخص شعارا لطالما رفعه وهو شعار ” من أين لك هذا”.

فريق العدالة والتنمية الذي ظل حريصا لآخر لحظة على إيجاد صيغة توافقية حول المقتضيات الواردة في مشروع القانون المذكور،  لم يجد بدا من الانتصار للمشروع الأصلي الوارد من الحكومة والذي يفترض أنه مشروع قانون جميع مكونات الأغلبية الحكومية على الرغم من بعض التصريحات التي شككت في ذلك. 

فقد تم الإعلان رسميا من طرف رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية، الدكتور مصطفى الإبراهيمي عن سحب تبنيه للتعديل الذي سبق أن تقدم به مع فرق الأغلبية، على مشروع تعديل القانون الجنائي، ويتعلق الأمر بتعديل مادة تجريم الإثراء غير المشروع، والإبقاء على الصيغة التي جاءت في المشروع الذي قدمته الحكومة.

وغير خفي على العموم ناهيك عن المتتبعين، أن مقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع انتصبت عقبة كؤود في المسار الطويل لمشروع هذا القانون، حيث تسببت في توقفه بمجلس النواب لما يناهز أربع سنوات دون إتمام مسطرة المصادقة عليه، وهو ما يعكس حجم الاختلاف في التقدير للمقتضيات الوارد فيه، حيث أنه جاء ليجسد أحد أهم المقتضيات الدستورية  فيما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة وبمحاربة الفساد وأسبابه، وإبداع آليات التصدي لهذه الآفة، بما ينسجم مع الالتزامات الوطنية  بعد انضمام المغرب للاتفاقية الدولية ذات الصِّلة، وما ترتبه عليه من التزامات منها مواءمة ترسانته التشريعية مع مقتضياتها وتجاوبا مع المطالب والتطلعات الشعبية في هذا الشأن. 

سحب التعديل والإبقاء على الصيغة التي جاء بها المشروع يعكس رغبة أكيدة في جعل هذا القانون لبنة أساسية في استراتيجية محاربة الفساد، والتراجع عن مقتضى إخضاع المعنيين للمحاسبة بانتهاء مدة المهمة، كما جاء في التعديل، يكشف الرغبة في إعطاء معنى لهذا القانون، إذ لا يتصور إرجاء المحاسبة مع ظهور مؤشرات الثراء غير المشروع الى انتهاء مدة الانتداب مثلا، ونحن نعرف أنه يوجد من بين أصحاب الانتدابات من لا تنتهي انتداباته إلا بالموت أو العجز الكامل.

أملنا أن يتسع أفق الجميع لبناء موقف موحد ولصياغة ما يلزم من آليات لتسريع مسطرة المصادقة على هذا القانون، خاصة وأن المجلس الأعلى للقضاء  قد أعطى للرئيس المنتدب للمجلس صلاحية تتبع ثروة القضاة وأحقيته في تقدير ثروة القضاة وأزواجهم بواسطة آلية التفتيش، كما خوَّله صلاحية  المتابعة التأديبية لكل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته خلال فترة ممارسته لمهامه زيادة لا يستطيع تبريرها بصورة غير معقولة،

فلا معنى كي لا يشمل هذا المقتضى باقي موظفي وموظفات الدولة،

وأملنا أيضا أن يعي الفاعلون مركزية تجريم الإثراء المشروع في أي خطة محاربة الفساد تبتغي أن تكون ناجعة، فبدون قانون يسأل من أين لك هذا ويرتب الجزاءات على ذلك، لن تقوم لمحاربة الفساد قائمة

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.