الناصري: الاقتصاد المغربي وتداعيات البركسيت..هل استبق المغرب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي؟

نوفل الناصري

يوم الجمعة 31 يناير 2020 على الساعة الحادية عشرة مساء، خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وذلك بعد ثلاث سنوات ونصف من الاخذ والرد والتقلبات والتي هاجت وماجت خلالها القارة الاوروبية وانتهت بفقدان الكتلة الأوروبية لأول مرة وبعد 47 عاما من العمل المشترک لدولة عضوة محورية تتكون من 66 مليون نسمة ولها دور استراتيجي دوليا واقليميا وجهويا.

ففي الـ 23 يونيو 2016 أُجرت بريطانيا استفتاء عام حول بقاءها في عضوية الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه، وكانت النتيجة،   تصويت بنسبة 52 في المائة من أجل الخروج من الاتحاد، بمعنى صوت 17,4 مليون مواطن بريطاني لصالح الخروج (شارك في الاستفتاء نحو 30 مليون مواطن)، ورغم توصل الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية إلى اتفاق للخروج في نوفمبر 2018 ، إلا أن نواب مجلس العموم البريطاني رفضوه ثلاث مرات متتالية، مما أجل البريكست الذي كان من المقرر أن يحصل في الـ 29 مارس 2019.

بطبيعة الحال، سيكون لهذا الحدث التاريخي (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي) تداعيات سياسية ودبلوماسية وآثار اقتصادية واجتماعية على دول العالم بشكل متفاوت بما فيها بريطانيا نفسها، على اعتبار أنها خسرت الاتفاقات التجارية التي كانت تستند عليها في علاقاتها مع دول العالم الخارجي، وسيكون عليها التفاوض مجدداً لبناء علاقات تجارية جديدة، وأعتقد أن هذه المفاوضات التي سيخوضها  رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ستكون عويصة وشائكة ونتائجها غير مؤكدة نظرا لكونه “بطل بريكست” كما ينادونه المؤيدون لخروج بريطانيا، واعتبارا لما رافق خروجها من إبرام عدة اتفاقيات استباقية مع باقي بلدان العالم. 

ومن بين هذه البلدان، المملكة المغربية والتي تجمعها مع بريطانيا علاقات صداقة وتعاون قوية في العديد من المجالات، حيث سبق للطرفين أن اطلاقا الحوار الاستراتيجي بين المملكتين في عام 2018 والذي يشمل مختلف جوانب التعاون. 

 وقد قام الطرفين في السنوات الاخيرة بتدعيم التكامل الاقتصادي بينها، حيث ارتفعت قيمة المبادلات لتصل إلى 18,4 مليار درهم سنة 2018، مقابل 12,5 مليار درهم سنة 2013، مسجلة بذلك ارتفاع بأكثر من 8 في المائة كمتوسط سنوي.

وتعتبر بريطانيا سادس أكبر مورد وخامس أكبر زبون. وتقدر صادرات المغرب نحو بريطانيا بنحو 7,8 مليار درهم، فيما بلغت وارداته إلى 10,6 مليار درهم،  بعجز تجاري لفائدة بريطانيا محدد في 2,8- مليار درهم، أي معدل تغطية في حدود 73,4 في المائة.

تأتي السيارات على رأس الواردات المغربية من بريطانيا بأزيد من 23,4 في المائة من مجموع الواردات، متبوعة بالمواد النفطية بنسبة 20 في المائة، وأجزاء الطائرات ب16 في المائة. وفي المقابل يصدر المغرب نحو بريطانيا، السيارات السياحية بأزيد من 23 في المائة من مجموع الصادرات، وكذلك التجهيزات الكهربائية بنفس النسبة، 23 في المائة، والملابس ب20 في المائة.

فيما يخص حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة البريطانية في المغرب، فقد عرفت تراجعا طفيفا، حيث انتقلت من 2,5 مليار درهم سنة 2013 بحصة 6,4 في المائة من مجموع التدفقات الاجنبية المباشرة بالمغرب،  إلى 2,2 سنة 2018 بحصة 4,7 من مجموع التدفقات.

وللحفاظ عل هذه العلاقات وتعزيز التعاون الاقتصادي والشراكات الاستثمارية بين المغرب والمملكة المتحدة، واستباقا لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ولتداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني، وتجنبا لأي فراغ قانوني من شأنه التأثير سلبا على المقاولات المغربية، أبرم الطرفين في أكتوبر الماضي في لندن اتفاقية شراكة شاملة على أساس رابح رابح، تعيد كل المزايا التي منحها كل طرف للآخر في إطار اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وسيتم تطبيقه في حال خروج المملكة المتحدة من هذا الاخير بدون اتفاق.

وفي نفس الاطار نظمت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج والاتحاد العام لمقاولات المغرب على هامش القمة البريطانية الإفريقية، في يناير 220 في لندن، حوار الأعمال بين المغرب والمملكة المتحدة. وقد شهد حوار الأعمال هذا تعبئة قوية للفاعلين الاقتصاديين من المملكتين، حيث شاركت ما مجموعه 116 مقاولة مغربية و225 مقاولة بريطانية.

وفي نهايته،  تم توقيع مذكرة تفاهم بين الوزير المنتدب لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج محسن الجزولي،  وزير الدولة للتجارة الدولية بالمملكة المتحدة، كونور بورنس ،  بيرنز بغية إنشاء مجموعة عمل مشتركة لدراسة إمكانية زيادة الاستثمارات في اقتصادات المملكة المتحدة والمغرب ومن أجل تدارك التراجع الحاصل على حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة البريطانية في المغرب، خصصت الحكومة البريطانية 3 مليار جنيه إسترليني، ستوظف في صندوق تمويل الصادرات للمملكة المتحدة من أجل تمويل الشركات البريطانية الراغبة في الاستثمار بالمغرب من خلال قروض بأسعار فائدة تفضيلية، الأمر الذي سيعطى دفعة قوية للمستثمرين البريطانيين الراغبين في الاستثمار في بلادنا. 

من شأن اتفاق أكتوبر 2019 بين المغرب وبريطانيا أن يُجنب الرباط خسائر اقتصادية على مستوى المبادلات التجارية، كان يتوقع أن تصل إلى حوالي 97.1 مليون دولار في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.

وأعتقد أن المغرب استبق البركسيت وفاوض بشكل جيد وحقق مكاسب قوية مع المملكة المتحدة والاقتصاد المغربي ستأثر إيجابا بهذا الأمر، خصوصا في ما يتعلق بإدماج المنتجات القادمة من الأقاليم الصحراوية المغربية في عمليات التصدير المرتقبة مع بريطانيا.

 علاوة على ذلك، المغرب يتوفر على امكانيات مهمة من أجل تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية مع المملكة المتحدة خصوصا في مجال الطاقات المتجددة والصناعات الغذائية، والسياحة، حيث وصل عدد السياح البريطانيين الذي زاروا المغرب أكثر من 680 ألف سائح، محتلين بذلك الرتبة الثانية على مستوى المبيت بأزيد من 2 مليون مبيت. إضافة إلى ذلك، تعد بريطانيا منفذا هاما للصادرات المغربية حيث أن 60 في المائة من السردين المستهلك فيها هو من أصل مغربي، و20 في المائة من الطماطم التي يستهلكها البريطانيون مصدرها المغرب، وتستورد بريطانيا أزيد من 25 في المائة من الفواكه الحمراء من المملكة المغربية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.