“عيش تحت العاصفة”.. حكايات يومين عاصفين في الصحراء

محمد عصام

الريح كلها خير

لا ترد الريح بصيغة الجمع في القرآن الكريم، إلا مقرونة بالخير، مبشرة باليمن والبركات…
” ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته”
” وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته”
وكما هي الطبيعة وأحوالها في الصحراء، شهدت مدن أقليمنا الجنوبية، من طانطان، والعيون، مرورا بطرفاية، والسمارة وآسا والزاك، نهاية الأسبوع الماضي هبوب رياح عاصفية وصلت سرعتها 100 كلم في الساعة، واعتبرتها النشرة الانذارية للارصاد الجوية بأنها من المستوى البرتقالي.
موقع pjd ma، حمل أسئلة الإطمئنان على أهالينا في تلك الربوع الغالية، واستقصى كيف عاشوا يومين كاملين تحت العاصفة وتحت رحمة الريح العاتية

العيون.. ريح تقلب المواجع

أكد الناشط الجمعوي والسياسي بمدينة العيون، محمد سالم لكهل، أنه وهو على مشارف الخمسين من عمره، لم يشهد عاصفة قط بهذا الحجم منذ التسعينيات من القرن الماضي، وأضاف أن مشهد الرياح الحمراء وهي تفرغ المدينة من ساكنتها، وتلزمهم الاحتماء بدفئ البيوت، حرَّك فيه لواجع فقدان أحد أقاربه في البادية ذات ريح عاصفة، حيث فُقِد ولم يعثر له أثر بعد هبوب ريح عاصفة على الصحراء عزلته عن بقية أهله وذويه، وأضحى كل هبوب لمثل تلك الريح ينعش ذكراه في مخيلة وأحاديث أهله وأحبابه يقول محمد سالم.
ذات المتحدث كشف للموقع أن المدينة خلت من كل حركة يومي السبت والأحد، واضطرت بعض المؤسسات التعليمية لاغلاق أبوابها، بينما توقفت حركة الطيران بمطار العيون، أما عن الخسائر المادية فلم تسجل خسائر ما عدا بعض الصهاريج المائية التي عبثت بها الريح من أعلى اسطح المنازل والعمارات، وكأنها تغار من تلك الأشياء التي تربعت في غفلة على عرش تلك البنايات فشوهتها.

طانطان تختنق

في الطانطان هكذا كما يحب أن ينطقها أبناءها، عرفت قسم المستعجلات اكتضاضا لتوارد حالات اختناق، خصوصا من مرضى ضيق الربو، كما أكد للموقع المستشار الجماعي عبد الهادي بوصبيع، هذا الأخير أفاد أنه وإن كانت الرياح فعلا قوية ومحملة بالرمال إلا أن هبوبها يتراجع مساء، مما يفسح المجال للساكنة للخروج لقضاء الأغراض بعد لزوم اضطراري للبيوت
بوصبيع أفاد أيضا، أن بعض المدارس اليوم الاثنين، علقت الدراسة من أجل تنقية فضاءاتها من الأتربة المتراكمة داخل فضاءاتها، وهي الحالة التي لم تسلم منها بيوت ومنازل الساكنة اذ تراكمت الاتربة الى مستويات غير مألوفة أمامها.

السمارة.. وفي الريح مآرب أخرى

“نحن نتفاءل بالريح، والناس هنا يرون في قدومها بشارة خير، ويعتبرونها فيضا من رحمات الله، تطهر الاجواء كما النفوس” هكذا صرح لنا عبد الواحد الادريسي، من ساكنة السمارة، العاصمة العلمية للصحراء، وأضاف أن الريح التي هبت على المدينة لم تكن في درجة قوة تلك التي هبت على العيون وطانطان، خصوصا وأنها كانت تقريبا شبه خالية من الرمال، التي تعيق الرؤية وتحجبها، وأن الساكنة تعودت التأقلم والعيش مع الريح وكأن لسان حالهم ينشد ما قاله حاتم الطائي منذ قرون
أوقِد فإن الليل ليل قَرٌّ
والريح يا موقد ريحٌ صرُّ
عسى أن يرى نارَك من يمرُّ
إن جلبَت ضيفا فأنت حرُّ

طرفاية.. مدينة تحضن الرمل بشغف

طرفاية لها حكايتها الخاصة مع الريح، فهي مدينة تختزل قصة عشق مع الرمال، أيامُها ولياليها تحاكي قصة وصال يستعصي عن الغياب، لذلك تلقت العاصفة بصدر المحبين، وإن تأثرت الحياة في بعض من جوانبها بقوة تلك الريح التي هبت يومي السبت والأحد الماضيين، وخفت الحركة والحياة في الشارع، وتوقفت حركة الربط عبر سيارات الأجرة من والى المدينة بنسبة كبيرة، إلا أن الناس هنا تعودوا على الأمر ، هكذا صرح لنا محمد الهول فاعل سياسي بالمدينة.
طرفاية التي في خاطري، وكما رأيتها وأنا يافع، ببناياتها ذات السقف المستديرة، وكنت أسأل أبي لماذا هي لا تشبه مدننا المتشابهة حد التكرار، وكان يجيبني أن تلك الصيغة هي الوحيدة التي تحمي تلك المدينة من الغرق في بحر لا يرحم من الرمال، هذه المدينة التي اشتد عودها وتوسع بنيانها، مازالت تحضن رملها غير متذمرة ولا مشتكية، راضية مرضية بقدرها وقضاء ربها.

على سبيل الختم

تلك قصة ريح هبت بدون ميعاد على مدن صحرائنا الغالية، ربما تريد أن تذكرنا وإياهم، أن الصحراء باقية رغم التمدن الذي يزحف رخاء واستقرارا، وأن الريح التي في غدوها ورواحها الخير، جزء لا يتجزأ من كينونة الصحراء التي لا تقبل الأفول.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.