الحاميل يكتب: كورونا..مِحْنَة ومِنْحَة

عبد اللطيف الحاميل

ليس من السهل على دولة من حجم المغرب، أن تجد نفسها في مواجهة شبح الجفاف، وجائحة وبائية شلت الاقتصاد العالمي، وفرضت نمطا جديدا على العلاقات الدولية يقوم على “العزلة المتبادلة”، فكل دولة أغلقت عليها حدودها البحرية والبرية والجوية للحد من انتشار فيروس كورونا (COVID-19).
ولمعرفة حجم هذه المحنة التي لم يعرف المغرب المعاصر مثيلا لها، فإن نمو اقتصادنا سيتراجع لأدنى مستوى له منذ 20 عاما، ولن يتجاوز في أحسن الأحوال عتبة 2 في المائة، بسبب الجفاف وتأثير كورونا على قطاع السياحة والصناعة والتجارة.
لا يذكر من هم أكبر منا سنا أنهم عاشوا جائحة مثل هذه، ولم يسبق أن وجد العالم نفسه يواجه الموت في عزلة تامة كما هو اليوم؛ فهذا “أكبر تحد منذ الحرب العالمية الثانية” كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قبل أن تجد نفسها في الحجر الصحي بسبب مخالطة طبيبها المصاب بكورونا.
هذه المحنة تحولت بفضل التدابير الاستباقية التي اتخذتها بلادنا إلى منحة جسدت من جديد التلاحم الكبير بين مختلف مكونات الشعب المغربي ملكا وحكومة وشعبا. ما جعل بلادنا تحظى باحترام كبير، حتى أن جريدة مثل “إلباييس” الإسبانية أشادت بهذه التدابير؛ وأكدت أن المغرب يتصدر قائمة دول العالم في إجراءات مواجهة الوباء.
وهذه الشهادة الكبيرة من منبر إعلامي “متحامل” على بلادنا لم تتوقف هنا، بل أكدت “إلباييس” أن “المغرب الذي يفترض أن منظومة حمايته الاجتماعية أقل عشر مرات من متوسط دول الاتحاد الأوروبي، أعلن على حزمة من التدابير الاجتماعية” وأنه “أفضل بكثير من إسبانيا، ففي الوقت الذي كان بيدرو سانشيز يقر في خطابه أن إسبانيا ستقر إجراءات غير مسبوقة، كان المغرب سباقا إليها، وتجاوز في الإجراءات حتى ما قامت به الصين في بداية الأزمة.”
الذي ساهم في هذا الاستثناء المغربي، هو الإجماع والثقة اللذان تتمتع بهما المؤسسة الملكية، انطلاقا من أدوارها الدستورية والتاريخية، خصوصا في فترات الأزمات، ونضج ووعي الشعب المغربي. ولعل هذا ما يفسر التلقائية والإقبال الكبير على التبرع لفائدة الصندوق الخصوصي الذي أمر الملك محمد السادس بإحداثه لمواجهة تداعيات هذا الوباء، حيث وصلت المساهمات لحوالي 3 مليارات دولار، رغم أن الاعتمادات حددت في 10 ملايير درهم فقط (1 مليار دولار).
ستنتهي هذه المحنة، بإذن الله، لكن ستبقى دروسها عبرة للأجيال القادمة، لذلك ينبغي أن تشكل لحظة الإجماع هاته لحظة انطلاقة جديدة بمنطق “لا ينبغي ترك أحد في الخلف” (No one left behind)، خصوصا ونحن نستعد لإطلاق نموذج تنموي جديد، من المفروض أن يستثمر رصيدنا الحضاري وحماسنا الجماعي.
لن نجد لحظة أفضل من هاته  للقطع مع هذا التردد المزمن للانتقال إلى الديمقراطية؛ ولن تتاح فرصة أحسن هاته لتنقية الأجواء من بعض الشوائب التي شوشت على مسار بلادنا في مجال الحقوق والحريات في الآونة الأخيرة..وقديما قالت العرب “كم من محنة تحولت إلى منحة”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.