بالمختصر المفيد: ما بعد كورونا .. المعركة القادمة

سننتصر على كوفيد 19 بإذن الله ..ولكن من باب الأمانة والمسؤولية  أن نقرر أن المعركة مع كوفيد 19 لن تتوقف مع السيطرة الطبية عليه بل إنها ستتواصل وستمتد شهورا بعد ذلك وربما أكثر. فآثار جائحة كورونا لن تقتصر على الجوانب الصحية وما تخلفه من ضحايا شهداء عند الله، بل تتعداها إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية .

كشفت جائحة كورونا هشاشة في الاقتصاد العالمي ستكون لها أثارها على اقتصادنا الوطني بسبب ارتباطه باقتصاديات الاتحاد الأوروبي والاقتصاد العالمي عموما،  وكل المؤشرات تشير إلى دخول تلك الاقتصاديات في وضعية انكماش بدت منذ الآن تجلياتها واضحة في جميع المجالات، فضلا عن التداعيات الداخلية  لتدابير الحجر الصحي وانعكاساته على الإنتاج والمقاولة، ومن ثم على الخدمات والمداخيل الجبائية والرسوم الجمركية ومداخيل القطاع السياحي، وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وهلم جرا..

إصدار الحكومة لمشروع مرسوم بقانون يرخص لوزير المالية بتجاوز سقف التمويلات الخارجية كما حددها قانون المالية أي 31 مليار درهم ووقف جميع الالتزام بالنفقات والاقتصار على ما هو أساسي منها المرتبطة بالأجور وتدبير قطاع الصحة وقطاعات الأمن وتلك المرتبطة بتدبير جائحة كورونا، يندرج ضمن المقاربة المغربية المتفردة في التعاطي مع جائحة كورونا رغم كل مظاهر القصور أو النقد التي يمكن أن يلاحظها البعض ويبالغ البعض الآخر في إبرازها والتركيز عليها .

مشروع ينم عن مقاربة استباقية  لمواجهة تداعيات ما بعد كورنا، وينبغي أن ينخرط المغاربة فيها بوعي ومسؤولية وطنية كما انخرطوا في التدابير الوقائية والصحية  والاجتماعية التي وضعت لمواجهة كورونا والالتزام بذات المنطق الوطني التضامني بعد الجائحة وأن يتواصل ذلك الوعي في الزمن وأن يتطور كما وكيفا، وما يرتبط بذلك من تضامن متعدد الأبعاد ومن ذلك :

–   مستلزمات إعادة إطلاق دورة الإنتاج المتأثرة وتيرتها بالجائحة، إذ لا توزيع للثروة دون إنتاجها، بما يستلزمه ذلك من دعم للمقاولة الوطنية كي تكون منافسة،

– المسؤولة الاجتماعية للمقاولة ومواطنتها سواء كانت استثمارا أجنبيا أو مغربيا وإدراك مسؤوليتها في التضامن الوطني ولو كان ذلك على حساب ما قد يترتب على ذلك من تقلص هامش أرباحها، فمن المعلوم أن حياة المقاولة مرتبطة باستقرار محيطها الاجتماعي، و أنه لا ارتفاع لأرقام معاملاتها دون طلب داخلي ولا طلب داخلي إلا بقدرة شرائية،

– المسؤولية الاجتماعية للشركاء الاجتماعيين الآخرين برفع الإنتاجية و المردودية، ولا إنتاجية أو مردودية إلا بسلم اجتماعي قد يكون من مشمولاته مراجعة سقف المطالب من قبل العمال وتمثيلياتهم بوعي ومسؤولية بما يراعي الإكراهات الفعلية لا المفتعلة للمقاولة كما استقر في الممارسات الراشدة في بعض الدول التي المتقدمة في مجال الحوار الاجتماعي الثلاثي التركيب

– مسؤولية اجتماعية وطنية شاملة تستحضر واجب التضامن الوطني كواجب دستوري، إذ إنه لا سلم اجتماعي إلا إذا كان شاملا  ليس فقط  للمشتغلين في الإدارة أو القطاع المهيكل، إذ إن بإمكان هؤلاء أن يتدبروا شؤون معاشهم كما تدبروا دوما من قبل، ولكن لمن هم خارج الدورة الإنتاجية ممن يعيشون أوضاع الهشاشة، مما يستلزم الترفع عن المقاربات الفئوية الضيقة، ودمجها ضمن منظور شمولي يستحضر الأولويات حتى لو اقتضى ذلك تضحيات فئوية لصالح فئات أكثر تضررا وهشاشة .

وأخيرا وليس آخرا سنكون في حاجة إلى استدعاء كل تقاليد ومخزون القيم الدينية والاجتماعية في مجال التضامن الاجتماعي وخاصة التضامن الأسري والعائلي  والقبلي، فضلا عن تحفيز المواطنين لإخراج الزكاة ولم تفعيل صندوق الزكاة الذي كان قد دعا إليه جلالة الملك الحسم الثاني رحمه الله، فضلا عن تثمين مبادرات المجتمع المدني  والسياسي في مجالات التضامن دون هواجس أو حساسيات كل ذلك في نطاق القانون وبتنسيق وإشراف من السلطات المعنية .

 
شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.